أحدثت عملية «تحرير» عدن من قوات «أنصار الله» في منتصف عام 2015، على يد «المقاومة الجنوبية»، وبدعم غير محدود من قوات «التحالف»، صدى إيجابياً على مختلف المستويات، لم يدم طويلاً بفعل الانتكاسة التي لحقته، بعد أن أصبحت المدينة حاضنة لتنظيميَ «القاعدة» و«الدولة»، الأمر الذي أوقع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، و«التحالف» أمام تحدٍ جديد، مما فرض عليها اختيار أفضل السيناريوهات التي يتحقق من خلالها النصر على التنظيمين، بدون الزج بقوات من جيوش «التحالف» في المواجهة، فكانت فكرة الإبقاء على هادي وحكومته في العاصمة السعودية الرياض، والعمل على تشكيل قوات جنوبية، من أفراد «المقاومة»، وتجنيد قوات إضافية إلى جوارها وتأهيلها للقيام بدور المواجهة الميدانية في عدن بالدرجة الأولى. 
وبناء على ذلك، تم الإعلان في منتصف عام 2016 عن تشكيل «الحزام الأمني»، الذي أنيطت به مهمة التحكم في النقاط الأمنية في مداخل مدينة عدن. إلا أن تلك القوات لم تتوقف مهامها عند ذلك الحد، بل سرعان ما تحولّت إلى ألوية، تجاوزت المهام «الشرطوية»، لتتخذ صفة الجيوش القتالية، وتحمل اسم «ألوية الدعم والاسناد»، وتطور مهامها في إسناد قوات الأمن داخل عدن، والانتقال إلى المواجهات العسكرية المباشرة إذا اقتضت الضرورة، لينتهي عام 2016، وقد بلغ قوامها خمسة أولوية، وبقوة تتجاوز 15000 مقاتل. 
وتتسم بخصوصية إعدادها المعنوي المتعصب بالولاء للجنوب فقط، وترفع علم دولة الجنوب السابقة، إلى جوار علم دولة الإمارات فقط من بين أعلام دول «التحالف»، بالإضافة إلى إعلانها العداء الصريح لحكومة هادي. فكان لذلك الأثر الكبير على دورها المتعصّب بشدّة، في مختلف المواقف والأحداث التي ظلت تشهدها عدن، وأبرزها دخولها في حرب مباشرة مع ألوية الحماية الرئاسية، التابعة لهادي، في أواخر يناير من العام الجاري، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، بما فيهم مدنيون، فأصبحت بمثابة مادّة دسمة للتحليل العسكري والسياسي، لتتجلى حقيقة الاختلالات البنيوية التي تأسّست عليها هذه القوات ومعها قوات «النخبتين» الحضرمية والشبوانية، اللتان تم انشاؤهما مؤخراً، بذات الآلية والمقومات والأهداف، لتتضح أنها في حقيقتها من أهم المشاريع الاستثمارية لشركات عسكرية إماراتية عالمية، وأن نجاح هذه الشركات تم بتواطؤ مباشر من حكومة هادي.

عقود التجنيد

عندما تم الإعلان عن إنشاء «الحزام الأمني» في محيط ومداخل عدن، كانت الإمارات هي الدولة الوحيدة في «التحالف» التي أولت هذا المشروع اهتماماً خاصاً، وتولت رعايته الكاملة، وما تزال، حتى أضحى بما هو عليه من قوة، تكاد أن تكون هي المتفرّدة بالشأن الجنوبي، بمعزل عن أي دور لحكومة هادي، الأمر الذي استدعى ضرورة الكشف عن طريقة إدارة الإمارات لهذا المشروع، ليتبيّن أن هذه القوات وجدت لتؤدي دوراً مؤقتاً على الساحة الجنوبية، وأنها تخلو من مقومات البقاء، ذلك لأن من شروط الانتساب إليها، أن يأتي المجندون بأسلحتهم الشخصية، ويعملون بعقود محدودة الأجل.
ويؤكد الجندي في اللواء الأول دعم وإسناد منصور سيف، وبلغة صادمة، هذه الحقيقة قائلاً «نحن مجندون في شركة خاصة»، ويكشف أن «الإماراتيين اتفقوا معنا من أول يوم، وقالوا لنا بالحرف الواحد، أنتم تتعاملون معنا بعقود واضحة، وأنهم مثلهم مثل أي شركة، يقبلون التجنيد لمدة سنة، قابلة للتمديد، وبعد انتهاء العقد تنتهي مهماتنا، ومن حقهم إلغاء العقود متى أرادوا، ولا تتحمل الإمارات ولا الألوية التي ننتسب إليها أي مسؤولية».
وفي تفصيله لمضامين عقود التجنيد، يقول «من أهم شروط القبول في قوات الحزام، أولاً تقديم الإثبات بأن المتقدم للتجنيد جنوبي، والشرط الثاني، أن يحضر مع الطلب بسلاحه الشخصي، آلي وثلاث قرون مملوءة بالرصاص، وأحياناً يقبلون بقرن واحد ممتلئ بالرصاص، ويحصل المجنّد على معاش شهري 1000ريال سعودي». وبخصوص الترقيم المستقبلي ضمن قوات الجيش، قال سيف «هذا من مسؤوليات قيادة المنطقة الرابعة، التي مازالت توعدنا بالترقيم، أما الامارات فالأمر لا يعنيها»، واستدرك مكملاً «نحن حالياً لا نطالب بالترقيم ضمن قوات الجيش، لأن الترقيم في هذه الحالة سينهي عقودنا مع قوات الحزام، ولو انتهت العقود، سنحرم الراتب الإماراتي البالغ 1000ريال سعودي، وهذا ليس من مصلحتنا». 
وفي تحليله للطريقة التي اتبعتها الإمارات في إنشاء قوات «الحزام الأمني»، بطريقة التعاقد مع الجنود والضباط، وعدم اهتمامها في بناء قوات يمنية يمكن التعويل عليها في مستقبل الدولة اليمنية أو الجنوب، تحدث الصحافي فهمي الشعيبي، إلى «العربي» قائلاً إن «طريقة العقود في التجنيد فكرة أمريكية جديدة جداً، وبدأت بها شركة بلاك ووتر، الأمريكية في بداية هذه الألفية».
ويؤكد أن «هذه الشركة صار اسمها (أكاديمي)، وتتخذ من أبوظبي مقراً لها، ولها أيادٍ في معظم الدول العربية، ومعروف أن مشايخ إماراتيين مساهمين في هذه الشركة، وهي يدهم في التجنيد في الجنوب وفي ليبيا وسوريا وغيرها».
وأكد الشعيبي، أن «هذه الأفكار لا يمكن أن يقوم بها وينفذها أي من الجيوش العربية، ولا دولة كالإمارات، وعلينا أن نعرف أن ما يتم تنفيذه في هذا الجانب على مستوى الجنوب، جاء نتيجة شغل لشركات التجنيد العالمية، التي تبلغ استثماراتها مليارات الدولارات سنوياً، لهذا هي لا يهمها مستقبل الجندي، بقدر ما يهمها تحقيق أهدافها بعد انتهاء الحاجة إليه».

تواطؤ «الشرعية»

لا يمكن للإمارات أن تكون اللاعب الوحيد في الشأن اليمني والجنوبي بالتحديد، ما لم تكن لها الأيادي التي تعمل إلى جوارها من حكومة هادي، فقوات «الحزام الأمني» التي أنشأتها لتلبي أهدافها ومصالحها المستقبلية، لم تكن بمعزل عن تواطؤ من قبل «الشرعية».
ويرى متابعون للشأن الجنوبي، أن رئيس الحكومة السابق خالد بحاح، هو «مَن سلّم الجنوب للإمارات»، وأن تفاهمات بينه وبين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، هي التي «كانت سبباً في فتح شهية الإمارات في الجنوب». 
ويوضح الصحافي منير الديّني، لـ«العربي» أن «مشروع الحزام الأمني إماراتي بامتياز، ومعروف عنها أنها استغلت موافقة رئيس الحكومة السابق بحّاح، على أن إنشائها وتمويلها لتكون قوة موازية للجيش والأمن الحكومي»، معتبراً أن «هذه الخطوة الخطيرة التي أقدم عليها بحاح، لم يحسب من خلالها حساب المستقبل».
ومن زاوية أخرى، يرى الرائد محمد حسون، من وزارة الداخلية التابعة لهادي، شكلاً آخر من أشكال تواطؤ «الشرعية» مع إدارة الامارات لـ«الحزام الأمني» وألوية «الحماية والإسناد»، ويكشف لـ«العربي» أنه كان مسؤولاً مالياً «في شؤون الأفراد بوزارة الداخلية، وتم التخلّص مني في عهد الوزير السابق، لأني قلت لهم مرات كثيرة: لماذا لم يتم إيقاف رواتب الضباط والأفراد المنتسبين للداخلية؟». 
وأضاف أنه «من العيب على الوزارة أن تشكي من الحزام الأمني، وتسميه مليشيات خارجة عن سلطاتها، وهي في نفس الوقت تدفع لمعظمهم رواتب باعتبارهم من منتسبيها، خاصة الضباط والصف، ويحصلون على الترقيات في أوقاتها، ويستلمون بنفس الوقت رواتب ومكافاءات من الإمارات».
وعن مدى إمكانية تدخل وزير الداخلية الحالي أحمد الميسري، لإصلاح الوضع المختل، يقول حسون «لا أظن ذلك، لأن الميسري بعد زيارته الأخيرة إلى أبوظبي، غيّر مواقفه من الإمارات… وحتى من الحزام الأمني».