كل ما يجري من حولك

الصراعُ الصينيُّ الأمريكيُّ.. إلى أين؟

595

 

غالب المقدم

يبدو أن الصراعَ بين أمريكا والصين، على منطقة الشرقِ الأوسط، لاقى استحواذاً واستفراداً، بدأ يرسم ملامحه بما تفرضه أمريكا من عقوبات اقتصادية على شركة هواوي الصينية العملاقة؛ وذلك ليس سوى رأس جبل الجليد في الصراعِ القادم بين التنين الصيني والولايات المتحدة الأمريكية، فالحربُ الاقتصاديةُ لها أوجه عدة، ولها ميادينها الخَاصَّة، وهي التي تسحب البساطَ من سابقاتها من الحروب، لجهة أهميتها في هذا النزاع، وهي أَيْـضاً التي ترسم ملامحَ الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.

وما يحدثُ الآنَ ناتجٌ عن تفاعل كبير كان يختمر منذُ عقود، فالصراعُ السياسيُّ يظَلُّ قائماً في أروقة السياسة، وما ينتقل إلى الميادين إلّا المشاهدُ الأخيرةُ منه.

فلو نظرنا إلى ما يحدثُ الآن، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، في منطقتنا المشتعلة بالحريق، لبدا للناظر أنها حروبٌ عبثيةٌ، وأنها لا تحقّق شيئاً، إلّا مزيداً من نزيف الدم لشعوبنا، ولكن لو نظرنا إليه بنظرةٍ فاحصة، وقرأنا المشهدَ السياسيَّ العام قراءةً عميقة، سنجد صراعَ استحواذٍ وسيطرة استراتيجية.

وما يرعب أمريكا حالياً هو النشاطُ الصيني الذي بات يقضُّ مضجعها، والذي يحاولُ ربطَ أوروبا بآسيا براً، وآسيا وأفريقيا وأوروبا بحراً، عبر المشروع الاستراتيجي “طريق الحرير”.

وكلُّ ما تفرضه أمريكا من عقوباتٍ على الصين، هي محاولةُ عرقلة للمشروع الصيني الكبير الذي تشعر أمريكا أنه محاولة إزاحة لوجودها في المنطقة، إن لم يكن خروجاً لها؛ لأن ملامحَ الخريف الأمريكي بادئةُ الظهور، بينما ربيع الصين يُبشّر بالقدوم.

فلماذا تصرُّ أمريكا على إبقاء منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن؟! ولماذا بالذات تأجيج النار في كُـلٍّ من العراق وسوريا واليمن، وإدخال هذه الدول في حروبها اللامنتهية، ولا وجودَ لمؤشرات تقولُ عكسَ ذلك؟!

أليسَ ذلك؛ لأن عواملَ الجغرافيا التي تمتلكها هذه البلدانُ التي تلتهبُ من شدّة الحريق، مهمةٌ للمشروع الصيني، ويريد ربطها ببعض؛ أَيْـضاً لأنها قرّرت التحرّرَ والخروجَ عن سيطرة الكابوس الأمريكي الجاثم عليها منذُ عقود، محاولة الانفتاح على العالم بما يثمر، ويجعلها قادرةً على مواكبة تغيرات المناخ السياسي والاقتصادي، قرّرت واشنطن حرقَها بأيادي آل سعود وآل زايد، وتشظيها دون فقدان أية خسائر، بل بمزيدٍ من الأرباح في ناتج الدخل القومي الأمريكي، من خلال بيع الأسلحة لأنظمة الخليج، وعلى رأسها مملكةُ آل سعود، التي تقتل الشعوبَ العربية، وفي مقدّمتهم الشعبُ اليمني، وهذا هو الترجمةُ الفعليةُ للمعادلة الصفرية من مستويات الحروب.

ولكن يبقى السؤال: ما القيمةُ التي تحتفظ بها اليمنُ حتى تصرُّ أمريكا على استمرارية الصراع؟ وأين موقعنا من كُـلِّ هذا الصراع؟ ولماذا هذا الإصرار على إبقائنا في فوهة البركان؟

أستطيع أن أرُدَّ على هذه الأسئلة بالقول: إن جغرافيةَ بلادنا هي محورُ ارتكاز في الصراع القادم، وخَاصَّة إذَا استطعنا أن نحرّرَ مناطقنا المحتلّة من أيادي النفوذ الأمريكي (السعودية والإمارات)، حينها نستطيع مواكبةَ المرحلة المقبلة، ولعبَ دور هامٍّ في صناعة تقرير المصير والتحرّر العربي في منطقة شبه الجزيرة العربية، وهذا ما تخشاه أمريكا على إسرائيل أولاً، وثانياً؛ لأنها تعلم أن استراتيجيةَ الصراع تغيّرت، وثالثاً -وهو الأهمُّ- أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن الاقتصادَ والتكنولوجيا هما مرتكزاتُ الصراع الجديد، وليس النفط؛ ولهذا فإن فعاليةَ الضرورة والأهميّة التي كانت تمتلكها دولُ الخليج، بدأت تفقدها؛ بسبَبِ تغيّر اتّجاه الصراع، واليمن شارعة بها، وموقعها الاستراتيجي يمكنها من تعزيز قدرتها على أن تلعبَ دوراً هامًّا في الملاحة البحرية الإقليمية والدولية، وحماية مياه البحر الأحمر والمياه الإقليمية والدولية.

الدور الذي غُيّب منذُ اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي عقد مؤتمرَ حماية مياه البحر الأحمر، عام 1976م، ومعه اغتيل مشروعُ اليمن الكبير، الذي بدوره يلغي دورَ مدن الملح والزجاج، وها هو الآن الشعبُ اليمنيُّ ينفضُ من جديد غبارَ الوصاية السعودية الأمريكية، بعد أن كسر مخطّطاتها بصموده الأسطوري الفريد في مواجهة عدوانها العسكري بالدرجة الأولى، وكما كسرناهم أوّلَ مرة، قادرٌ هذا الشعب أن يكسرهم ألفَ مرة.

ومع هذا، فإلى أين نتجه نحن؟ ولهذا أعودُ من جديد إلى الصين التي أصبح نموها الاقتصادي المتزايد، الهاجسَ الوحيدَ الذي بات يزعج الهدوءَ الأمريكي في المنطقة.

وبما أن الحربَ هي حربٌ اقتصاديةٌ مستعرة، لكلا الطرفين، فأين نحن من كُـلِّ هذا الخضم الجاري؟ باعتقادي أن كلا الدولتين تتمتعان بنفسٍ عميقٍ في الصراع، ولديهما من الحلفاء والمصالح في كافّة القارات، وَإذَا ما استمرَّ هذا الصراعُ بهذا النحو قد يكون مكلفاً لكليهما، وغيرُ معروفٍ أَو متوقعٍ مَنْ مِنَ الطرفين يستطيعُ الخروجَ منتصراً؛ ولأن الحلولَ هي أهونُ الشرور، فمن الممكن أن يجلسا ويتشاورا من جديدٍ في سبيل إيجاد حلول ترضيهما، ومربحة لكليهما؛ خشيةً من دفع ثمن باهظ لا حاجةَ إلى دفعه في الوقت الراهن.

ولكن يظَلُّ السؤالُ الذي يحير الكثيرين: هل صدامُ بكين مع واشنطن سيأتي بانفراجة تستنهضُ الشعوبَ، وتخرجها من الهيمنة الأمريكية، أم ستظلُّ هذه الشعوبُ في سباتها كما هو حاصل الآن؟!..

You might also like