كل ما يجري من حولك

نُذُر «حرب باردة» جديدة.. الغرب يطرد دبلوماسيين روس وموسكو ترد بـ«الشيطان 2»

477

متابعات| شفقنا:

ربما تصبح قضية محاولة اغتيال الجاسوس الروسي (سيرجي سكريبال) على الأراضي البريطانية بغاز الأعصاب السام – ربما تصبح – سببًا رئيسًا لقيام حرب باردة ثانية؛ حيث تعتبر القضية هي الحادث الشاغل الأول في الأوساط الأوروبية والغربية، وربما في العالم كله في الوقت الحالي.

وفي ظل طرد أكثر من 20 دولة لأكثر من 100 دبلوماسي روسي من بلادهم، على خلفية اتهام روسيا بتدبير حادث اغتيال الجاسوس، فإن روسيا ردت بالمثل بطرد دبلوماسيين أمريكيين من بلادها، بالإضافة إلى إعلانها إغلاق القنصلية الأمريكية في سان بطرسبرج.

مناوشاتٌ متبادلة بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من طرف، وروسيا من طرف آخر، دفعت بعض الدول إلى التصعيد على مستويات أخرى غير المستوى السياسي؛ فعلى المستوى الرياضي اتجهت بريطانيا لمقاطعة  لإعلان مقاطعة وفودها الرسمية حضور فعاليات كأس العالم الذي سيقام في روسيا هذا الصيف.

غير أن روسيا قررت، بالإضافة إلى طرد الدبلوماسيين الأمريكيين من بلادها، الاتجاه إلى استعراض قواتها العسكرية أمام أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية و«حلف شمال الأطلسي (الناتو)». فكيف ستتأثر روسيا بطرد دبلوماسييها من الدول الأوروبية والأمريكية؟ وهل ننتظر حربًا باردة ثانية في وقتٍ قريب؟

 

بداية الحكاية

القصة بدأت من سيرجي سكريبال، الكولونيل السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، والذي اعتقل عام 2006 في روسيا بعد أن كُشف أمر تجسسه لحساب بريطانيا، وحُكم عليه بالسجن 13 عامًا، قضى منها أربع سنوات في السجن، قبل أن يُفرج عنه باتفاق لتبادل الجواسيس بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث وافقت واشنطن على تسليم 10 جواسيس إلى روسيا، مقابل الإفراج عن أربعة مسجونين كانوا يقضون أحكامًا بالسجن في موسكو. واعتبرت تلك العملية أكبر تبادل بين البلدين منذ انتهاء الحرب البادرة في عام 1991.

وفي أعقاب خروجه من السجن طلب «سكريبال» اللجوء السياسي إلى بريطانيا، وبالفعل منحته لندن حق اللجوء وجنسية بريطانية. ومن هناك حاول تدشين بداية جديدة لحياته؛ حيث عمل على البقاء بعيدًا عن الأضواء منذ وصوله إلى بريطانيا، ووفقًا لصحيفة «صن» البريطانية، فقد عاش الرجل حياة بائسة منذ قدومه إلى البلاد؛ إذ فقد زوجته وابنه في حوادث سيارات، وفي مكانين مختلفين؛ حيث توفيت زوجته في حادث سيارة ببريطانيا، كما توفي ابنه في حادث سيارة بروسيا.

كانت الأمور سيئة حتى زادت سوءًا في مساء الأحد 6 مارس (آذار) 2018، وذلك عندما سقط سكريبال مغشيًا عليه هو وابنته على مقعد في ساحة مركز تجاري بمدينة سالزبوري، جنوبي بريطانيا، وقد تعرض لمادة كيميائية خطيرة تؤثر على الأعصاب.

في البداية لم تكشف الشرطة هوية سكريبال، وقالت: «إن رجلًا – لم تذكر اسمه – نُقل مع امرأة ثلاثينية إلى مستشفى في سالزبوري جنوب إنجلترا، مؤكدةً أنهما في حالة حرجة، بعد أن تسمما بمادة غامضة». حيث اعتبرت الشرطة البريطانية أن عدم وجود أي جروح ظاهرة، إلى جانب الأعراض التي يعانون منها، هي أعراض تسمم.

لكن سرعان ما كشفت «هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)» عن هويته، وقالت: إنه الجاسوس «سكريبال»، كما كشفت أنه كان قد حصل من وكالة الاستخبارات البريطانية على 100 ألف دولار مقابل تزويدها بأسماء الجواسيس الروس الموجودين في بريطانيا.

الجدير بالذكر أن سكريبال وابنته يرقدان حاليًا في مستشفى ساليسبيري بالمدينة في حالة حرجة، في ظل اتهامات مُوجهة من بريطانيا لروسيا ورئيسها، فلاديمير بوتين، بمحاولة اغتيال «سكريبال».

 

كيف ردت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على الحادث؟

محاولة اغتيال الجاسوس الروسي بغاز الأعصاب كشفت الردود البريطانية الغاضبة؛ إذ قالت لندن إنها سترد بحزم إذا تبين وقوف دولة وراء العملية، في إشارةٍ واضحة إلى روسيا، في الوقت الذي أعلنت فيه رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أن «غاز الأعصاب الذي استخدم في محاولة تسميم سكريبل من نوعية الغازات التي تصنعها روسيا»، معتبرةً ذلك الحادث بمثابة «عمل عسكري على الأراضي البريطانية».

وفي كلمة لها أمام البرلمان البريطاني، أشارت تيريزا إلى وجود احتمال كبير لتورط موسكو في عملية تسميم الجاسوس، ممهلة روسيا مُهلةً لشرح ملابسات التسمم الذي تعرض له سكريبال وابنته يوليا. كما استدعت لندن السفير الروسي، وسألته عما إذا كان الاعتداء عملًا مباشرًا من قبل الدولة الروسية؛ مؤكدةً أن غاز الأعصاب الذي استخدم في الهجوم جزء من مجموعة تعرف باسم «نوفيشوك».

الجدير بالذكر، أنه بعد الحادث، دخلت بريطانيا في حالة استنفار أمني، أرسلت الحكومة البريطانية خلالها 100 من قواتها المسلحة إلى المنطقة للتحقيق في محاولة قتل الجاسوس؛ حيث قال وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون: «إن الحادثة تسببت بإطلاق تحذير أمني كبير في المدينة الهادئة». كما أضاف وزير الخارجية: «أؤكد أنه في حال ظهرت أدلة تشير إلى مسؤولية دولة، فإن حكومة جلالتها سترد بشكل مناسب وحازم، ولن تمر أية محاولة لقتل شخص بريء على الأراضي البريطانية دون عقاب».

وذهب برلمانيون بريطانيون إلى أكثر من التهديد بالرد، عبر التلويح بالانسحاب من كأس العالم المقامة في روسيا هذا العام ردًا على الحادثة، في حال تبين تورط روسيا فيها.

تهديدات بريطانيا داخل البرلمان البريطاني وصلت إلى الجانب الرسمي؛ حيث قررت بريطانيا مقاطعة وفودها الرسمية نهائيات كأس العالم 2018 المقررة في روسيا الصيف المقبل؛ حيث أعلنت تيريزا ماي عن عدم حضور أي من الوزراء البريطانيين وأفراد العائلة الملكية لأي مباريات في كأس العالم بعد عملية قتل الجاسوس الروسي.

 

«الناتو» يتحرك للنجدة

أعلن «حلف شمال الأطلسي (الناتو)» طرد سبعة من الدبلوماسيين العاملين في البعثة الروسية بمقر الحلف؛ وذلك ردًا على محاولة تسميم الجاسوس الروسي، سيرجي سكريبال، في بريطانيا. وبالإضافة إلى ذلك أعلن الأمين العام للحلف، يينس شتولتنبيرج، رفضه منح ثلاثة روس آخرين تصاريح للعمل في البعثة الروسية.

وأرجع «شتولتنبيرغ» هذا الإجراء إلى القلق الأمني الذي يسيطر على الدول الأعضاء في الناتو بعد محاولة قتل سكريبال وابنته بغاز الأعصاب السام قبل ثلاثة أسابيع في إنجلترا. وبهذه الإجراءات تنخفض قوة البعثة الروسية لدى الناتو بمقدار الثلث.

وفي الوقت نفسه، أعلن أشار دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، أنه لم يتم استبعاد التدابير الإضافية الأخرى، مع إمكانية وجود مساحة للتصعيد ضد روسيا خلال الأيام المقبلة، وذلك في تهديد صريح لروسيا؛ لينظر كيف يمكنها أن تتعامل مع هذا الأمر.

الجدير بالذكر أن هذه الإجراءات التي اتخذتها العديد من الدول الأوروبية والغربية، بالإضافة إلى عدد من المنظمات الدولية، تعتبر انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا لرئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي؛ حيث سارعت بريطانيا إلى توجيه أصابع الاتهام إلى موسكو، متجنبةً الخطابات العامة مجهولة أطراف الاتهام بشكلٍ عام، وذلك من أجل الحصول على الدعم من الاتحاد الأوروبي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، والأمم المتحدة، ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

وكانت الدول الأوروبية والغربية التي دعمت بريطانيا في طرد دبلوماسيين روس من بعثاتها حول العالم قد وصلت لأكثر من 20 دولة، طردوا ما يقرب من 100 دبلوماسي روسي في الغرب؛ جاء على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية برصيد 60 دبلوماسيًا مطرودًا، ويليها أوكرانيا برصيد 13 دبلوماسيًا، ويليهم كلٌّ من فرنسا، وألمانيا، وبولندا، وكندا، برصيد أربعة دبلوماسيين لكل بلد، بالإضافة إلى التشيك، وليتوانيا، برصيد ثلاثة دبلوماسيين لكل دولة، وأخيرًا كلٌّ من إيطاليا، وهولندا، وأسبانيا، واستونيا، وكرواتيا، وفنلندا، والمجر، ولاتفيا، ورومانيا، والسويد، وألبانيا، ومقدونيا، والنرويج، برصيد دبلوماسي روسي أو اثنين من كل بلد.

 

روسيا تستعرض قوتها العسكرية وتتحدى الغرب

الهجوم على روسيا من أكثر من 20 دولة غربية كان لا بد له من رد فعل من روسيا؛ فبالإضافة إلى اتخاذ إجراءات روسية مماثلة لطرد دبلوماسيين روس من هذه البلاد، أعلنت روسيا طرد دبلوماسيين أمريكيين من روسيا أيضًا، مع إعلانها إغلاق القنصلية الأمريكية في سان بطرسبورج، بالإضافة إلى ذلك اتخذت روسيا إجراءً آخر تستعرض فيه قوتها للدول الغربية، ولحلف شمال الأطلسي (الناتو).

أعلن الجيش الروسي صباح الجمعة أنه نجح في تنفيذ تجربة ثانية ناجحة لإطلاق أحدث صاروخ ذاتي الدفع، وعابر للقارات؛ حيث أصدرت وزارة الدفاع الروسية شريطًا مُسجَّلًا لصاروخ «Saramat RS-28»، وذلك من قاعدة بليستيسك في شمال غرب روسيا.

ويعتبر هذا الصاروخ هو أساس الرادع النووي لروسيا، وقد تم تطويره منذ عام 2011، إلا أنه في الوقت الحالي أصبح قادرًا على حمل المزيد من الرؤوس الحربية النووية ذات المدى البعيد. وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أعلن في بداية شهر مارس (آذار) الجاري أن هذا الصاروخ لا يُقهر، كما أنه عابر للقارات.

وتباهى بوتين بالصاروخ الروسي مؤكدًا أن أكثر أنظمة الدفاع الصاروخية تطورًا لن يمكنها إيقاف الصاروخ الروسي، بما فيها أنظمة الدفاع التي تنشرها الولايات المتحدة الأمريكية في الأماكن المختلفة، مؤكدًا أنه حتى أنظمة الدفاع المستقبلية لن يمكنها الوقوف أمام الصاروخ «سارمات».

الجدير بالذكر، أن الصاروخ الذي نجح الجيش الروسي في تجربته هو الذي أطلق عليه حلف شمال الأطلسي (الناتو) لقب «الشيطان 2».

من جانبه، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أن بلاده ستغلق قنصلية الولايات المتحدة في سان بطرسبورج، وستطرد 60 دبلوماسيًا أمريكيًا؛ وذلك ردًا على إجراءات مماثلة اتخذتها واشنطن بحق موسكو، وأضاف لافروف أن هذا الطرد خاص بالدبلوماسيين الأمريكيين، وبالنسبة للدول الأخرى فإن رد موسكو سيكون متطابقًا للجميع في ما يتعلق بعدد الأشخاص الذين سيغادرون روسيا.

 

كيف تأثرت روسيا بطرد الدبلوماسيين؟

طرد الدبلوماسيين الروس من أكثر من دولة قد يكون له عواقب كبيرة على روسيا، تؤكد أنجيلا شتنت، مديرة مركز الدراسات الأوروبية الآسيوية والروسية والشرقية في جامعة جورج تاون، أن الأشخاص الذين طُردوا ليسوا مجرد دبلوماسيين؛ فهم يفعلون ما هو أكثر، خاصةً في الوقت الذي طُرد فيه دبلوماسيون روس من بعثة الأمم المتحدة؛ ترى «شتت» أنهم «جواسيس سريون»، يقومون بالتجسس داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

كما توقَّعت أنجيلا أن يكون هذا الإجراء لفترة مؤقتة فقط، وأنه لن يدوم لفترة طويلة، مشيرةً إلى أنه عندما قام أوباما بطرد 35 دبلوماسيًا في أواخر 2016 قبل رحيله عن الحكم على خلفية الاتهامات التي وُجهت إلى روسيا بالتجسس والتدخل في الانتخابات الأمريكية الرئاسية عام 2016، فإن أوباما حذر حينها من أن الأمور ستتصاعد، وأن مايكل فلين، مستشار الأمن القومي الجديد حينها، سيتخذ إجراءات مشددة ضد روسيا، غير أن ذلك لم يحدث.

وأشارت أنجيلا إلى أن رحيل الدبلوماسيين الروس عن الدول المختلفة يعني تقليل قدرات روسيا حول العالم؛ حيث إن هؤلاء الدبلوماسيين هم المسؤولون عن تمثيل روسيا، وتنفيذ واجباتهم الروسية في هذه الدولة، ولذلك فإن غياب وانكماش القدرة الروسية في بعض الدول سيثير غضب روسيا بالتأكيد.

غير أن  «بي بي سي» ترى أن طرد الدبلوماسيين الروس، الذين عادةً ما يعتبرون عملاء استخباراتيين، هو انكماش للأثر التراكمي للأنشطة الاستخباراتية الروسية في الخارج، وهو ما سيكون له أثر كبير على روسيا خلال الفترة المقبلة.

 

هل نشهد حربًا باردة ثانية قريبًا؟

قد تبدو حادثة محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق حادثًا عابرًا، إلا أنه أثار الحديث مجددًا الحديث عن «حرب باردة» جديدة، ربما بسبب العديد من التراكمات بين روسيا والغرب، بدايةً من استيلاء روسيا على شبه جزيرة القُرم، مرورًا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية 2016، والتدخل في توجيه المُصوِّتين من أجل التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وغيرها من التراكمات.

ولذلك فقد تعتبر أزمة الجاسوس هي «القشة التي قصمت ظهر البعير»، والتي قد تتسبب في حرب باردة جديدة، خاصةً في ظل التكثيف الدفاعي الذي قامت به روسيا من تجربة صاروخها النووي، فضلًا عن تأكيد حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن إمكانية التصعيد ضد روسيا في وقتٍ قريب.

وعن الدوافع التي دفعت روسيا لارتكاب هذه «الجريمة»، فإن «بي بي سي»  تؤكد أن الحادث جاء – إلى جانب التخلص من الجاسوس الروسي السابق – من منطلق أن القوى العظمى الكبيرة مشغولة في الوقت الحالي؛ فبريطانيا من المنظور الروسي هي دولة ضعيفة ومُشتتة، وتتجه إلى عزلة كبيرة عن الاتحاد الأوروبي، خاصةً بعد التصويت بنعم للخروج من الاتحاد في وقتٍ سابقٍ عام 2016.

كما أن الولايات المتحدة الأمريكية، وإدارة الرئيس دونالد ترامب، هي إدارة غير متزنة، ومتنازعة داخليًا، فضلًا عن ميل ترامب لعدم فضح موسكو بهذا العمل إن ارتكبته روسيا، خوفًا من إعادة فتح ملف التجسس والتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية على مصراعيه من جديد.

إبراهيم أبو جازية

You might also like