كل ما يجري من حولك

علّمنا الحسين

415

 

د. شرفاء السربي *

علّمني الحُسَيْنُ كيف أكونَ مظلوماً فانتصر (غاندي).. نعم علّمنا أن نقفَ في وجهه الظالم وإنْ كان قويًّا؛ لأنَّه لو سكت الحُسَيْن لما كان في الإسْــلَام مقاوما ولكان الإسْــلَام دين الاستكانة والذلة، فالصمودُ ومقاومةُ الظالمين هو مطلبٌ إسْــلَامي وإنْسَــاني وفطري.

تاجَــــرَ الحُسَيْنُ مع الله وقدّم حياتَه حين رأى أن الإسْــلَامَ بمبادئه وتعليمه ومقاصده الكبرى في خطر. فربحت تجارتُه إذَا أبقى شعلةَ الإسْــلَام النقي الأَصِيْــلِ مشتعلة، فقد أراد بنو أُمَيـَّـة أن يكونَ الإسْــلَامُ مُجَــرَّدَ طقوس (شعائر وعبادات شكلية)

المشكلةُ أن بعضاً من قادتنا يتاجرون بعزة وكرامة أوطانهم وشعوبهم من أجل بقاء مصالحهم وحتى أن بعضاً من مثقفينا وناشطينا هم كذلك باعوا هذه القيم العليا مقابل الريال السعودي المدنس.

فما تعانيه الشعوبُ العربية من ضعفٍ وهوانٍ وتأخر وتخلف وتناحُرٍ هو نتيجة لذلك، فلا نحن الذي تمسّـكنا بما يأمرُنا به ديننا ولا عرفنا أن هناك معاهداتٍ ومواثيقَ أممية تحمي السيادة وتمنع التدخل في الشأن الداخلي وتحترم حرية وكرامة الشعوب.

فقواعد أَوْ أسس العلاقات الدولية تنص على:

 -المساواة في السيادة. أي أن سيادة اليمن ليست أقل من سيادة السعودية أَوْ أمريكا أَوْ غيرها من دول العالم

– عدم التهديد باستخدام القُــوَّة أَوْ استخدامها حقيقةً.

-عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد.

 – قاعدة عدم الإضرار بالغير.  

هذه قواعدُ للبشرية جميعها، للمسلم وغير المسلم..

 تنُصُّ على أن الذودَ عن سيادة أوطانِنا وكرامة شعوبنا واجب وطني وقانوني..، فما بالُكم بالدين الإسْــلَامي الذي علم العالم احترام الغير وأوجب احترام إنْسَــانيته وكرامته وحياته في كثير من الآيات..

وعلمنا بأن لا نقبل الذُّلَّ وَأن نرفض الظلم ولا نخضع إلّا لله “وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ”.

عليك سلام الله يا أبا عبدِ الله، فلولاك لكان المسلمين صنفاً واحداً (على شاكلة مرتزِقة الرياض).

أرسى الإمام الحُسَيْن مبدأ مقاومة الظالمين والطغاة وهو في الأَسَـاس مبدأ إنْسَــاني فطري.

فلولا الحُسَيْنُ لأَصْبَــح هذا المبدأ (مَسَأَلَـة رأي) كما هو الحالُ عند أَصْحَـاب شكراً سلمان ومرتزِقة الرياض، فأَصْحَـاب هذا الفكر يسوغون الاستسلامَ والارتزاقَ والخيانة والعمالة وبيع الأوطان والسيادة والكرامة.. تحت مبرّر حرية رأي.

لقد قدّم الحُسَيْن مثالاً يحتذى به في التضحية والبطولة من أجل إبقاء هذه القيم حية في النفوس السليمة هذا النموذج الذي حافظ على هذه المبادئ في معركة أسطورية أروع ملحمة وأروع بطولة عرفها التأريخ البشري كله، كما يقول الأديب والمفكر الإسْــلَامي، جلال الشرقاوي، في مسرحيته (الحُسَيْن ثائراً والحُسَيْن شهيداً) والتي كتبها في عام 1975(قرأتها في تونس عام 2006) طَبْـعاً الأزهر قامة قيامته ومنع بث المسرحية بحجج واهية؛ لأنَّه يعتبر أي عمل عن الإمام الحُسَيْن وكأنك تناصِرُ الشيعة ضد السُّنة لا يرون ذلك مناصرةً للعدل ضد الظلم!!!! وجدت هذا النص مكتوباً بخطي في أوراقي القديمة ولا زلتُ أحفظُه عن ظهر قلب وأشهر مقطع في المسرحية هو الحوار الذي دار بين الحُسَيْن بن علي -عَلَيـْـهِ السَّــلَامُ- والي المدينة (الوليد بن عتبة) عندما حاول أخذ البيعة ليزيد اللعين لمعرفتهم مكانة الأمام الحُسَيْن في نفوس الأُمَّـة وَهذا جزء من النص المسرحي:

– الوليد: نحن لا نطلب إلا كلمة فلتقل بايعت وأذهب بسلام إلى جموع الفقراء، فلتقلها وانصرف يا بنَ رَسُــوْل الله حقناً للدماء فلتقلها ما أيسرها إنْ هي إلا كلمة.

– الحُسَيْن -عَلَيـْـهِ السَّــلَامُ-: كَبُرت الكلمة وهل البيعة إلا كلمة ما دينُ المرء سوى كلمة ما شرف الرجل سوى كلمة ما شرف الله سوى كلمة، أتعرف معنى كلمة؟؟! مفتاح الجنة في كلمة ودخول النار على كلمة وقضاء الله هو الكلمة

الكلمة نور، وبعض الكلمات قبورٌ وبعض الكلمات قلاعُ شامخة يعتصم بها النبل البشري..

الكلمة فرقانٌ ما بين نبي وبغي..

بالكلمة تنكشف الغمة الكلمة نورُ ودليلُ تتبعه الأُمَّـة، عيسى ما كان سوى كلمة أضاء الدنيا بالكلمة وعلمها للصيادين، وساروا يهدون العالم..

الكلمة زلزلةُ الظالم..

الكلمة حُصنُ الحريَّة إِنَّ الكلمةً مسؤولية

إِنَّ الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة شرف الله هو الكلمة.

وفي مقطع آخر وصفه توفيقُ الحكيم بأنه أَعْظَمُ ما كُتبَ للمسرح المصرى-، حَيْــثُ يقفُ الحُسَيْنُ سلام الله عليه (وحيداً على المسرح) يناجى جدَّه صلى الله عليه وآله وسلم بشكل يعبّـِر ُفيه عن مأساته الّتي فرضت عليه:.. بأبي أنت وأمي يا رَسُــوْلَ الله، إذ أبعد عنك وأنا قرة عينك، إنني أرحل عن أزكى بلاد الله عندي خارجاً بالرغم منى غير أني.. أنا لا أعرف ما أصنع فِي أمري هذا فأعنى أنا إنْ بايعت للفاجر كي تسلم رأسي أَوْ ليسلم غيرى لكفرت ولخالفتك فيما جئت للناس به من عند ربك ويعود الحُسَيْن فِي مشهد بديع آخر يعبّـر فيه عن الصراع الذى يعيشُه: ربي إلى من توكل العبد الضعيف؟ أنا ذاك أدعوك مثل جدّي حين طارده رجال من ثقيف قد أتاهم بالهداية إنْ لم يكن بك ربّ من غضبٍ علىّ فما أبالى! إني فزعت إليك من دنيا يزيد وهرعت نحو رحابك القدسي بالخير الطريد وبكل أحلام السلام وكل آمال العدالة أنا ذا لجأت إليك يا ذا الحول والجبروت يا رب الجلالة.. أفض عليه بحكمتك فأرى الصوابَ من الجنون فلا أَضِلُّ ولا أُضَلُّ، أنا ذا أذوب وأضمحل وليس بالمعشوق بخل..

وعظّم اللهُ أجورَنا باستشهَاد سِبْط المصطفى سيّد شباب أهل الجنة وسلام الله عليك يا قدوتَنا وإمامَنا وإمامَ كُـلّ أَحْــرَار العالَم..

* عضو الحوار الوطني

 

You might also like