بعدما راهنت «الشرعية» ومن ورائها «التحالف» على تراجع المقاتلين الموالين لـ«أنصار الله» وحلفائها على الجبهات المختلفة، بتأثير الخلاف بين الحركة وبين الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، جاءت التطورات الميدانية لتضعف آمال حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي و«التحالف» بتغيرات تقلب المشهد على أرض الواقع.
على الجبهات الحدودية مع السعودية، تصاعدت، خلال الأيام الماضية، عمليات مقاتلي «أنصار الله» ضد المواقع السعودية، خصوصاً مثعن والمعنق والكرس، وجبلي الشرفة والمخروق، مخلفة إصابات في صفوف الجيش السعودي، بحسب ما أكدت مصادر ميدانية لـ«العربي». ترافق ذلك مع زيارات ميدانية قامت بها «قيادات في الجماعة ومسؤولون في الحكومة إلى مناطق المواجهات، بما فيها الجبهات الحدودية مع السعودية، بهدف رفع معنويات المقاتلين وإيصال رسائل سياسية وعسكرية في آن معاً»، ووفقاً للمصادر.
وأسهمت الفعاليات التي أطلقتها «أنصار الله» تحت شعارَي «رفد الجبهات» و«عيدنا جبهاتنا» في تزخيم تحشيد المقاتلين إلى الجبهات، على الرغم من الأجواء السلبية التي ولدها تبادل الإتهامات بين الحركة وبين حزب «المؤتمر»، خصوصاً منها المتصلة بالتقصير في دعم الجبهات.
ولم يقتصر التصعيد الميداني على الحدود، بل امتد إلى جبهة نهم، شرقي صنعاء، وجبهة صرواح، غربي مأرب، إضافة إلى جبهات تعز الموزعة على أكثر من منطقة، بين أطراف المدينة وريفها والجزء الخاص بمناطق الساحل الغربي ومواقع حدودية مع محافظة لحج. وفي الجنوب أيضاً، كثف مقاتلو «أنصار الله» تحركاتهم العسكرية، وتحديداً في جبهة بيحان في محافظة شبوة، وهي من أبرز الجبهات التي تجري فيها المواجهات بشكل متقطع منذ أكثر من عامين، بالإضافة إلى جبهات مريس في الضالع، وجبهات أقل حدة في محافظة البيضاء، وسط البلاد.
وفي خطابه الأخير، يوم الخميس، أكد زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، وجود خطط لعمليات جديدة قال إنها ستشمل قصفاً صاروخياً بعيد المدى، لافتاً إلى أن الجهود العسكرية جميعها تصب في الاستعداد للهجوم والتقدم وليس للدفاع فقط.
في المقابل، تراوح قوات «الشرعية» مكانها في كثير من الجبهات، خصوصاً في جبهة نهم التي يعتبرها البعض بمثابة الخط الدفاعي لـ«أنصار الله»، الأمر الذي جعل كثيرين يسخرون من تعويل «الشرعية» على خلافات حلفاء صنعاء، وإمكانية لعبها دوراً في تفكيك الجبهة الداخلية لهما. هكذا تحول الحوثي وصالح، بالنسبة للسعودية، من عدوين لدودين إلى رجلين تعلّق عليهما المملكة كل آمال النجدة والإنقاذ. حتى أن وسائل إعلامها تكاد تستجدي الحوثيين و«المؤتمريين» استجداءً ليبدأوا معركتهما البينية! 

الواقع، بحسب مراقبين، أن ثمة خلافات حقيقية، لكنها ليست عند مستوى الطموح السعودي الإماراتي، بل قد تتحول إلى مصدر خيبة أخرى. يرى هؤلاء أن من الطبيعي أن يؤدي الإختناق العام وعجز سلطات الدولة بفعل الحرب والحصار إلى مثل هذه الحالة من التوتر بين شريكَي الحكم في صنعاء، لكنه لا يبدو توتراً قد يقود إلى حرب أو الى اجتثاث أحدهما للآخر.
اللقاءات التي تتكرر في صنعاء بين وقت وآخر تتويج، في نظر مراقبين، لجهود قيادات من الطرفين في صنعاء، على رأسها صالح الصماد، الذي يؤدي منذ ما قبل فعالية 24 أغسطس دور «رجل إطفاء»، بمهارة لافتة، ومع كثير من التعب والإنهاك. والاعتراف في بيانات الطرفين بالخلافات، وجعلها علنية، أمر صحي، بحسب مراقبين، لكن المهم هو ما سيفعلانه بعد ذلك للسيطرة على هذه الخلافات.
في هذا السياق، يذهب البعض إلى القول إن ما هو مهم بالنسبة لـ«التحالف» ليس أن يؤدي أي صراع بين «أنصار الله» وصالح إلى الإنتصار العسكري لـ«العاصفة» أو لا يؤدي، بل أن يتسبب بمزيد من التشظي بين اليمنيين، ومزيد من الصراعات الدامية، حتى تصبح المملكة في النهاية هي «المنقذ» الوحيد، ليس بالنسبة لـ«الشرعية» وحلفائها فحسب، بل حتى بالنسبة للحوثي وصالح أيضاً.
هذه التقديرات لا يذهب إليها مراقبون أو مهتمون أو متابعون فقط، بل سياسيون في مربع «الشرعية» ومقيمون في الرياض. أحد أولئك السياسيين يعرب، في حديثه إلى «العربي»، عن اعتقاده بأن «الرهان على خلافات صنعاء غير منطقي وغير موضوعي، ولكن السعودية هي أكثر طرف الآن عينه على الخلافات، لأنها عبر التاريخ اشتغلت على الخلافات البينية داخل معسكر الخصوم». ويضيف: «هي لا تريد تحريراً ليمن يكون الثقل الكبير فيه للشرعية، تريد أن تبقى على طرف من العسكر الآخر، وهو معسكر حلفاء صنعاء وتحديداً مؤتمر صالح».
ويرى السياسي المذكور أن ثمة أسباباً كثيرة في ذلك، «من بينها أن الأطراف السياسية في الشرعية أطراف غير مرغوب بها لأسباب تتعلق بالجمهورية والديمقراطية، والأطراف التي في الشرعية تؤمن بمشروع الدولة الإتحادية، وهذا يعني دولة يمنية قوية، وهذا ما لا يرغب فيه المحيط للأسف، ولا ترغب فيه المملكة العربية السعودية».
سياسيون آخرون يعتبرون، في حديثهم إلى «العربي»، أن «الشرعية تراهن على الخلاف بين حلفاء صنعاء، بحكم فشلها الذريع الناجم عن سوء الإدارة، والتباين فيما بين القوى السياسية المساندة لها، وهذا كله يعود لفشل الشرعية حتى اللحظة في استيعاب متطلبات المرحلة، وأهميتها في ضرورة تكتل القوى السياسية في ائتلاف بناءً على رؤية مشتركة، وعدم الإستمرار في خندق الأدوات القديمة، والشخصنة، واختزال صناعة القرار السياسي، والملف العسكري، في تيار سياسي، أو نخبة معينة، لذا فمن يدور في مربع إلغاء الشركاء السياسيين والقادة العسكريين يتطلع إلى تشظي حلف صنعاء، معتقداً أن ذلك سيؤدي إلى رضوخهم لحل سياسي يضمن مستقبل الجيل القديم».