كل ما يجري من حولك

لتُغلَق الأجواءُ على الجميع

622

 

دينا الرميمة

من منا لم تمر عليه لحظاتٌ يذهب فيها تفكيرُه ليتخيّلَ فيما لو فقد أحدَ أقربائه وأحبائه، قد يكون “أباه” وربما “أمه” أَو “ابنه” أَو حتى أحد “أصدقائه”، ولمجرّد التفكيرِ بهذا الشعور السيء ينتابه الخوفُ والذعرُ وتتساقط دموعُه غزيرةً كسيلٍ بعد مطر، ومن هولِ جزعه يلهجُ لسانُه بالدعاء لله أن يحفظَهم وأن لا يريَه فيهم أيَّ مكروه، وربما قد يتمنَّى الموتَ لنفسِه قبل أن يقعَ في هذا الموقف..

فكيف بالكثير ممن يعيشون هذا الشيء واقعاً؟!، آباء وأمهات يرون أطفالَهم بين أيديهم يتألمون والمرضُ ينهش أجسادَهم داخلَ مستشفياتٍ في بلد أصبح دخولُ العلاجات إليه محرّماً..

وعلى الجانبِ الآخرِ، أطفال يرون آباءَهم أَو أمهاتِهم يموتون ولا منقذَ لهم، فالسبيلُ الوحيدُ لذلك هو السفرُ إلى الخارجِ، ولكن من أين لهم ذلك فالعدوانُ قد أغلق أبوابَ مطاراتهم وجعله سلاحاً يفتكُ بمن لم تصبه طائراته وصواريخه؟!..

وفجأةً وبعد طولِ نداء وإدانات ومناشدات، يرق قلبُ “الأمم المتحدة” وتنزل عليها الإنسانيةُ، فتأتي لتبثَّ لهم خبرَ تسيير رحلات جوية للمرضى، فتنتعش الفرحةُ في قلوبِهم وتدب الحياةُ من جديدٍ في أجسادِهم المنهكة، وسريعاً يذهبون لتجهيزِ أوراقهم ومستلزمات سفرهم، ومنهم الكثيرُ من ذهب مستعجلاً ليبيعَ كُـلَّ ما يملكُ حتى لا يفقد من هم أغلى من الروح وحتى لا تُثقب أرواحُهم برحيلهم..

وفي وقتٍ يترقّب هؤلاء وصولَ الطائرة التي ستحملهم إلى الحياة من جديدٍ ومعها حياة أهاليهم، يأتي ممثلو المنظمة وقد تقنّعوا بقناعِ الألم وألبسوا وجوهَهم معالمَ الحزن المزيفة وعلامات الارتباك، فالأمرُ ليس بيدهم وأنهم لم يتمكنوا من تنفيذِ ما وعدوا به، ليذهب الأملُ أدراجَ الرياح، تاركاً فيهم بصمةً سوداء تلعن إنسانيةَ هذا العالم المنافق الذي خذلهم جميعاً، المرضى مع أهاليهم.

فيا ليتها لم تعدْهم..

هذا جزءٌ مما يحدثُ باليمن جرّاء إغلاق مطار صنعاء، وطيلة خمس سنوات من الحرب الحصار، والعالمُ هناك يتابعُ ما يحدثُ بصمتٍ، فالجميعُ لا يهتم بهؤلاء فليذهبوا إلى الجحيم..

وحدَه النفطُ من يستحقُّ العويل والبكاء فيما لو استهدفه اليمنيون، ووحدَها القواعدُ العسكريةُ التي تنطلقُ منها طائراتُ العدوان قتلاً لليمنيين، فيما لو أصابتها لعنةُ “الطيران المسيّر اليمني” أَو غضب “البراكين البالستية”، هنا يصحو العالمُ من سباته مندّداً وشاكياً وباكياً، وعلينا يكيلُ كُـلَّ التهم وينسب إلينا كُـلَّ الجرم، وفي نظرِهم نحن المنتهكون ونحن المتسبّبون في أزمةِ هذا العالم البائس..

ولا أحد يلتفتُ لتلك الأقدار السيئة التي أنزلها العدوانُ علينا وتلك المآسي التي حمّلوها عواتقَنا، وأنهم رغم مدِّ يد السلام لهم ما زالوا متغطرسين ومتمسّكين بحقِّهم بصنع نصر ولو أبادوا شعباً بأكمله..

فهؤلاء ليسوا للسلام أهلاً وليس للسلام طريقٌ إليهم، إلّا استئناف رحلات البالستي والمسيّر إلى مطاراتهم وتوقيف رحلاتهم، وجعلهم سجناء داخل دولهم كما نحن اليمنيين سجناء أرضٍ باتت تُجرّعنا فقداً وفراقاً ومصائرَ غيرَ ما نُحِبُّ ونرجو.

ومن هنا نطالب جميعَنا بأن مطاراتِهم جميعَها مقابلَ مطار صنعاء، فإما أن تكونَ الأجواءُ مفتوحةً للجميع أَو تغلقَ على الجميع.

You might also like