عطوان يتحدث: عن صواريخ “دقيقة” لم تستخدم بعدُ.. تطلقها المقاومة الليلة على إسرائيل (تفاصيل)
عطوان يتحدث: عن صواريخ “دقيقة” لم تستخدم بعدُ تطلقها المقاومة الليلة على إسرائيل (تفاصيل)
قضينا طوال اليومين الماضيين، ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تحديدا، في الاتصال هاتفيا بأهلنا واصدقائنا وزملائنا للاطمئنان عليهم أولا، ولتتبع انباء رد فصائل المقاومة في معظمها على هذا العدوان ثانيا، والتعرف على معنويات مليونين من المحاصرين الصامدين في هذا الشريط البحري الجنوبي الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا، في ظل القصف والغارات الإسرائيلية ثالثا.
صحيح ان القصف الإسرائيلي أدى الى سقوط 24 شهيدا واصابة 70 جريحا بينهم نساء، حتى كتابة هذه السطور، ولكن ما لفت انظارنا ان الغالبية الساحقة من المواطنين يعيشون حالة معنوية عالية جدا، وغير مسبوقة، ويقفون خلف سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة “الجهاد”، وباقي الفصائل الأخرى المشاركة في الرد على العدوان بنسبة 150 بالمئة حسب رد أحد الزملاء الصحافيين الذي يغطي الاحداث ميدانيا لإحدى الفضائيات العربية.
بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يعيش لحظاته الأخيرة في قمة السلطة، قبل قضاء ما تبقى من حياته خلف القضبان بتهم الفساد، بسبب فشله في الفوز بالانتخابات بأغلبية مقعد واحد مرتين، كان البادئ بالعدوان عندما ارسل صواريخه لاغتيال اثنين من ابرز قادة حركة “الجهاد الإسلامي” الميدانيين، الأول بهاء ابو عطا، قائد المنطقة الشمالية في قطاع غزة الذي استشهد وزوجته، والثاني اكرم العجوري في دمشق الذي نجا باعجوبة، ولكن نجله معاذ وحفيدته انضما الى قوافل الشهداء، اعتقادا منه ان الحركة لن ترد، ولن تثأر لشهدائها، وها هي الوقائع تثبت كم كان مخطئا، ولا يعرف رجولة وصلابة وعزيمة هذا الشعب الفلسطيني.
***
أخطر ما في هذه الجولة من المواجهة، محاولة الجانب الإسرائيلي المعتدي بذر بذور الفتنة بين حركة “الجهاد” والمستهدفة بالقصف الصاروخي، وبين شقيقتها حركة “حماس” التي تدير حكومتها قطاع غزة، من خلال الإشادة بالأخيرة وتجنب قصف مواقعها لأنها وقفت على “الحياد” على حد زعم المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية، وامتناع جناحها العسكري عن اطلاق صاروخ واحد انتقاما لمقتل شهداء “الجهاد الإسلامي”.
المعلومات المتوفرة لدينا، ومن مصادر “حمساوية”، تؤكد ان “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” في حالة استعداد قصوى، وتنتظر قيادتها الضوء الأخضر لإطلاق مئات الصواريخ على الأهداف الإسرائيلية، ولم يستبعد احد الزملاء الخبراء، ان يكون هناك تبادل أدوار في المرحلة او الأيام الأولى على الأقل، لان استمرار عدم مشاركة “حماس” في الرد سيفقدها الكثير من شعبيتها بالنظر الى حالة الغليان والتعطش الى الانتقام السائدة في أوساط الشارع الفلسطيني الغزاوي حاليا.
المسؤولون في حركة “الجهاد الإسلامي” سواء داخل القطاع او خارجه، رفضوا ويرفضون الحديث الى كل الوسطاء العرب الذين هرعوا، وبطلب اسرائيلي، للتوسط من اجل التهدئة، ووقف اطلاق النار، وعلى رأس هؤلاء السلطات المصرية في القاهرة.
أحد المقربين من حركة “الجهاد الإسلامي” عبر لنا عن غضبه الشديد تجاه دور الوساطة المصري، وقال بالحرف الواحد ان من خرق التهدئة في القطاع التي رعتها السلطة المصرية وضمنتها هو الطرف الإسرائيلي، ولذلك موقف مصر يجب ان يكون في الخندق الفلسطيني الضحية، فليس من المنطقي ان تقتل إسرائيل ثم تعرض التهدئة مقابل التهدئة وهذا يتضح من التصريح الذي ادلى به نتنياهو اليوم الأربعاء بعد ختام الاجتماع الوزاري المصغر وقال فيه “حركة الجهاد امام خيارين: اما الكف عن شن هجمات او مواجهة المزيد من الضربات”.
نعرف شخصيا السيد زياد النخالة، امين عام حركة “الجهاد الإسلامي”، ولا نعتقد انه سيبقل هذا العرض الإسرائيلي الاستفزازي، وهو الذي قال في احد المقابلات التلفزيونية ان أي مواجهة قادمة ستشمل تل ابيب ومطارها، واهدافا حيوية أخرى، وكشف ان هناك أسلحة وصواريخ في جعبة حركته لم يتم استخدامها بعد، وستكون مفاجأة لنتنياهو وغيره.
لا نعتقد ان المواجهات الصاروخية ستتوقف قريبا، ويتم الاكتفاء بإطلاق 400 صاروخ وقذيفة من القطاع على المستوطنات الإسرائيلية الجنوبية، ومدن مثل اسدود وعسقلان، ولا نستبعد ان يضع جناح القسام كل ثقله في هذه المعركة نصرة لـ”الجهاد الإسلامي”، وعدم تركها وحدها في الميدان في ظل استهداف الصواريخ الإسرائيلية لها ولكوادرها، خاصة اذا طالت المواجهة.
ربما لم تقع خسائر بشرية كبيرة في صفوف الإسرائيليين من جراء الصواريخ القادمة من القطاع باستثناء إصابة 70 شخصا معظمها طفيفة وغالبيتها من جراء الهلع، ولكن الاضرار المعنوية والمادية ضخمة جدا، فليس من السهل تغيب مليون تلميذ عن المدارس في مستوطنات غلاف غزة ليومين متتاليين، وليس من السهل أيضا تعطل الاعمال، ولجوء مئات الآلاف الى الملاجئ، والرعي الناجم عن صفارات الانذار التي لم تتوقف طوال اليومين، والاهم من كل ذلك ان هذه المواجهة، خاصة اذا طالت، ستؤكد ان دولة الاحتلال الإسرائيلي غير آمنة سواء للاستثمارات او للسياحة.
نتنياهو اقدم على مقامرة خطيرة ضحى من خلالها بأمن شعبه، من اجل مصلحة شخصية انانية، وورط معه وزيرا (نفتالي بينت) سلمه حقيبة الدفاع، وهو الذي لا يملك أي خبرة عسكرية او امنية، قبل ايام معدودة من تنفيذ هذا العدوان، لجعله واجهة وكبش فداء في ابشع حالات الانتهازية والارتباك.
***
قطاع غزة المُجوّع المحاصر لن يركع ولن يرهبه العدوان، والمحاولة الإسرائيلية لخلق فتنة بين فصائل المقاومة في القطاع لن يكتب لها النجاح لان منسوب الوعي والتكاتف في قمته، وعندما تكون تحت الحصار، وفي قطاع لم يعد صالحا للحياة البشرية حسب بيانات الأمم المتحدة، وفي ظل انعدام ابسط الخدمات الطبية والتعليمية والماء الصالح للشرب والكهرباء المتقطعة لا تزيد مدتها عن 3 ساعات يوميا، ولا تستطيع السباحة في البحر او الصيد فيه بأوامر إسرائيلية، وتصل نسبة البطالة في أوساط الشباب اكثر من 80 بالمئة فانه ليس لديك ما تخسره.
أهلنا في قطاع غزة يكرسون قيم الكرامة والعزة والشرف والدفاع عن النفس لأكثر من 400 مليون عربي ومليار ونصف المليار مسلم، وهذا هو المقياس الأهم لعظمة الشعوب.
* عبد الباري عطوان| رأي اليوم