كل ما يجري من حولك

السيول تجرف النازحين في مأرب.. و”العرادة” يجرف الثروات

673

من جديد عاد كابوس الغرق ليهدد حياة آلاف النازحين في محافظة مارب، فمع كل لمعة برق وصوت رعد واشتداد رياح يبدأون العد التنازلي بانتظار اللحظة التي تداهمهم فيها السيول وتجرف منازلهم، أو ما يطلق عليها منازل وهي في الواقع لا ترقى إلى مستوى هذه التسمية كونها أدنى بكثير من أن تكون صالحة ليسكنها آدميون، وليست سوى إحدى صور الامتهان لكرامة وإنسانية وآدمية أولئك النازحين.

الأمطار التي هطلت على غالبية المحافظات اليمنية خلال موسم الصيف كشفت سوأة قيادة محافظة مارب، التي تستحوذ على عائدات النفط والغاز منذ سنوات عدة، ولا تزال تنهب كل إيرادات المحافظة على اختلاف أوعيتها ومصادرها، وعجزت عن تخطيط شارع أو تأمين مخيم للنازحين من غوائل السيول المتدفقة التي جرفت عشرات المنازل وتسببت بقتل الكثير من قاطني تلك المخيمات خصوصاً الأطفال، ومن حالفه الحظ ونجا من الغرق وجد نفسه وأطفاله في العراء بلا مأوى، فالسيول جرفت مساكنهم بكل ما تحتويه من أثاث ومؤنة عيش بسيطة.

مصادر محلية في محافظة مارب أفادت بأن النازحين أصبحوا مجدداً في مهب الموت والتشرد، في مستهل موسم أمطار الخريف التي بدأت قبل أيام قليلة، فقد حاصرت السيول المتدفقة مخيماً للنازحين في منطقة الروضة بمديرية صرواح، وجرفت المساكن المصنوعة من القش والتي يطلق عليها اعتباطاً صفة “منازل”، وأتلفت ما تحتويه من ضروريات معيشة ساكنيها.

عشرات المنازل في مخيم “ذنه” الواقع بمنطقة سد مارب جرفتها السيول الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه السد، ووجد الساكنون أنفسهم بلا مأوى هم وأطفالهم ونساؤهم، وكالعادة أطلق المعنيون من قيادات المحافظة نداءات الاستغاثة لإنقاذ النازحين وتوفير مساكن بديلة لإيوائهم، لتبدأ دورة جديدة من التكسب غير المشروع والسلوكيات غير الإنسانية على حساب معاناة وألم النازحين المتضررين، الذين تفيد الأنباء بأنهم فقدوا طفلتين توفيتا غرقاً، فالجدران المصنوعة من القش لم تستطع حمايتهما من غدر السيول، وهي تشبه تماماً جدران ضمائر قيادات المحافظة المشغولين بحماية وتأمين مقر الحاكم العسكري السعودي وتركيز الأسماع والأبصار على ما يصدر منه من توجيهات وأوامر لا مجال للتواني عن تنفيذها، وبما أن موسم أمطار الخريف في مستهله فإن بقية مخيمات النازحين في مرمى السيول وحياة وأرواح ساكنيها لن يجديها الاتكاء على جدران الضمائر الساقطة.

ليس النازحون في مارب عبئاً على قيادة المحافظة، بل كانوا سبباً في ثراء المسئولين المعنيين بتنسيق عمل المنظمات الإنسانية والإغاثية التي يعد النازحون إحدى أهم الفئات المستهدفة في برامج عملها، ومع كل كارثة ينحصر عمل المعنيين بتوجيه نداءات الاستغاثة لتلك المنظمات، ويبدأون التسول باسم المتضررين، لتكون محصلة جهودهم التسولية ملايين الدولارات يستلمونها ولا يصل منها شيئاً للفئات المستهدفة، الأمر الذي جعل معاناة النازحين من مناطق المواجهات والمتضررين من الكوارث الطبيعية مجالاً متاحاً للمتاجرة والتكسب.

وحسب مراقبين فقد وصلت تلك التجارة المنافية للقيم الإنسانية إلى مستويات غير متوقعة من الانحطاط الأخلاقي والإفلاس القيمي تمثلت في تقاسم الأموال المرصودة للفئات المتضررة بين مسئولي المنظمات والمسئولين المعنيين بتنسيق أعمالها وبرامجها، وفي مارب تحديداً أصبح فقدان النازحين مساكنهم أو موتهم وأطفالهم غرقاً أو جوعاً أو بسبب الأوبئة الفتاكة أمراً عادياً جداً لا يتأثر له أو به المتاجرون والمتسولون باسمهم، فكل ما يعنيهم هو الثراء وجمع الأموال، في سقوط أخلاقي لم تشهد له البلاد مثيلاً عبر تاريخها.

أما قيادة المحافظة فهي بعيدة تماماً عن كل ما يهم حياة الأهالي من أبناء مارب عموماً أو من النازحين إليها، فهي مشغولة بمهمات أكثر خطورة من أوضاع المواطنين، وأجندات مزدحمة بمصالح ومخططات التحالف الذي أوكل إليها مهمة التنفيذ، وجميع تلك الأجندات خاصة بأطماع التحالف وترتيب أوضاعه وإدارة المحافظة حسب توجيهاته حرفياً وبإشراف مباشر من حاكمه العسكري المقيم في المحافظة، وحسب معطيات الواقع ليس الاهتمام بالمواطنين، سواء أبناء مارب أو ضيوفهم النازحين، ضمن تلك الأجندات وليس وارداً في قائمة المهمات التي أوكلها التحالف لقيادة المحافظة، حتى ولو بتخصيص جزء يسير من عائدات نفطهم وثرواتهم المنهوبة لتخفيف القليل من معاناتهم.

محافظ مارب، القيادي الإصلاحي سلطان العرادة، لا يجد وقتاً لتقديم شيء لأبناء المحافظة أو النازحين إليها، فجمع ثروات مارب والاستحواذ عليها وتهريبها إلى حسابات في بنوك سعودية وإماراتية واستثمارات خاصة في تركيا وماليزيا ليس بالعمل الهين فالمهمة تحتاج جهداً كبيراً ووقتاً مضاعفاً، إضافة إلى أنه لا يجيد شيئاً من مهامه المفترضة، بل لا يتقن سوى تجميل القبح والسوء الذي تنضح به سياسات مشائخ الإمارات من أبناء زائد، أو العمل جندياً مخلصاً لدى الحاكم العسكري السعودي المقيم في مارب والمتحكم في كل شئونها كما لو كانت إحدى محافظات مملكته، ولا يملك من أمره شيئاً غير تنفيذ ما يتلقاه من توجيهاتهم وإظهار الولاء المطلق لهم والتظاهر بالسعادة كلما رآهم راضين عن أدائه.

لن يكلف العرادة نفسه القيام بما يفترض أنه من صميم عمله، المرتكز على رعاية شئون المواطنين ومتابعة ما يتطلب ويستدعي توفيره لهم، وسيظل بعيداً عن نيل ذلك الشرف، فهو يبدو كما لو أنه تم تدجينه وتأطيره في مساحةٍ أبعد مدى فيها أن يظل يتظاهر بالحرص وبشكل لافت على نيل رضا قادة التحالف، وقد ظهر ذلك جلياً حين تظاهر بالفرحة الغامرة وهو يروي ملحمة رفع أعلام دولهم فوق سد مارب، ووصل به الابتذال حد تغيير اسم سد مارب إلى “سد زايد” رغم أنه أحد معالم اليمن التاريخية والسيادية، وحسب تأكيدات مراقبين فإن ذلك هو كل سجل إنجازات العرادة ومفاخره، ولم يعد أبناء مارب في منأى عن معرفة تلك الحقائق حيث لم يلمسوا على الواقع سوى مشاريع وهمية وضع العرادة أحجار أساسها أمام كاميرات وسائل الإعلام المكلفة بتلميعه، وحدث ذلك قبل سنوات، ولم تكن سوى استخفاف بعقول أبناء المحافظة وصرف أنظارهم عن حجم ما ينهبه المحافظ من ثرواتهم، وكان أبرز ما يبعث على السخرية ظهور العرادة وهو يضع حجر أساس لمشروع سكة حديدية وقبله مشروع جامعة، في وقت لا يزال المواطن من أبناء مارب يضطر للسفر إلى صنعاء لتلقي العلاج.

YNP –  إبراهيم القانص

السيول تجرف النازحين في مارب.. و"العرادة" يجرف الثروات

You might also like