كل ما يجري من حولك

اليمن وحديث «الفرصة الأخيرة».. غريفيث يَهجُر التفاؤل، إتفاق السويد.. لا حيٌّ يُرزق ولا ميت يُدفن؟!

اليمن وحديث «الفرصة الأخيرة».. غريفيث يَهجُر التفاؤل، إتفاق السويد.. لا حيٌّ يُرزق ولا ميت يُدفن؟!

880

متابعات:

لم يغادر اتفاق السويد بشأن اليمن نقطة الصفر حتى يعود إليها.. قد يكون تراجع إلى ما دونها، ليكون فعلياً في حكم الميت، ولكن أي طرف لن يخرج معلناً هذا الموت، وعليه سيبقى الاتفاق على الطاولة وكأنه حيٌّ يسعى الجميع كي يُرزَق بإمكانات تحقيق بنوده وعلى رأسها الحديدة التي تحولت مفتاح الحل والربط.. النصر والهزيمة.

لذلك، كل المواعيد ستنقضي واحداً تلو الآخر، وكل محاولات الإنعاش التي يجري الحديث عنها ستفشل، لأن السعودية التي تقود تحالف الحرب على اليمن ومن ورائها الولايات المتحدة تريد «إنعاش» اتفاق السويد على قاعدة «تجويفه» عسكرياً وإنسانياً بما يكرس هيمنة الحرب وويلاتها مادام الطرف الآخر المقاوم (الجيش الوطني واللجان الشعبية) لا يرضخ ولا يرفع راية الاستسلام.

هذا لا يعني أن تحالف الحرب رابح، أو في طور الربح، بل هو أبعد ما يكون عن ذلك، لكنه سيبقى على محاولاته جرَّ اتفاق السويد عنوة في اتجاه تحقيق أهدافه، لأن الاتفاق هو الورقة الوحيدة المتوافرة له «بصورة شرعية» لكي يتحايل ويناور وبما يُكسب حربه على اليمن نوعاً من الشرعية.. هذه أيضاً – أي الشرعية – هو أبعد ما يكون عنها، فهو محاصر بالمجازر التي ارتكبها ويرتكبها بشكل شبه يومي بحق الشعب اليمني.. فكيف تكون له شرعية؟

طوال أكثر من شهرين على توقيع اتفاق السويد (13 كانون الأول الماضي) لم تنجح كل محاولات التقدم به، حتى بنصف خطوة.. مواعيد التنفيذ وُضعت أكثر من مرة لتنقضي على فشل، وآخرها كان الخميس (28 شباط الماضي).. استقال باتريك كاميرت رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة بعد شهر فقط من توليه المهمة من دون ذكر الأسباب، فلا حاجة لذكرها وهي المعروفة للجميع.. خلفه في رئاسة اللجنة مايكل لوليسغارد الذي يستعد – حسب التسريبات – للاستقالة على الفشل ذاته.. المبعوث الأممي مارتن غريفيث لا يكاد يغادر صنعاء حتى يعود إليها، والحصيلة دائماً صفر.. مؤخراً انضم إلى هؤلاء وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت الذي استبق جولته (في دول جوار اليمن) بتحذير شديد من أن الأوضاع ستعود إلى «المربع ناقص واحد» في حال استمر فشل اتفاق السويد.. مع ذلك لم يكتب لجولته النجاح.. والسؤال: لماذا كل هذا الفشل؟

الجواب: فتش عن النيات؟

كل هؤلاء لا يبنون جهودهم ومواقفهم على نيات حسنة تجاه اليمن وأهله.. المجتمع الدولي – ممثلاً بالأمم المتحدة ومبعوثها غريفيث ومساعديه – يريد حرف المسار في الاتجاه الذي يهمه، أي الاتجاه الإنساني، لذلك اختار الحديدة كـ«منطقة نزاع منفصلة» وجعلها عنواناً لاتفاق السويد.. والنيات المبيتة من وراء ذلك، هي إدانة المقاومة اليمنية الممثلة بالجيش واللجان الشعبية باعتبارها «ميليشيات متمردة».. وهي كلما تقدمت خطوة باتجاه تنفيذ اتفاق السويد يجري التحايل والتلاعب من قبل هذا المجتمع الدولي، أو على الأقل إنكار جهد هذه المقاومة في تنفيذ الاتفاق.

يُضاف إلى ذلك أن اتفاق السويد بُني في الأساس وفق إرادة دولية تشكلت في لحظة حرجة لكل من واشنطن والرياض على خلفية اغتيال خاشقجي.. واشنطن والرياض كانتا تحت ضغط استثنائي للقبول بهذا الاتفاق، وعليه كانت النيات مُبيتة مسبقاً قبل الذهاب إلى السويد، وفي كل مراحل التفاوض، حتى مع إعلانهما الموافقة (وحتى المبالغة في الترحيب) بما جاء فيه من بنود.. وتالياً فإن كل ما جرى ويجري من مفاوضات واجتماعات داخل اليمن وخارجها، ومن زيارات وجولات، وكل ما يُطلق من تصريحات ومواقف… كلها تبدو مسرحية ليقول الطرف المُعتدي، ومن يدعمه ومن يمرر عدوانه، إننا نحاول لكن المهمة صعبة والفشل حتمي.. وهنا مربط الفرس، فكل ما يفعلونه هو تكريس الفشل من جهة، وتركيب مخارج ملائمة له من جهة أخرى.. وعليه لا يُفترض بنا انتظار الفشل، بل انتظار متى سيُعلن فعلياً عن سقوط اتفاق السويد لتتراجع الأوضاع في اليمن إلى «المربع ناقص واحد» كما قال هانت.

هجر المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث أحاديث التفاؤل التي كان يصر عليها طوال الشهرين الماضيين ما بعد توقيع اتفاق السويد.. ليغادر صنعاء الخميس الماضي على صمت، لم يخرقه حتى كتابة هذه السطور.. هو صمت أبلغ من الكلام – كما يُقال – ليس لأنه اعتراف بالفشل، بل هو أبعد من ذلك.. غريفيث (بينه وبين نفسه طبعاً) بدأ يدرك يقيناً أن لا أفق للنجاح.. وقد يبقى غريفيث أياماً أسير الإحباط.. هو لن يستقيل على الأكيد، بل سيعود لاحقاً لأداء الدور ذاته، وهكذا تبقى الحرب مفتوحة مادامت الدروب لا تقود لما فيه مصلحة تحالف الحرب ومن ورائه الولايات المتحدة.. سيعود إلى زياراته وإلى تصريحاته المتفائلة وكأن فشلاً لم يكن.

«المربع ناقص واحد»

صمت غريفيث لا ينفصل عن جولة هانت.. وإذا كان الأول اختار الصمت، فإن الثاني اختار التصعيد عبر التهديد بأن جولته هي «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ اتفاق السويد.. هل هي حقاً كذلك؟

في اعتقادنا ليست بريطانيا من سيحمل «الفرصة الأخيرة» بينما هي المستفيدة والشريكة في الحرب على اليمن، مثلها مثل ألمانيا أو فرنسا أو إسبانيا، أو أي دولة أخرى تواصل مدّ التحالف بالأسلحة لمواصلة حربه على اليمن.

أياً يكن فإن حديث الفرصة الأخيرة ما زال مبكراً.. حتى لو كانت جولة هانت كذلك، وحتى لو انهار اتفاق السويد، فما الذي سيتغير بالنسبة لليمن، وماذا تعني تحذيرات المجتمع الدولي من العودة إلى الحرب.. في الأساس هل غادرت الحرب اليمن، هل توقفت الضربات الجوية لطيران التحالف ولاسيما على الحديدة، هل توقفت محاولات اقتحام الحدود، هل توقفت الميليشيات المسلحة المحسوبة على تحالف الحرب.. هل توقفت اعتداءاتها ومحاولاتها احتلال المناطق اليمنية بالحديد والنار من جهة، وبالإفقار والتجويع من جهة ثانية؟.. كل ذلك لم يتوقف، فما معنى الحديث عن العودة إلى الحرب إلا إذا كان الهدف ذرّ الرماد في العيون، ومحاولة إدانة المقاومة اليمنية عبر تحميلها مسؤولية فشل اتفاق السويد.

يوم السبت الماضي كانت هناك محاولة جديدة لتفجير اتفاق السويد عبر البوابة الأممية، من خلال استهداف مباشر لموكب لوليسغارد الذي كان في طريقه إلى مطاحن البحر الأحمر مروراً بشارع الخمسين شرق مدينة الحديدة.. وعلى الفور أبطلت المقاومة اليمنية المفاعيل المحتملة للاستهداف الذي هو استهداف لها في حقيقة الأمر، فعمدت إلى إعلان تفاصيل الحادث، بينما التزم الجانب الآخر الصمت.. ربما كان هذا الاستهداف أول إشارة لما هدد به جيرمي هانت من أن الأوضاع في اليمن ستتراجع إلى «المربع ناقص واحد».. والسؤال: هل سيكون التراجع المقصود على هذه الصورة، أي استهدافات محددة في الزمان والمكان والأشخاص، وبما يدفع المقاومة اليمنية إلى دائرة الإدانة الدولية – الأممية، ويضعها في مواجهة ما يترتب على هذه الإدانة؟
لننتظر ما تحمله المرحلة القريبة المقبلة.

شركاء الحرب

يعرف اليمنيون جيداً أن بريطانيا شريك في الحرب عليهم وعلى بلادهم، ليس فقط عبر شحنات الأسلحة التي تصدرها للسعودية بل على الأرض أيضاً.. قبل أسبوعين من الآن تم الكشف عن إصابة جنديين بريطانيين في اليمن، وبريطانيا مارست خلال الأشهر الماضية جهوداً وضغوطاً علنية على ألمانيا لتُبقي على صادراتها من الأسلحة للسعودية بعدما كانت هذه الصادرات مثار جدل وخلاف كبيرين في ألمانيا على خلفية قضية خاشقجي.. وكاد الأمر ينتهي إلى وقفها لولا بريطانيا.. طبعاً، هذا الكلام لا يبرئ ألمانيا من كونها شريكاً أيضاً في الحرب على اليمن.. الضغوط ليست دليل براءة أو أنها قادرة على أن تجبر دولة قوية مثل ألمانيا على الامتثال لها لو لم تكن لها مصلحة أيضاً في استمرار الحرب.. حتى لو كانت تلك المصلحة محصورة فقط بشحنات السلاح، هذا يكفي، تبعاً للأموال الهائلة التي تجنيها ألمانيا وغيرها من هذه الشحنات.

كل هذا يجعل من أي حديث بريطاني عما يسمى جهود لندن لتحقيق السلام في اليمن حديثاً كاذباً مخادعاً ومكشوف النيات والأهداف.

فَشِل أم سيفشل؟

لنعد إلى اتفاق السويد والحديث المتواصل عن فشله أو اقترابه من الفشل.. هذا الحديث مستمر منذ الأيام الأولى لتوقيع الاتفاق.. علماً أن الجميع يصفه – ولا يزال– بالاتفاق الأفضل منذ بدء الحرب على اليمن عام 2015، لكنهم في الوقت نفسه تحدثوا – وما زالوا– عن شبه انعدام في إمكانات التنفيذ أو الالتزام ببنوده ولاسيما في وسائل الإعلام المحسوبة على تحالف الحرب التي لا تتوقف حملاتها الممنهجة لإسقاط الاتفاق وتحميل المقاومة مسؤولية ذلك، لأن التحالف يرى أن اتفاق السويد يصب في نهاية المطاف في مصلحة المقاومة اليمنية، ولأنه لم يستطع رفضه أو التملص منه – إذ كانت حملة الضغوط عليه هائلة بسبب قضية خاشقجي – وتالياً فهو وافق عليه مُرغماً مُبيتاً النيات الخبيثة تجاهه، لذلك لا نستغرب استمرار تعثر الاتفاق بسبب ما يُلصق به من تفسيرات وتحليلات متناقضة متضادة تظهر تباعاً، وبسبب ما يجري من تحايل وغش في كل مرة يصل فيها أحد البنود إلى مرحلة التنفيذ، لتسقط هذه المرحلة، وتبدأ حملة إلقاء اللوم على المقاومة.. لكن الوقائع والحقائق على الأرض واضحة بيّنة، مهما جرى من تحايل وتلاعب بها وعليها.

بقي أن نقول أمراً بشأن اتفاق السويد، وهو ما تعمد تحالف الحرب توصيفه بأنه إنساني بالدرجة الأولى ثم عسكري، وأن العسكري فيه يخدم الإنساني، ما يسوّغ استمراره في العمليات العسكرية ونهجه الاحتلالي للمناطق اليمنية.. هذه العمليات لا تتوقف حتى مع مناشدات الأمم المتحدة المتكررة لفتح ممرات للمساعدات وبما يحقق ذلك التوصيف الإنساني، ومع ذلك يتم تحميل المقاومة مسؤولية عدم فتح تلك الممرات أو عدم وصول المساعدات، أو عندما يتم الاستيلاء عليها من قبل الميليشيات المحسوبة على التحالف، أو عندما يتم منع المسؤولين الأمميين من الوصول إلى المناطق التي يريدونها، أو عندما يتم استهدافهم كما جرى مع لوليسغارد السبت الماضي.

ماذا الآن؟

كان يوم الخميس الماضي آخر موعد تم تحديده لبدء ما يسمى عملية إعادة الانتشار في الحديدة وفق ما تم التوصل إليه بعد سلسلة اجتماعات بشأن ذلك خلال شباط الماضي.. وفي كل مرة كان يحضر غريفيث ولوليسغارد ليشهدا التنفيذ.. يعودان خائبين. الخميس غادر غريفيث صنعاء من دون تحديد موعد للعودة إليها، أو معرفة ما إذا كانت هناك اجتماعات جديدة، أو ما هو مصير عملية إعادة الانتشار.. منذ يوم الخميس بدا أن كل شيء متوقف عند حدود الفشل ومغادرة غريفيث.. ولا جديد سوى استمرار الغارات العدوانية التي ترد عليها المقاومة بما يناسب ويليق، ولديها من القوة والصمود ما يكفي ويزيد، لقلب المعادلات الميدانية في كل مرة نصراً لها.

(تقرير – مها سلطان)

You might also like