الفترة التي سينتهي معها حُكم آل سعود ج(3) خالد وفهد وسلمان

متابعات| شفقنا:

في الجزئين السابقين تَحدثت عن الفترة التي سينتهي معها حُكم أسرة آل سعود، رابطًا أوجه التشابه التي جمعت بين بعض من حُكامها وبين بعض من حُكام الأسرة العلوية والتي حَكمت مصر لما يُقارب القرن ونصف القرن، وسأستطرد معكًم هًنا في الجزء الثالث حديثي عن أوجه التشابه بين باقية أفراد السلالتين.

(1) إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي وخالد بن عبد العزيز آل سعود.. بين الازدهار والرقي والنهضة للدولة

قبل الحديث عن إسماعيل باشا خديوي مصر وخالد بن عبد العزيز ملك السعودية، يجب أن أنوه أنني لم أتخطى سهوًا محمد سعيد باشا وهو الوالي الرابع في أسرة محمد علي، بل تخطيته عمدًا؛ لأن المقصد في حديثي هُنا هو محاولة ربط الحُكام في كلتا الأسرتين بما يشبهما من أحوال وأهداف وطريقة، والظروف التي شكلوها أو تشكلوا من عبرها كما وضحت في البداية؛ مما يوضح لدينا الرؤية التي نستطيع من خلالها بمشيئة الله الإجابة على سؤالي السابق، ما الفترة التي سينتهي معها حكم عبد العزيز آل سعود وسلالته؟

واجتمع والي مصر الخامس إسماعيل مع ملك السعودية الرابع خالد بن عبد العزيز في حالة الازدهار الواضح واللامع التي شهدها عصرهما في الكثير من النواحي، فعلى سبيل المثال شهد عصر إ+سماعيل ازدهار عمراني تمثل في استكمال حفر قناة السويس وافتتاحها وإنشاء القصور الفخمة و إنشاء دار الأوبرا الخديوية وإنشاء كوبري قصر النيل ومد المياه وإنارة الشوارع وتطوير السكة الحديد واستخدام البرق والبريد.

وعلى نحو مماثل قام خالد بن عبد العزيز بإعادة إنشاء مطارات جدة وتبوك والجوف والحائل والقصيم والمطارات الدولية كمطار الملك خالد بالرياض ومطار الملك عبد العزيز والجسر السعودي البحريني ومد خطوط الهاتف وشبكات المياه والصرف الصحي وتطوير المواصلات وتوسيع الطرق وزيادة المشاريع السكنية حتى أنه قام باستبدال باب الكعبة المشرفة القديم بباب من الذهب الخالص.

لم يكن الأمر أمر ازدهار عمراني وحسب، بل كان نهضة حقيقية برزت في عدة مجالات، أهمها التعليم، حيث شهد مجال التعليم والثقافة اهتمام من إسماعيل وذلك من خلال إنشائه أول مدرسة لتعليم الفتيات في مصر، وإنشاء دار الكتب والجمعية الجغرافية ودار العلوم والكثير.

وشهد على نحو مماثل أيضًا عصر خالد بن عبد العزيز افتتاح آلاف المدارس، وصارت الجامعات تدرس الطالبات، بالإضافة إلى إنشائه ثلاث جامعات وبناء الكليات والمعاهد العلمية والفنية.

ومثلما كلف إسماعيل الحكومة بتحمل نفقات التلاميذ، أصدر خالد بن عبد العزيز نظام معيشة للطلاب بجميع المستويات الدراسية، بالإضافة إلى تكريم خريجي الجامعات السعودية بخمسين ألف ريال وقطعة أرض.

ولتكتمل عوامل النهضة لم يكتفي كليهما بالاهتمام بالمجال العمراني والتعليمي وحسب، بل شهد مجالي الزراعة والصناعة ازدهارًا واضحًا يلائم ما شهدته المجالات الأخرى.

فمثلما أنشأ إسماعيل مصانع السكر وحفر الترع وقام ببناء 15 منارة وزود مساحة الأراضي الزراعية.

أنشأ خالد هو الآخر مخازن علف الحبوب وشركة سابك والهيئة الملكية للجبيل وشركات المساهمة، ودعم المزارعين بالأسمدة والمبيدات والمواطير الكهربائية مجانًا، حتى أن القمح حقق اكتفاء ذاتي في عهده، بالإضافة إلى ذلك قام بإنشاء بنوك الزراعة والصناعة والعقار لإقراض المواطنين دون فوائد.

هذا ولم يكتفي كليهما بما سبق، بل حققا ازدهارًا ملموسًا في المجالات الصحية والإدارية والقضائية والإعلامية وغيرها[1][2].

هذا ولا يسع مقالي البحثي الكتابة تفصيلًا عن حجم الإنجازات التي أنجزاها، لكنني ذكرت بعضها لأُبرهن أن عصر اسماعيل هو السمفونية الأقرب التي تكرر عزفُها في السعودية في عصر خالد بن عبد العزيز.

(2) حسين كامل وفهد بن عبد العزيز ما بين الألقاب والحروب

سأتخطى هنا في تلك المرحلة أيضًا كلًا من الخديوي توفيق والخديوي عباس حلمي الثاني، حيث إنهما لا يشبه عصرهما بشكل كبير أي عصر من أفراد أسرة آل سعود، فالشبه الأكبر سيجمع بين سلطان مصر حسين كامل وملك السعودية فهد بن عبد العزيز، حيث تميز عهدهما في كلتا الأسرتين بصدى الحروب التي اندلعت وقتئذ، سواء كان للجيش الخاص بدولتهم دور فيها أو أثرت على طبيعة المنطقة والعالم فيما بعد.

ولنبدأ بعهد السلطان حسين كامل والذي شهد اندلاع لأكبر حرب شهدها العالم آنذاك وهي الحرب العالمية الأولى، وبالطبع كان لمصر نصيب كبير من الخسائر بحكم تابعيتها للدولة العثمانية وخضوعها في ذات الوقت تحت الحماية البريطانية والذي أفرض عليها أن تكون قاعدة بريطانية تنطلق منها العمليات الحربية ضد القوات العثمانية، سواء أتم ذلك برضائها أو تحت ضغوط أو بإغرائها برحيل بريطانيا عنها حال فوزها.

في جميع الحالات كانت النتيجة واحدة وهو اشتراك مصر في حرب لا علاقة لها فيها ليصبح عدو الأمس صديق اليوم! ولم يتم استخدام أرضها وحسب، بل تم إرسال قواتها لخارج الحدود في عمليات عسكرية في الشام والعراق والجزيرة العربية وسلطنة دارفور، ومشاركتها في الجبهة الأوروبية في أربع دول بلجيكا، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان، بمائة ألف مقاتل من سلاح العمال (المهندسين حاليًا) والهجانة (حرس الحدود حاليًا)، بالإضافة لفتح مستشفياتها لإنقاذ جرحي دول الحلفاء والتبرع لبلجيكا لإنقاذها من الجوع[3][4][5][6].

في الوجه المقابل وفي عهد ملك السعودية فهد بن عبد العزيز، تنوعت الحروب حول المملكة والتي أيضًا ليس لها بها شأن ولكن فرضتها عليها طبيعة المنطقة والظروف التي كانت تؤول حينها، بداية من حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران ومساعدة المملكة السعودية لبغداد [7][8][9] وتحذير إيران للدول المساعدة للعراق وإنشاء خط فهد الوهمي كنقطة اعتراض جوي [10][11][12].

بالإضافة إلى دعم العراق بالأسلحة والاستخبارات وعشرات المليارات من الدولارات [7][8][9]، بل السماح لصدام حسين باستخدام المجال الجوي السعودي لمهاجمة جزيرة أراك [9].

مرورًا بحرب العراق والكويت والتي تم استضافت حوالي 750 ألف جندي [14] من ثلاثون دولة على الأراضي السعودية[13] تحت اسم عملية درع الصحراء لردع صدام حسين ليتحول صديق الأمس إلى عدو اليوم، على ذات النهج المصري مع بريطانيا.

وختامًا بالحرب الأمريكية على العراق عام 2003، هذا بالإضافة إلى الصراع السوفيتي ضد أفغانستان والصراع الشيشاني الروسي، والحرب الأمريكية على الأفغان.

جميع تلك الحروب التي وقعت في عهد فهد بن عبد العزيز والتي كانت خارج نطاق المملكة أو على حدوها والتي بالطبع ساهمت فيها ماديًا ومعنويًا وإداريًا، ربما تساوي في مجموعها الآثار التي وقعت على مصر وعلى المنطقة بسبب الحرب العالمية الأولى في عهد السلطان حسين كامل.

تلك كان التشابه الأول الذي جمع بين العهدين، أما عن التشابه الأخر والذي برغم من بساطته إلا أنني سأذكره على أي حال، ألا وهو اللقب الذي ربط بين كلٍّ من حسين كامل وفهد بن عبد العزيز، فأول من حصل على لقب سلطان من الأسرة العلوية كان حسين كامل بعد رفع بريطانيا الولاية العثمانية عن مصر، تلك اللقب قبل تاريخ تولي حسين كامل كان لا يُطلق على أحد من الرعية تحت قيادة الدولة العثمانية إلا قائد الدولة العثمانية ذاته[15][16]، ويقال إن أول من استخدمه على مصر كان السلطان صلاح الدين الأيوبي.

في الوجه المقابل حصل فهد بن عبد العزيز على لقب مشابه لذات لقب السلطان، حيث كان أول ملك سعودي يلقب رسميًا بلقب خادم الحرمين الشريفين هو فهد بن عبد العزيز [17][18] وبالتعمق نحو هذا اللقب سنجد أن القلقشندي (ت 821 هـ) في (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) قال عنه: إن «خادم الحرمين الشريفين من ألقاب السلطانية، والمراد حرم مكة المشرفة والمدينة النبوية الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام».

في حين أول من لقب نفسه بخادم الحرمين الشريفين هو أيضًا صلاح الدين الأيوبي [17][18] واتخذ من حكام الدولة العثمانية ذات اللقب فيما بعد أمثال سليم الأول[19]، والأشرف أبو النصر برسباي، وبن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح.

وللمرة الثانية يُقدر أن تتشابه أهواء حاكمي الأسرتين في الحصول على لقب تشابه أصله ومعناه وأول من حاز عليه، حتى وإن افترضنا أن النوايا قد اختلفت.