كل ما يجري من حولك

في الجنوب… ثمة استدارة

483
متابعات| العربي| صلاح السقلدي:
لم تكن الغارة الجوية التي شنها الطيران السعودي فجر الجمعة الماضي على صنعاء، وخلفت عدداً من القتلى والجرحى جلّهم من الأطفال، هي الأكثر دموية من بين الغارات التي طالت المدنيين طوال الثلاثين شهراً الماضية، هي عمر الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، فقد كانت هناك غارات أكثر دموية منها.
نقول إن هذه الغارة ليست الأكثر دموية من سابقاتها حتى نرى ما نراه اليوم في الجنوب من تنامٍ لحالة التعاطف، وتغير اضطراري في المزاج الجنوبي باتجاه رفض أشكال القتل والدمار التي تطال الأبرياء في الشمال اليمني. هذا المزاج لم ينحصر فقط في المواطن الجنوبي البسيط، فهو مندد ورافض على طول الخط لكل أشكال القتل حيثما كان ومن قِبل أي جهة أتى، ولكن ما هو مثير للاهتمام هو ما نراه داخل النخبة الجنوبية ذاتها، بل وفي صفوف كثير من الذين كانوا إلى قبل أشهر من أشد المتحمسين لإيقاع أكبر قدر من الإصابات والدمار في الشمال كشعب وكحكام، ظناً منهم أن ذلك يصب في مصلحة الجنوب ومصلحة تحقيق تطلعاته نحو استعادة دولته.

هذا التغيير الجديد والمباغت لم يكن وليد اليوم، ولا الأسابيع الماضية، ولا حتى الأشهر القليلة الماضية، بل هو حالة من التفجر الداخلي الذي ظل  ينمو لشهور، وحالة من الشعور بالخذلان من «شركاء الإقليم»، بعدما تجلت لهؤلاء الجنوبيين كثير من الأمور، وتبدّت لهم كثير من الحقائق، أولها أن تدمير الشمال وقتل ناسه بالجملة كما هو حاصل اليوم لم يُعِد للجنوب حقه، ولم يرفع عنه مظلمة، بل على العكس من ذلك، فكلما تحول الوضع في الشمال إلى وضع بائس تحول معه الجنوب إلى وضع أكثر بؤساً على كل الصعد.
بمعنى أوضح، لا مستقبل للجنوب في ظل شمال منهار وممزق ومنفلت العقال كما يتمناه بعض البلهاء. فهذا الشمال بما فيه من مخزون بشري هائل وحالة فقر وتخلف وتطرف وتفش لظاهرة السلاح وتفاقم لظاهرة الجوع جراء الحصار عليه لن يكون الجنوب بمأمن منه أبداً. منطقياً، لن تنام ملء جفنيك أنت وأطفالك والنار تأتي على منزل جارك.
ثمة مقولة تفيد بما معناه بأنه ليس شرطاً أن تطفئ سراج أخيك ليضيء سراجك. هذه المقولة التي جهلها كثير من الجنوبيين في الفترة الماضية أدركها كثير منهم اليوم، ولكن وبرغم التأخير تظل حالة محمودة أن يتدارك الإنسان خطأه. فالخيبة الجنوبية تكبر يوماً بعد يوم من دول «التحالف العربي» جراء موقفه السلبي حيال الجنوب كقضية سياسية، وكذلك حيال مسألة إعادة الخدمات المتدهورة على طول الجنوب وعرضه، مع أن هذا «التحالف» الخليجي الذي يمتلك 40% من واردات العالم النفطية، والذي استطاع بغمضة عين أن يحشد خلفه العالم في هذه الحرب، بمقدوره أن يعيد الخدمات في الجنوب وفي عدن إلى سابق عهدها،بل وأفضل من ذلك إن هو أراد، ولكنه لا يفعل، لماذا؟

هذا «التحالف» الذي يمتلك أكبر اساطيل العالم الجوية بمقدوره أن يسيّر عشرات الرحلات إلى مطارات الجنوب التي يسيطر عليها بقوة الحديد والنار، ويحل مأساة كبيرة ناجمة عن المعاناة في رحلات السفر النادرة، بطائرات يمنية متهالكة أحالت حياة الناس إلى جحيم لا يطاق، خصوصاً المرضى والجرحى والمغتربين والطلاب، ولكنه لا يفعل، لماذا؟
هذا «التحالف» الخليجي الذي يضم أغنى دول العالم النفطية، ويوزع ملياراته لشراء مواقف سياسية في كل أرجاء وولايات أقوى دول العالم وأثراها (الولايات المتحدة)، بمقدوره أن يجعل التيار الكهربائي في مدن الجنوب وأريافه «مولعة» ليل نهار، وبمقدوره أن يجعل محطات البنزين التي تحول بعضها إلى أماكن مهجورة ممتلئة حتى التخمة بكل مشتقات النفط، ويحل بالتالي أزمات الوقود التي صارت عنوان الجنوب وسمته، وبمقدوره بالطبع أن يحل كوارث المستشفيات التي تشهد أكثر مأسي العصر إيلاماً جراء انعدام الوقود وقلة الأدوية، ولكنه لا يفعل، لماذا؟
إذن، فلا غرو في أن نرى استدارة المزاج الجنوبي بدرجة 180 حيال هذا الوضع، وإزاء هذا الحال غير الطبيعي. فالآمال تبخرت، وتوشك أن تضمحل، والعودة إلى الاعتماد على الذات بدرجة أساسية، والاستعانة بقدرات الآخرين بدرجة ثانوية اضطرارية هو الذي يجب أن يعيه الناس في هذا الوطن، سواء البسطاء فيه أو ذوو المعالي والرتب، بعدما جرب المجربون طريقة الإذلال والضعة والتملق على أبواب الملوك والسلاطين، والتي لم تجلب لهم ولبلدهم وقضيتهم غير الإزدراء  والتجاهل وضياع الحق والحقوق.

You might also like