لم تَعُد السعودية يتيمة في المهداف اليمني. أمس، دخلت الإمارات بقوّة على خطّ صواريخ صنعاء ومسيّراتها. المعادلة التي أرادت حركة «أنصار الله» تثبيتها عبر المُفاوِضين وناقلي الرسائل، انتقلت إلى العمل على تكريسها من خلال الصواريخ والمسيّرات، ومفادها أن الخطوط الحمراء هي فقط التي تحدّدها صنعاء، لا أبو ظبي ولا الرياض ولا واشنطن مِن خَلفهما. كان واضحاً أن الإمارات قد أعادت تفعيل أدواتها في اليمن، خصوصاً مع دورها في عملية «إعصار الجنوب» التي أطلقها التحالف السعودي – الإماراتي أخيراً، واستعاد من خلالها مساحات من مديريات بيحان وعسيلان وعين في محافظة شبوة، من قبضة «أنصار الله». دفع الإماراتيون بميليشيات «العمالقة» إلى واجهة المعارك والأحداث المرتبطة بتلك العملية، إلّا أن ما دار خلف الكواليس، كان لواشنطن دور أساسي فيه، وفي «الكباش» الذي دار بين صنعاء وأبو ظبي، على خلفية الدور الذي استأنفت الأخيرة لعِبه انطلاقاً من شبوة.
في الأصل، كان دخول الإمارات عبر «العمالقة» إلى شبوة، نتاج «تفاهم» غير مباشر عبر جهات وسيطة، قِوامه أنه بعد انسحاب الميليشيات المدعومة إماراتياً من الساحل الغربي، تنتشر في مناطق سيطرة «حزب الإصلاح» في شبوة، حيث تتواجد قوات صنعاء فقط في مديريات بيحان وعسيلان وعين، المتاخمة لمأرب. إلّا أنه بعد تأخّر تنفيذ الاتفاق إلى ما بعد تغيير محافظ شبوة محمد بن عديو، الذي ينتمي إلى «الإصلاح»، واستبدال عوض محمد العولقي الذي ينتمي إلى حزب «المؤتمر»، به، وفقاً لاتفاق سعودي – إماراتي، صارت القيادة السياسية للمحافظة بيد الإمارات، وبعد ذلك بأسبوع، دخلت «العمالقة» إلى شبوة. غير أنها لم تكتفِ بذلك، وفق ما توضحه مصادر مطّلعة في حديث إلى «الأخبار»، بل أكملت تقدّمها صوب المديريات الثلاث، والتي تُعدّ خطوطاً حمراء رسمتها صنعاء ربطاً بالمعركة الأساسية في مأرب. وعليه، مرّرت «أنصار الله» رسائل إلى الإماراتيين عبر مسؤولين أمميين، مفادها بأن تقدّم ميليشياتهم نحو تلك الخطوط يعني أن صنعاء باتت مضطّرة لتوسيع دائرة الردّ لتطاول العمق الإماراتي. وبحسب المصادر، فإن أبو ظبي ردّت على الرسائل اليمنية بـ«وجود ضغط أميركي كبير عليها من أجل الاستمرار بالتقدّم باتجاه المديريات المحرَّرة في مأرب، مثل حريب وجوبة والعبدية وجبل مراد». الإشارات نفسها حملها تعليق رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبد السلام، الموجود في طهران، على ضربة الأمس، والذي غرّد قائلاً إن «‏دويلة صغيرة في المنطقة تستميت في خدمة أميركا وإسرائيل، كانت قد زعمت أنها نأت بنفسها عن اليمن لكنها انكشفت في الآونة الأخيرة خلاف ما زعمت، وعلى إثر ذلك فهي بيْن أن تسارع لكفّ يدها عن العبث في اليمن أو جاءها بقوة الله ما يقطع يدها ويد غيرها».

تَعتبر صنعاء ضربة الأمس «رسالة تحذيرية وليست ذروة الردّ»

على أن التقدير الذي خلُصت إليه صنعاء هو أن الإماراتيين، الذين تعرّضوا لضغط أميركي بالفعل، إنّما كانوا يبطنون رغبة ذاتية في استكمال التقدّم صوب مأرب، التي عملت واشنطن على رسم خطوط حمراء حولها، وحاولت بشكل مباشر وغير مباشر، الضغط على «أنصار الله» لعدم الدخول إليها. وفي هذا السياق، تؤكد المصادر أن «إعادة أبو ظبي تفعيل أوراقها وميليشياتها في اليمن، كان بطلب أميركي مباشر، إذ لمس الأميركيون تراجع كفاءة الطرف السعودي في إدارة أدوات الحرب على أرض اليمن، وخصوصاً في مأرب، فكانت الاستعانة بالإمارات كطرف ثانٍ يمتلك الخبرة والتجربة والإمكانيات والأوراق، وعلى رأسها ميليشيات العمالقة كقوّة عسكرية بحتة، وليست سياسية، بالتالي لا تؤثّر خسائرها في سير الخطّة، مهما بلغت فداحتها».
هكذا، دفَع إصرار «أنصار الله» على استكمال تحرير مأرب وتحصين محيطها وقطع كلّ طرق الإمداد إليها بما فيها تلك الآتية من شبوة، واشنطن إلى الانخراط المباشر في إدارة المعركة والوجود الميداني في بعض الجبهات والمواقع، إضافة إلى جلب الإماراتيين إلى المستنقع من جديد، بعدما كانوا قد أعلنوا سابقاً خروجهم من المعركة. ولذا، أظهر الأداء العسكري المُسجّل في الجبهات استخدام تكتيكات مغايرة لما كان يعتمده «التحالف» سابقاً، حيث صار تقسيم العمليات قريباً جداً من الطريقة التي اعتمدها الإسرائيليون في جنوب لبنان وغزة، على شكل مربّعات لكلّ منها جاهزية تامّة، وترتبط جميعها بإدارة أميركية مباشرة، من دون استبعاد وجود عنصر إسرائيلي في المشهد. بناءً على كلّ تلك المعطيات، أتى إعلان قوّات صنعاء، أمس، شنّ هجوم على أهداف في الإمارات، أقرّت به شرطة أبو ظبي، متحدّثة عن انفجار في 3 صهاريج نقل محروقات بترولية بالقرب من خزانات شركة النفط الإماراتية الوطنية «أدنوك»، إضافة إلى «حادث حريق بسيط» في منطقة الإنشاءات الجديدة في مطار أبو ظبي الدولي. الضربة اليمنية أصابت أعمدة أساسية في البنيان الاقتصادي للإمارات، كمنطقة مصفح الصناعية، التي تعدّ منطقة صناعية رئيسة في العاصمة، حيث تضمّ العديد من الشركات الصناعية وشركات السيارات، وشركة البترول المملوكة من الدولة (أدنوك). كما أصابت جوار مطار أبو ظبي الدولي الجديد (قيد الإنجاز)، الذي يُعتبر عصب المدينة السياحي.
أضافت صنعاء، إذاً، العاصمة الإماراتية بما فيها من مراكز هامّة إلى بنك أهداف صواريخها ومسيّراتها، وهي تَعتبر ضربة الأمس «رسالة تحذيرية وليست ذروة الردّ»، الهدف منها أن «يستوعب الإماراتيون جدّية الرسائل اليمنية المرتبطة بمعركة مأرب ومتطلّباتها». وبالنسبة إلى «أنصار الله»، فإن «موانع استهداف أبو ظبي لم تَعُد موجودة، طالما أن الأخيرة لا تزال تسعى لتنفيذ أهداف العدوان الأميركي السعودي من دون مراعاة لمصالح الشعب اليمني»، بالتالي فإن الحركة ترى أنه إذا كان «التورّط الإماراتي الجديد في المعركة أتى بضغط أميركي وفق زعم أبو ظبي»، فالسؤال المستجدّ الآن هو: «إذا تمّ وضع العاصمة الإماراتية على المهداف اليمني، مَن سيدفع ثمن تداعيات ذلك؟ واشنطن أم أبو ظبي؟».

.* الأخبار اللبنانية| حمزة الخنسا