كل ما يجري من حولك

البناءُ المتكاملُ لروحية وسمو النفس الإنْسَانية

324

 

أم مصطفى محمد

يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).

إننا إذَا أردنا أن نختصر برنامج المجاهدة فيمكن أن نختصره بأمرين أساسيّين هما التخلي والتحلي ونقصد بالتخلّي تصفية الباطن وتخلية النفس من الأهواء النفسيّة والصفات الرذيلة والأَخْــلَاق السيّئة الناتجة عن حب النفس والدنيا والتعلّق بهما أما التحلّي فنقصد به تحلية النفس بالصفات الحميدة والأَخْــلَاق الإلهيّة، فكلّ إنْسَان معرّض لأَن يتلوّث بالصفات الرذيلة بحدود تعلّقه بالحياة الدنيا وغفلته عن الآخرة، وليس أمام سالك طريق الآخرة واللقاء من حلٍّ سوى إزالة هذا التلوّث، وتصفية باطنه من الصفات الناشئة عن حبّ الدنيا والتعلّق بها حتى يتمكّن بقلب طاهر وصاف من تحلية نفسه بالصفات الحميدة وتهيئتها لإشعاع الأنوار الإلهية، ولا يكون ذلك إلا بتنزيه الباطن وتطهيره من الصفات الرذيلة وكلّ ما لا يلائم الحياة الأُخْــرَى، فمنشأ هذه الصفات كما ذكرنا هو حبّ الحياة الدنيا والتعلّق بها، فعندما يشغف الإنْسَان بالحياة الماديّة ويتعلّق قلبه بها ويرى أنّ نعم الحياة ولذائذها وزخارفها محدودة، وفي المقابل طلّابها ومنافسوه كثر، فبطبيعة الحال سيميل إلى ردّ منافسيه ودفعهم، والسعي المتواصل لتحصيل أَكْبَــر قدر ممكن من المنافع الدنيويّة، ومن هنا تظهر الصفات الأَخْــلَاقية الرذيلة من البغض والحقد والعداء والغضب والحسد وسوء الظنّ والحرص والطمع والتكبّر والمفاخرة والتعصّب وقساوة القلب وحبّ الجاه وطول الأمل والغفلة وغيرها من الصفات الذميمة التي تتولّد من فرط التعلّق بالدنيا، لذا يجب على الإنْسَان الباحث عن طريق الحقّ أن يلتفت إلى هذه الحقيقة ويدقّق كثيراً في حالاته وصفاته النفسانيّة، ويعمل على إخراج القبيح والسيّئ منها من نفسه وذلك من خلال محاربة منشأ ظهور هذه الصفات وهو حبّ الدنيا، وذلك بواسطة التفكّر والدراسة الموضوعيّة لحقيقة الحياة الدنيا ودورها ومخاطر الرضا والاكتفاء بها يقول الله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) ويقول أَيْــضاً (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) وأما من ناحية الهدف فبما أنّ هدف الإنْسَان ومقصده المنشود هو الوصول إلى الله تعالى ولقاؤه فينبغي عليه أن يكون هذا الهدف دائماً نصب عينيه فلا يغفل ولا يحيد عنه قيد أنملة كي لا يسقط في متاهات الدنيا الفانية وملذّاتها الموهومة التي لا تزيده عن الحقّ تعالى إلا بعداً يقول الله تعالى (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ، أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) ولعلنا قد من الله علينا بذلك السيد التقي السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ذاك الذي حرص على إعطاءنا تلك المحاضرات القيّمة والتي تهدف إلى تهذيب النفس وتربيتها، ذلك التهذيب وَتلك التربية الروحية التي تسمو بالنفس البشرية إلى مصاف العلو والرفعة والانتصار والمعرفة والبناء، ذلك البناء الذي يعزز سنن الله في التغيير، البناء المتكامل لروحية وسمو النفس الإنْسَانية وارتباطها بهدى الله من أجل خلق العقل الصافي والمتنور والواعي الذي يقوم بتعمير الأرض على أسس ومبادئ إحقاق الحق.

You might also like