كل ما يجري من حولك

عنوان الوفاء.. عن الشهيد العظيم / علي حسين بلّذي

484

 

يحيى قاسم أبو عواضة

من أين أبدأ؟ وماذا أكتُبُ عن شخصيةٍ استثنائيةٍ كانت نموذجاً عالياً في الثبات على المبادئ.. ذلكم هو الشهيدُ العزيزُ (علي حسين بلّذي) رحمةُ الله تغشاه.. ماذا أكتُبُ عن شخصٍ جمع بين الإيْمَــان والرجولة، بين الإخلاص والوفاء، بين الصدق والتفاني، فكان تجسيداً صادقاً لقول الله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ﴾ [الأحزاب:23]!!

الشهيد علي حسين عندما تحَــرّك بهذه الروحية تحَــرّك بها وهو على مستوىً كبيرٍ من الشعور بالمسؤولية وبقيَ ثابتًا على مبدئه، ثابتًا على موقفه، ثابتًا على عَطائه وبذله، لم يتغير ولم يختلف ولم يبدل ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب:23]، وقد لقي اللهَ بهذه الروحية: لقي اللهَ صادقًا، لقي اللهَ ثابتًا، لقي اللهَ وهو على مبدئه وعلى موقفه وبموقفه الصادق، وبثباته في مبدئه صادقًا، مُضحِّيًا، باذلاً، مُقدِّمًا.

عندما أتذكَّرُ الشهيدَ (علي حسين بلّذي) أتذكر الأَيـَّـام التي عشناها سوياً في سجن (قحزة) في عام 1994م لغير ذنب اقترفناه إلا أَنَّـنَـا قلنا ربُّنا اللهُ، ثم يسير بي الخيالُ فأتذكر الأَيـَّـامَ الأولى لبزوغ فجر المسيرة القُــرْآنية فأتذكر حبَّه للشهيد القائد ووعيَه بأهميَّة ما يقدّمه من الهدى والنور وكيف كان يقدّم المالَ والنفسَ في سبيل الله.

الشهيدُ (علي حسين بلّذي) لمن لا يعرفه كان واحداً من رجالات مرَّان الذين يمثّلون الركائز الأَسَــاسية لدعم هذا المسيرة القُــرْآنية مادياً ومعنوياً وهي في بداية نشأتها ما زالت فتيةً ومحاربة من القريب والبعيد فحظي بشرَفِ السبق وعظيم الدرجة عند الله.

إنَّهُ واحدٌ ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا} الحديد10.

ولم يكن الشهيدُ من أبرز الداعمين لهذه المسيرة فحسب، بل كان مقاتلاً مغواراً عندما تطلب الأمر ذلك، إذ أنه عندما تعرضت هذه المسيرة للعدوان الغاشم من قبل السلطة العميلة في العام 2004م للقضاء عليها وإطفاء هذا النور الذي سطع من جبل مران تحَــرّك مجاهداً بطلاً مغواراً في زمن قَلَّ فيه أمثالُه من الرجال الأوفياء وجُرح في الحرب الأولى جرحاً بليغاً وهو في مواجهة الطغيان والتوحش والظلم وكان ممن تم إلقاءُ القبض عليهم في الحرب الأولى في مرّان وأودع السجنَ في الحديدة، وخرج من السجن أَكْثَــرَ ولاءً لمبادئه وأَكْثَــرَ عزما ًوتصميماً على مواصلة الدرب الذي سلكه الشهيدُ القائدُ رضوان الله عليه وسقاه بدمه الطاهر.

لقد عانى الشهيدُ الكثيرَ والكثيرَ طوالَ الحروب الست لم يُحْنِهِ جبروت الطواغيت، ولم توهن من عزمه وحشية المستكبرين وواصل درب الجهاد والعمل في ِمواجهة هذا العدوان الغاشم على بلدنا وتحَــرّك في عدة مجالات إلى أن منحه اللهُ وسامَ الشهادة في سبيله؛ إكراماً له وإعْظاماً لجُهُوده ليلتحقَ بالشهيد القائد رضوان الله عليه وليعانق والدَه الشهيد (حسين علي بلذي) الذي نال الشهادةَ في سبيل الله في مقدّمة الصفوف أثناء الحرب الأولى وأخاه الشهيد (عارف) ورفيق دربه منذ البداية الشهيد العظيم (بندر صلاح بلّذي) الذين سبقوه بعد حياة حافلة بالعطاء والبذل والتضحية.

لقد انطلق الشهيدُ البطلُ (علي حسين) من واقعه كمؤمن بذَلَ حياتَه من أجل الله، فيما هو رضا لله، في مواجهة أَعْــدَاء الله كان رجلاً بكل ما تعنيه كلمة الرجولة من معنى كان صادقاً كان حُرًّا أبياً، وعندما تحَــرّك في سبيل الله كمؤمن، كان يتحَــرّك وأول عنوان لتحَــرّكه هو الصدق فكان صادقًا مع الله، صادقًا في انتمائه إلى هذا الدين، صادقًا في انتمائه إلى القُــرْآن الكريم، صادقًا في استجابته لله سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى، وصادقاً في ولائه للسيد عبد الملك كما كان صادقاً في توليه للسيد حسين رضوان الله عليهما وبهذا كان رجل مواقف رجل عطاء وتضحية..

وله نقفُ إجلالاً واحتراماً ونقول..

لقد رحلتَ عَنَّا أَيـُّـهَـا الأخ العزيز والصديق الوفي عملاقاً شامخاً رحلت إلى عليين، صحيحٌ أن رحيلَك مؤلمٌ وخسارة ولكنك لم ترحل إلا بعد أن أديتَ ما عليك وتركت بصمات من الوفاء والإخلاص والتفاني لا تنسى ورأيت بعينيك راية الحق عالية خفاقة..

لقد عشنا أَيـُّـهَـا العزيز سوياً حالةَ الاستضعاف ولم ترحل حتى شاهدت بعينيك كيف أَنَّـنَـا اليوم بفضل الله نخوض أَكْبَــر معركة على مستوى الدنيا، لم ترحل عنا حتى رأيت بعينيك الطواغيت الذي ظلمونا يتساقطون واحداً تلو الآخر وها نحن نقارع أئمة الكفر والنفاق في هذا العالم كثمرة لتلك التضحيات والآلام التي عشناها وعاشها أبناء هذه المسيرة القُــرْآنية الأَحْــرَار والشرفاء أمثالك وهم كُثْرٌ.

نحن يا عزيزي عليٌّ على يقين بأن دمَك الطاهرَ الزكي لن يذهبَ هدراً، بل سيثمر عزّاً أبدياً خالداً ونصراً مؤزراً وستكون الأَخْــلَاق والقيم التي حملتها دروساً تقدَّمُ في كُـلّ زمان.

تحيةُ إجلال وإكبار وإعزاز لك أَيـُّـهَـا العملاقُ، ونَعِدُكَ بأنَّنا لن ننساك، وستظل لنا دائماً عنواناً للوفاء والصمود والتضحية فسَلَامُ الله عَلَيكَ يومَ وُلِدتَّ ويومَ استُشهدتَّ ويومَ تُبْعَثُ حَيّاً.

You might also like