كل ما يجري من حولك

اليمن خلال 2022: الحوثيون يحتفظون بمكاسبهم ويتقدمون والتحالفُ يواصلُ سياساته التدميرية

778

محمد مصطفى العمراني*

سألني أحد الزملاء عن توقعاتي لأحداث العام الجديد 2022م في اليمن بناء على مسار الأحداث في العام الماضي 2021م ، لم أخبره برأيي ، ليس لأنني فقدت القدرة على التحليل السياسي ، ولكن لعدم رغبتي في الحديث عما له صلة بالشأن السياسي في اليمن ، رغم أن أحداث هذا العام هي امتداد للعام الماضي.

المشهد اليمني اليوم شديد التعقيد ومحبط للغاية ، يرهق للذهن ويتلف أعصاب أي متابع عادي ناهيك عن محلل سياسي لديه المعلومات ويدرك أبعاد وتداعيات ما يحدث ، فاليمن تمر بمرحلة خطيرة من التدمير الممنهج والتسليم المرحلي للمليشيا في الجنوب بعد الشمال.

تحولت ما تسمى بالشرعية إلى أداة لتدمير اليمن وقفازة متسخة للتحالف كلما أراد أن يمضيَ خطوة جديدة في تدمير اليمن ، يمسك بتلك القفازة المتسخة المسماة بالشرعية ويدلق بقذارته على وجوه اليمنيين ويفتح عليهم بوابات الخراب.

 لقد اختلطت الأوراق وصارت الحرب بلا نهاية تلوح في الأفق.

 وإذا كان الجميع يتساءلون : إلى أين سيصل الحالُ باليمن واليمنيين؟

فالحقيقة أنه لا أحد يمتلك إجابة دقيقة ، ولا يوجد طرف يمني لديه رؤية مقنعة أو يمتلك قراره على الأقل ، بعد أن صار استمرار الحرب أو توقفها رهنا بتحقيق مصالح الدول الكبرى في المنطقة ، وما الدول الإقليمية الفاعلة في الملف اليمني (السعودية والإمارات خصوصاً) والأمم المتحدة إلا أدوات تنفذ رؤية الدول الكبرى التي ترى في تفتيت اليمن وإغراقه بالمليشيا والحروب وتدميره بشكل ممنهج سياسة ناجحة تخدم مصالحها وأجندتها في المنطقة .

تحولت اليمن منذ سنوات إلى مسرح للصراع الإقليمي والدولي الممنهج ، وتحولت دول التحالف من التدخل العسكري تحت لافتة ”دعم الشرعية وإنهاء الانقلاب” وترجيح كفة طرف يمني على آخر إلى إدارة الصراع بين الأطراف اليمنية على الأرض دون أن يخرج عن مساره أو يتوقف ، ولذا ففي الحالة الراهنة لا توجد ممارسة سياسة في اليمن ، ولا توجد رؤية مستقبلية دقيقة لما سيحدث .

في اليمن اليوم يوجد تدمير ممنهج لما بقي من مقدرات ومقومات اليمن كدولة موحدة ، في الصعيد المحلي تمارس الأدوات بتوجيهات خارجية ما يمكن تسميته باللهجة المحلية ” مرفالة ” و” معراصة ” إضافة إلى بيع وشراء الذمم والولاءات ، والقيام بالخيانات حتى في الجبهات صارت الحرب أشبه بتمثيل سينمائي ، هجوم منسق ، وانسحاب متفق عليه ، وبأقل الخسائر ، كما يحدث في شبوة.

️الحوثيون سيظلون القوى الوحيدة في الشمال لعدم وجود أي قوة تنازعهم ولرغبة الدول الكبرى والإقليمية ببقاء جماعة الحوثي قوية ومسيطرة على الأوضاع وبإيجاد شعبية وقبول للحوثيين في الشمال والحفاظ على سلطتهم على الأقل على المدى القريب والمتوسط ، كما أن الحال في الشمال في ظل السيطرة الحوثية سيظل مقارنة بالجنوب أفضل بكثير من الناحية الأمنية والاقتصادية نظرا للقبضة القوية للسلطة الحوثية على الوضع في الشمال حيث تتسم بقوة وحزم يفتقر لها الانتقالي.

 ️ تلاشي الشرعية وعجز القوى السياسية

ما تسمى بالشرعية ستظل مجرد دمية بأيدي التحالف السعودي الإماراتي والذي يسعى بكل السبل والوسائل لتدمير اليمن.

ومن المؤكد أن الشرعية سيتقلص نفوذها في اليمن إلى أبعد مما نتصور، بينما ستحتفظ قوات طارق صالح بسيطرتها على مدينة المخا الساحلية بتعز وما جاورها وستكثف تنسيقها مع الانتقالي بعيدا عن الشرعية التي ستواصل عملها كأداة قذرة للتحالف وكغطاء لممارساته التخريبية ، كما سيواصل التحالف سياساته التدميرية في اليمن ورعايته للمليشيا ودعمها والسعي لاستكمال عملية تسليم الشمال كاملا للحوثيين والجنوب كاملا للانتقالي ، ومن المؤكد بأنه قد قطع شوطا كبيرا في هذا الطريق .

الشرعية ستتلاشى تماماً في حال نجاح سيطرة مليشيا الانتقالي على حضرموت والمهرة وستتحول شخصياتها إلى مجرد لاجئين في السعودية ومصر وغيرها .

وإذا كانت القوى السياسية عاجزة ، خائرة القوى ، لا تملتك رؤية لأبعاد ما يحدث ناهيك عن ان تمتلك رؤية مستقبلية دقيقة أو حتى مقاربات ، لا تملتك مركز دراسات واحد ، ولا تستطيع على المدى القريب تجاوز مأزق الشرعية وهيمنة التحالف رغم إدراكها أن هذه الشرعية صارت أداة لتدمير اليمن وتحطيم آمال أبناء اليمن وأن التحالف يعمل ليل نهار على تدمير اليمن .

على المدى القريب ستعجز القوى السياسية عن ايجاد أية خيارات بديلة لما يسمى بالشرعية أو حتى الاحتجاج عليها واتخاذ موقف منها ، أو حتى قيادة الشارع والدفع به لإفراز قيادات يمنية لها شرعية شعبية وقادرة على قيادة المرحلة ما لم تطلق حالة الارتهان والتشتت الذي تعيشه وتعود إلى الوطن وتتخذ موقف وطني مما يجري وتقود الجماهير في الشارع وهذا يبدو أنه لن يتحقق على المدى القريب وخاصة أن حزب الإصلاح أكبر أحزاب الشرعية هو الخاسر الأكبر مما يحدث ويفقد نفوذه في الجنوب بعد أن فقد نفوذه وحضوره الفاعل في الشمال ويخضع لحالة من إرهاب التحالف وابتزازه .

️ أنظار الإمارات على حضرموت والمهرة

بعد تسليم شبوة للإمارات وأدواتها ستتجه أنظار الإمارات وأدواتها في الداخل إلى السيطرة على حضرموت والمهرة وبعد نجاح الامارات في مهمتها التي لن تكون سهلة بالتأكيد سيقوم الانتقالي بإعلان الانفصال رسميا وطرد أبناء المحافظات الشمالية وهذا السياسة المناطقية الفاشلة هي كل ما يملكه الانتقالي في الواقع ، ولعل تصريحات الانتقالي في المهرة مؤخرا مجرد مقدمة لما سيحدث ، وبعدها سيغرق الجنوب في دوامة عارمة من الفوضى والعنف والاغتيالات وسيغدو مسرحا للعصابات وعنوانا للفشل في كل المجالات ، ولعل ما يحدث في عدن والمناطق التي تسيطر عليها مليشيا الانتقالي من عنف وفوضى وفشل هو بروفة لما يراد للجنوب كاملا الوصول إليه إضافة إلى الارتهان للخارج بما يمثله هذا الارتهان من انتفاء السيادة الوطنية وضياع المصالح القومية .

ورغم فشل الانتقالي في الجنوب ستعمل الإمارات والسعودية على تمكينه من بقية محافظات الجنوب وصولا لإعلانه الانفصال وهذا قد لا يتحقق هذا العام إلا اذا تمكن من السيطرة على حضرموت والمهرة ، ولكن الانتقالي بعد ذلك سيغرق في دوامة الفشل وستجنح محافظات الجنوب إلى التفكك وستظهر السلطنات والمشيخات والكنتونات وستتنامى الصراعات القبلية والأسرية وذلك لأن عقلية قيادات الانتقالي المناطقية الانتهازية التي تجسد التفكير القروي الفاشل والذي يفتقر لأي رؤية استراتيجية للواقع والمستقبل ، كما يفتقر للإدارة الناجحة والكفاءات التي تدير المرحلة ولذا سيفقد الانتقالي شعبيته في الجنوب وسيظهر تيار قوي الشارع الجنوبي ضد فساد الانتقالي وفشله ، سيقوم الانتقالي بمواجهة هذا التيار الذي سيبدأ بلافتات حقوقية بالقمع الشديد وهو ما سيفاقم الثورة ضده .

الخلاصة : خلال هذا العام 2022 ستواصل الإمارات والسعودية ومن خلفهم الدول الكبرى سياستها التخريبية في اليمن وستواصل الشرعية انحدارها وصولا للتلاشي التام في حال سيطرة الانتقالي على حضرموت والمهرة ، وستظل جماعة الحوثي القوة الوحيدة في اليمن، وسيظل الجنوب مسرحا للفوضى والعنف والاغتيالات والفشل ، سيظل هذا هو الحال حتى تعيد القوى السياسية اليمنية حساباتها وتعود للوطن وتغير سياساتها وخياراتها وتقود الشارع بكل قوة ضد التحالف وأدواته وأولهم ما تسمى بـ ” الشرعية ” .

* كاتب يمني- بتصُّرف

You might also like