كل ما يجري من حولك

احتفالٌ في ظل احتلال

589

 

صفاء فايع

من المضحك المبكي حقاً أن نشاهدَ الجنوبيين في عدن يقيمون الاحتفالاتِ بمناسبة العيد 65 لنجاح ثورة الـ 14 من أكتوبر، تلك الثورة التي كان الجنوبيون وقودَها وصواريخَها وقنابلها، والتي أجلت في حينها 30000 جندي بريطاني من اليمن، ومن الخزي والعار أن يقوموا بترديد صرخات الحرية احتفاءً بهذه المناسبة في الوقت الذي يقبعون فيه في ظل احتلال لم يترك لهم من الحرية والكرامة ما يحفظون به ماءَ وجوههم، وكأنما هم بذلك كالعاقِّ الذي يرمي والدتَه في الشارع ويتغنّى في مارس بعيد الأم!

أي مواطن جنوبي في ظل المستعمر الجديد لا يستطيعُ التحَرّكَ من مكان إلى آخرَ في بلده إلا بتأشيرة من الإماراتي والسعودي أيادي الأمريكي والبريطاني، ذلك المحتلّ القديم الذي فتح للغزو الجديد الطريقَ والبابَ لعودة الاحتلال، وذلك من خلال ترسيخ مبادئ ما يسميها (المواطَنة والمسالمة) الغريبة، ولا غرابة فهو مصطلحٌ غربي استُخدم للوصول إلى أهداف واضحة وجلية، كان أهمُّ ركائزها تركَ حمل السلاح نهائياً حتى السلاح الشخصي العادي الذي طالما تمسك به اليمنيُّ الحر كنوع من التمسك بهُويته اليمنية، ورسّخ بذلك معاني الشهامة والرجولة والتي يشار بها في اليمن إلى “لابس الجنبية وحامل الآلي”.

وبالرغم من أنَّ اليمنيَّ يحمل حبَّ السلام وحبَّ الوطن في قلبه وتصرفاته، ويتعايش مع الجميع بدون صراعات، لكن المستعمرَ القديمَ استطاع أن يرسّخ في عقل المواطن الجنوبي أن ثقافةَ حمل السلاح باطلةٌ وعادة جاهلية سيئة وخطيرة على المجتمع، فتخلى عنها للأسف، لكنه لقي بذلك من الأهوال ما تشيبُ له الرؤوس، وها نحن كُـلّ يوم نسمع في عدنَ عن جرائمَ تندى لها جبين الإنسانية (اختطافات، اغتصابات، عصابات مخربة، نهب لأموال الناس وابتزازات، جرائم قتل وانتحارات) وقصص في الخفاء لنزوح الكثير من المناطق الجنوبية إلى الشمالية؛ بحثاً عن الأمان.

فكيف لأولئك العظماء الأعزاء الذين تحَرّكوا ذاتَ يوم أمام محتلّ لئيم أراد أن ينهبَ ثرواتهم وينتهك أعراضهم ويسيطر على أراضيهم، لكنهم ورغم قلة إمْكَانياتهم واجهوا بكلِّ شراسة الدولة التي لا تغيب عنها الشمس حتى طردوها شر طردة، وهزموها شر هزيمة، فخرجت خائبةً مدحورة بآلياتها وعتادها وإمْكَانياتها، فكيف لهم أن يُهزموا اليوم ويُسلموا لغازٍ رخيص رقابَهم وحريتَهم وكرامتَهم؟! كيف لهم أن يتحولوا من عرب أقحاح ويمانيين أشداء إلى عبيد لثلة أنجاس محتلّين؟ يحاربون بني وطنهم الذين يريدون لهم الحريةَ، بل ويطردون إخوتهم من مناطقهم؛ خدمةً للمحتلّ وتسهيلاً له ليمتهن كرامتهم؟ كيف لهم ذلك!!

إنَّ ثورةَ الـ 14 من أكتوبر كان أبطالها وثوارها هم الجنوبيين الأحرار، فيجب أن يستلهموا منها الدروسَ التي كانوا هم صفحاتها وكُتُبَها ومجلداتها، ويعيدوا لمناطقهم حريتَها وكرامتها، ولتكون منطلقاً لدحر كُـلّ غازٍ محتلّ.

وهي دعوة منا إليهم أن يغتنموا فرصة مبادرة المصالحة الوطنية الشاملة التي دعا إليها المشّاط، ويضعوا أيديهم في أيدي إخوتهم من جميع المحافظات والمناطق، وليلحقوا بالمحتلّ شرَّ هزيمة، فما يحدث في الجنوب مؤلمٌ ومخزٍ وعارٌ لا يرضى به أيُّ مواطن يمني حر.

You might also like