كل ما يجري من حولك

الرسالةُ المحمدية مبحرة في قلوب اليمنيين على مدى الأزمان

502

 

بلقيس علي السلطان

من أراد أن يعرفَ أين يتجسّد الحبُّ المحمديّ، فليقمْ بزيارة إلى ثنايا التاريخ اليمني وإلى عاداته وتقاليده؛ ليرى كيف حُفِر حبُّ الرسول الأعظم في قلوب من وصفهم -صلى اللهُ عليه وعلى آله- بأنهم (أرقُّ قلوباً وألينُ أفئدة).

لم يُحفر ذلك الحب في القلوب فقط، بل حُفِر في كُـلّ مناسباتٍ تمرُّ على اليمانيين، بدءاً بالأعراس ومروراً بالمواليد وانتهاءً بمراسيم العزاء، ولن ينسوا الاحتفالَ بمولده الشريف والذي ظلّت صوامع الجامع الكبير بصنعاء -والذي أمر ببنائه الرسولُ صلى اللهُ عليه وآله- تصدح بذكرى مولده في كُـلّ عام وعلى مدى أعوام متعاقبة تلهج فيها الألسنةُ بالصلاة على محمدٍ وعلى آله، ذاكرين في ثنايا ذلك سيرته الشريفة من صبره وجهاده وحكمته ومحاكاة القرآن الكريم قولاً وعملاً.

لقد ظل اليمنيون على مدى قرون تلت الرسالةَ المحمدية يكتنزون بداخلهم تلك الرسالة التي غيّرت عالمَهم وأخرجتهم من الظلمات إلى النور، فإذا حضرتَ أعراسَهم ستجدها لا تخلو من الصلاة على محمدٍ وآله، في مقيلهم وفي زفّة العريس مردّدين: (صلِ يا رب على طه الحبيب، سيدكم سيد كُـلّ الناس) وكذلك: (مرحبا يا نور عيني، مرحبا جد الحسينِ) والكثير الكثير من الأناشيد وكأنهم به يحتفل بهم وبينهم.

وإذا حضرْتَ مناسبةً لارتزاقهم بمولود، ستجدهم يقيمون الموالدَ التي تحيي سيرةَ الرسول العطرة والصلاة عليه وعلى آله الأطهار؛ تيمناً بأن ينبت اللهُ ذلك المولود النباتَ الحسن الذي يجعله يسير على خطى النبي وآل بيته الأطهار.

وفي عزائهم ستجد الأناشيدَ المردّدة لذكر رسول الله والصلاة عليه وعلى آل بيته، وفي نذورهم ستجد نذورَهم تشترط إقامةَ مولد لإحياء سيرة الرسول العطرة، وَإذَا دخلوا بيتاً جديداً لم يدخلوه قبلَ أن يقيموا مولداً؛ تيمناً بأن يبارك اللهُ لهم في سكناهم، وبأن تحلَّ الصلاةُ على محمد وآله في كُـلّ زوايا المنزل.

هكذا في كُـلِّ خُطَاهم وسكناتهم، لا يكادون ينسون ذكرَه والصلاةَ عليه وعلى آله، فإذا نسوا شيئاً قالوا: صلّوا على رسول الله وآله وستجدونه، يقين منهم بأن ذكر رسول الله يزيح غشاوةَ النسيان، وَإذَا اعتراهم الهَــمُّ قالوا: صلّوا على رسولِ الله وعلى آله والهَــمّ سوف يزيل ويتبدل بالراحة والطمأنينة، وَإذَا أرادوا درأَ العين والحسد قالوا: صلِّ على النبي وآله، وكأن ذكره درعٌ يصد عين الحاقدين والحاسدين.

هذا ما توارثه اليمانيون منذُ الأزل عن أجدادهم وأكثر، فكيف ستقنعونهم بأن إحياءَ ذكرى مولده بدعةٌ؟

وكيف ستجتثّون حبَّه من قلوبِهم ومن ثنايا مناسباتهم وعاداتهم وتقاليدهم؟

هيهاتَ لمن حاول ذلك أن يستطيعَ ولو وجد له بعض المطبّلين الغافلين، لكنَّ أولي الحكمة والإيمان قد غُرس فيهم حبُّ المصطفى محمد وحبُّ آل بيته في أوردتهم وأثمر شجرة طيبة، أصلُها ثابتٌ وفرعها في السماء تؤتي أكلها كُـلَّ حين بإذن ربها، فصلاةُ ربي وسلامه عليك يا خير خلق الله وعلى آل بيتك الطاهرين.

You might also like