كل ما يجري من حولك

بمولد النور.. سطع جمالُ الحياة

589

 

رقية المعافى

بين ظلمةِ الحياة وقهر الظلم وصِراع الجاهلية، أرضٌ غاب عنها النورُ وعثا فيها الفسادُ، أصبح القويُّ يأكل الضعيفَ، والمُستضعفُ حياتُهُ رِقٌّ وعبوديّة.

القتلُ من شيم القبائل، والظلمُ مفخرةُ الرجال، لا حقوق تُعرف ولا إنسانيّة ورحمة تسود، في تلك الصحاري الحياةُ فقط للمترفين، والجوعُ والفقرُ نصيبُ العبيدِ والمستضعفين، أما دينهُم فتعددتِ الأديانُ وكثرت الآلهةُ وسيطر الذلُّ على حياة المجتمعاتِ المتناحرة، فباتوا يسجدون لأصنامٍ هم أكثر شأناً وعزاً منها.

وكان الزمانُ آنذاك على موعدٍ مع ولادة البشير النذير، سطع نورُ محمد نبيِّ الأمّة -صلى الله عليه وعلى آله-، وأشرق جمالُ الحياة وسعادتها ليُذهب عنها شقاؤها.

في ليلةِ الثاني عشر من ربيع الأول، وُلِدَ الحبيب، وظهر نجمُ أحمدَ ظهوراً مباركاً مغيظاً لأعداء ويهود الأمّة، حتى صرخ يهوديٌّ: يا قريش، اقتلوا وليدَ هذه الليلة، لقد طلعَ في السماءِ نجمُ أحمد.

ولدُ الرسولُ الأعظمُ محمدٌ –صلى الله عليه وعلى آله- والأرضُ ومن عليها تتهيأ لسعادةٍ تمحو كُـلَّ الشقاء، وعزٍّ يزيح الذلَّ عن حياتهم، وحُبٍّ يقتلع الحقدَ والكراهيةَ من قلوبهم، فليس هناك صوتٌ غير صوتِ محمد -صلى الله عليه وعلى آله- يُنادي بالمحبّة والتحرّر من أوثانِ الجاهلية، ويمضي بأخلاقِهِ العظيمة التي كانت حديثاً يتناقلُهُ الجميع وشُعاعاً يخترق قلوبَهم المملوءة حقداً وبُغضاً.

الصادقُ الأمينُ، هكذا لُقّب سيّدُ هذه الأمّة، حتى أنَّ أعداءه كانوا يضعون أماناتِهم عنده –عليهِ وعلى آله الصلاةُ والسلامُ-، عُرِف سمحاً كريماً لطيفاً مُتأمّلاً في آياتِ الله ومخلوقاته، وما كان أحبُّ إليهِ من الخلوةِ لوحده في غارِ حراء بعيداً عن ضوضاء مجتمع مكة، يتأملُ في تفاصيل الكون الواسع وصفاء السماء وجمالها، وقلبُهُ يُدرِكُ أن قوةً عُظمى تتحكمُ في هذا الوجود.

وبين جبال مكةَ تحديداً في غار حراء، ومحمدٌ -صلى الله عليه وعلى آله- غارقٌ في تأملهِ وتعبّده، ينزلُ عليهِ جبريل -عليه السلام- بالوحي من ربِّ الأنام، يُبشّرُ محمداً -صلى الله عليه وعلى آله- أنك رسولُ الله إلى البشريّة، قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا).

صدع صوتُ الحقّ عالياً والدعوة إلى دين الإسلام والإيمان بالله ورسوله الأعظم، أشعل رسولُ اللهِ محمد -صلى الله عليه وعلى آله- ثورةً أخلاقيّة عارمة؛ ليُنقذَ مجتمعاً متداعياً نخَرَهُ سوسُ الأَثَرَةِ والخُيلاء والكبرياء، وهدّدت جذورَهُ عصبيّةُ الدم العَطِش إلى الدم.

على الطريقِ مشى رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله- بخُطَىً ثابتةٍ واعية، فإذا الطريقُ طويلٌ ومحفوفٌ بالأخطار، مزروعٌ بالأشواك منثورةٌ عليه العقبات والصعاب، مشوبٌ بالمؤامرات، وَإذَا برسولِ الله -صلى الله عليه وعلى آله- يزدادُ ثباتاً كلّما ازدادتِ الأخطارُ واشتدّت الأزمات، لا ينثني ولا يهون لهُ عزم أَو تفتر همّة، هو واثقٌ من نفسه ومن أصالةِ رسالته ومؤمنٌ باللهِ الذي أرسله.

وبدعوةِ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله- ابتدأ ركوبَ قافلةِ الإسلام زوجُه السيدة خديجة والإمامُ عليٌّ، لينضمَّ إلى قافلةِ المؤمنين بعضٌ من الموالي والفقراء من تلك الطبقة المسكينة التي هي كالأشياء يملكها الأثرياءُ كبلالٍ الحبشي وزيد بن حارثة، وهنا تتجلّى عظمةُ الدين الإسلامي والدعوة التي جاء بها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله-.

وبين ليلةٍ وضحاها، تساوى البشرُ وغدوا إخوةً في الدين، لا سيّد ولا عبد لا غنيّ ولا فقير، لا رفيع ولا وضيع، بل جميعهُم أكفاءٌ تشدُّ بعضهم إلى بعض عروةٌ وثقى، هي الإيمانُ باللهِ ورسوله واليومِ الآخر.

ختامُ حديثنا بقولِ مايكل هارت الكاتب الذي قضى ثمانية وعشرين عاماً يؤلّف كتاباً أسماهُ العظماء المِئة. وبعد أن تمّ تأليفُ الكتاب أعلن في لندن عن أعظم شخصية في التاريخ.. قائلاً: “وقف الرجلُ في قرية صغيرة هي مكةُ، قال للناسِ فيها: أنا رسولُ اللهِ إليكم جئتُ لأتمم لكم مكارم الأخلاق، فَآمن معه أربعة: زوجتُه وصاحبه وطفلان، الآن بعد مرور ألفٍ وأربعمِئة عام، عددُ المسلمين تجاوز المليار ونصف المليار وكُلّ يومٍ في ازدياد، فلا يُمكن أن يكون كاذباً؛ لأنهُ ليس هُناك كذبةٌ تعيشُ ألفاً وأربعَمِئةِ سنةٍ، ولا يمكن لأحد أبداً أن يخدع أكثرَ من مليار ونصفِ مليار إنسان، ورغم مرور هذا الزمن الطويل هناك الملايين من المسلمين مستعدّين للتضحية بأنفسهم في سبيلِ كلمة تمسّ نبيَّهم ودينهم، فهل هناك مسيحي أَو يهودي واحدٌ يفعلُ ذلك من أجل نبيه أَو حتى ربه، إنّه أعظم شخصيّة في التاريخ”.

You might also like