الفلسطينيون يشدّون الرحال نحو تحرير الأقصى ونصرة القدس
الاحتلال يدفع بأَكْثَـر من 6 آلاف جندي وشرطي لمواجهة المحتجين للمرة الأولى منذ 50 عاماً
الرئيسُ الفلسطيني يدعو كافة الفصائل الفلسطينية إلى توحيد البوصلة نحو الأقصى
4 شهداء يحملون اسم محمد وَ500 جريح في جُمعة الغضب.. ومقتلُ 3 صهاينة رداً على العملية
انتفَضَ الفلسطينيون، أمس الأول، في مختلف المدن والقرى الفلسطينية؛ دفاعاً عن المسجد الأقصى، حيث شهدت الجُمُعة الفائتة مواجَهةً مفتوحةً مع قوات الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية، بإغلاق المسجد الأقصى منذ أسبوع ووضع بوابات الكترونية عند بابَي الأسباط والمجلس، وهو ما يرفضه الفلسطينيون.
وشهدت المواجهاتُ استشهادَ 4 شهداء فلسطينيين وأَكْثَـر من 500 جريحٍ في مواجهات عنيفة ضد قوات الاحتلال، شملت القدس والضفة الغربية ومحيط قطاع غزة، والأراضي المحتلة منذ العام 1948، حيث أثبت الفلسطينيون توحّدهم في مواجهة المحتل الغاصب.
وبات واضحاً أن الميدان هو الفيصل في معركة الثبات، وتكريس السيادة الفلسطينية على المدينة المقدسة، حيث كانت مواجهاتُ الجمعة محطة تأريخية للسيادة على الأقصى والقدس، ورفض المُخَطّط الإسرائيلي للتقسيم المكاني، وهو ما بات ينذر بانتفاضة ثالثة إذا ما قرّر المرابطون في القدس إطلاق شرارتها.
“جمعة الغضب” الفلسطيني كشف خلالها الفلسطينيون عجْزَ الاحتلال وإرباكه وفشله عن مواجهة عشرات الآلاف ممن تمكنوا من الوصول إلى مداخل المسجد الأقصى، ورفضهم العبور من البوابات الإلكترونية التي وضعها الاحتلال، وتأديتهم صلاة الجمعة على الإسفلت، على الرغم من شدّة لهيبه، وارتفاع درجات الحرارة، فضاقت بهم شوارعُ المدينة المقدسة، التي تحوّلت إلى ثكنة عسكرية نشر فيها الاحتلال أَكْثَـر من 6 آلاف جندي وشرطي بكامل تجهيزاتهم وعتادهم العسكري، وهو ما يجري للمرة الأولى منذ 50 عاماً من احتلال أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
وعلى الرغم من إجراءات الاحتلال المشددة، وعدم السماح لمن هم دون 50 عاماً من الوصول إلى المدينة المقدسة، ومنع أَكْثَـر من 30 حافلةً من الأراضي المحتلة منذ العام 1948، والعقبات عبر العوائق الحديدية، إلا أن نداء القدس دفع بالجموع إلى التوافد وسلوك أَكْثَـر من طريق، تلبية للذود عن الأقصى.
وشهدت مناطقُ القدس والضفة الغربية مواجهاتٍ عنيفة بين جنود الاحتلال والشبان الفلسطينيين الذين انطلقوا في مسيرات احتجاجية على الإجراءات الوحشية الصهيونية، حيث أطلق جنودُ الاحتلال الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز والصوت والدخان، باتجاه جموع المتظاهرين ما أدى إلى سقوط 3 شهداء (يحملون اسم محمد، وسبقهم منفذو عملية الجمعة الماضية الثلاثة الذين يحملون اسم محمد الجبارين)، وأَكْثَـر من 500 جريحاً، نقلوا إلى المستشفيات، التي لم يحترم الاحتلال حرمتها فدخلت قواته إلى “مستشفى المقاصد” في القدس بعد محاصرته أَكْثَـر من مرّة.
من جانبها أفادت جمعيةُ الهلال الأحمر الفلسطيني، بأن طواقهما قدمت خدماتها الإسعافية لنحو 500 مصابٍ خلال المواجهات التي شهدتها القدس المحتلة وبقية مدن الضفة الغربية، منها 110 إصابات بالقدس، في ظل الأحداث الدائرة بالمسجد الأقصى.
وبيّنت الجمعية، في بيان صحفي السبت، أن الإصاباتِ كانت كالآتي: “23 بالرصاص الحي، و147 بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، و215 جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع، و65 إصَابَة بكسور مختلفة جراء التعرض للضرب من قبل قوات الاحتلال”.
وفي شارع صلاح الدين، هاجمت قوات الاحتلال بقنابل الصوت وخراطيم المياه، المئات من الفلسطينيين بعد انتهاء صلاة الجمعة. وسار الشبان في الشارع وهم يرددون: «على القدس رايحين شهداء بالملايين»، و”لن تهزم أمة قائدها محمد» قبل أن يهاجمهم عناصر الشرطة.
وفرضت قواتُ الاحتلال، قيوداً على دخول الفلسطينيين إلى البلدة القديمة من مدينة القدس، بعدَ قرارِ المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية «الكابينت» إبقاء البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى، في ظل دعوات فلسطينية للنفير في جمعة غضب؛ نُصرةً لقبلة المسلمين الأولى.
ودفعت قوات الاحتلال المزيدَ من قواتها إلى مدينة القدس، وأقامت المزيد من الحواجز الشرطية الحديدية على بوابات البلدة القديمة، ومحيط المسجد الأقصى، بينما منعت الحافلات التي تقل مصلين من داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 من الوصول.
وأضافت، بأنها قررت منع الرجال من سكان القدس دون سن 50 عاماً من الدخول إلى البلدة القديمة والمسجد الأقصى، دون فرض أي قيود على النساء، كما حولت قوات الاحتلال مدينة القدس المحتلة وخَاصَّـة البلدة القديمة وبوابات المسجد الأقصى إلى ثكنة عسكرية، وأجبرت قوات الاحتلال موظفي الأوقاف وحراس المسجد الأقصى على إخلاء محيط باب المجلس.
واستشهد الفتى الفلسطيني محمّد محمود شرف (17 عاماً) من منطقة وادي قدوم، برصاصة مباشرة في الرأس أطلقها مستوطن إسرائيلي خلال المواجهات التي اندلعت في حيّ “رأس العامود” بمنطقة جبل المكبر – جنوبي – شرق القدس المحتلة، وأصيب عدد من الشبان بجراح برصاص المستوطن.
وجرى نقل الجثمان إلى “مستشفى المقاصد” في القدس.
كما استشهد الشاب محمّد حسن أبو غنام (20 عاماً) من بلدة الطور بالقدس، برصاصة أطلقها باتجاهه جنود الاحتلال استقرت في جسده، وهو يحمل حجارته الصغيرة، دفاعاً عن الأقصى، ونقل إلى “مستشفى المقاصد” أيضاً.
وأقدمت قوات الاحتلال على اقتحام “مستشفى المقاصد” مرات عدّة، بهدف مصادرة جثماني الشهيدين، وسط إطلاق النار وقنابل الغاز والصوت باتجاه المرضى ورجال الأمن والأطباء، حيث نجح الشبان الفلسطينيون في تهريب جثماني الشهيدين، والحؤول دون احتجاز الاحتلال لهما.
وجرى تشييعُ جثمان الشهيد شرف في مقبرة السواحرة بمشاركة حاشدة، فيما شيع جثمان الشهيد غنام مباشرة في مقبرة بلدة الطور، حيث لم تتمكن والدته من مشاهدته، خشية اختطاف الجثمان من قبل قوات الاحتلال.
واستشهد شاب ثالث يدعى محمد لافي (18 عاماً)، إثر اصابته برصاص حي في صدره، أطلقته قوات الاحتلال، خلال المواجهات التي اندلعت في بلدة أبو ديس – شرقي القدس المحتلة، حيث نقل إلى “مجمع فلسطين الطبي”.
وأصيب عدد من جنود الاحتلال، إثر تعرضهم للرشق بالحجارة والزجاجات الحارقة خلال مهاجمة المتظاهرين الفلسطينيين.
في سياق آخر عقدت المرجعياتُ الدينية والوطنية اجتماعاً عاجلاً لبحث آخر التطورات في المسجد الأقصى المبارك، وأكد مفتي القدس محمد حسين، رفضه للإجراءات «الإسرائيلية»، داعياً المقدسين للصلاة في أقرب نقطة قرب المسجد الأقصى دون الدخول عبر البوابات الإلكترونية.
مقتلُ 3 صهاينة رداً على مواجهات الاحتلال
وكرَدٍّ أولي على استشهاد الشبان الفلسطينيين الثلاثة وإصَابَة مئات الجرحى، أقدم شاب فلسطيني على قتل 3 مستوطنين صهاينة وجرح آخر، في مستوطنة “حلميش” – قرب قرية النبي صالح، غرب رام الله، إثر طعنهم من قبل شاب فلسطيني يُدعى عمر العبد الله من رام الله، استشهد برصاص الاحتلال الإسرائيلي.
وكتب الشهيد العبدالله وصيتَه عبر صفحته على “الفايسبوك” قبل ساعتين من تنفيذ العملية، التي وُصفت بالمعقّدة، عبارات تدعو إلى شد الرحال إلى الأقصى وتحريره ونُصرة القدس، وعبارات للشهادة.
وهرعت سياراتُ الإسعاف الإسرائيلية إلى المستوطنة، وهبطت طائرة مروحية في المكان، إضافة إلى قدوم تعزيزات كبيرة من قوات الاحتلال إلى المنطقة.
عبّاس يجمّد الاتصالُ مع الاحتلال ويدعو الفصائل إلى التوحد
أعلن الرئيسُ محمود عباس، باسم القيادة الفلسطينية عن تجميد الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي على المستويات كافة، موجِّهاً النداء إلى “الفصائل، وخَاصَّـةً “حماس” من أجل توحيد الصف”، ومطالباً الجميع “بوقف المناكفات الإعلامية، وتوحيد البوصلة نحو الأقصى”.
وترأّس عباس في مقر الرئاسة في رام الله بالضفة الغربية، اجتماعاً للقيادة الفلسطينية، ضم: أعضاء اللجنة التنفيذية لـ “منظمة التحرير” واللجنة المركزية لحركة “فتح”، فضلاً عن الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.
وناقش المجتمعون الوضع السياسي والأمني مع الاحتلال، لا سيما في محيط المسجد الأقصى ومدينة القدس.
وأكّد عباس أن “مدينة القدس الشرقية، هي العاصمة الأبدية لشعبنا ودولتنا، ولنا السيادة عليها، وعلى مقدساتها، وسنبقى نحميها ونعمل على تحريرها من الاحتلال”.
ودعا إلى “عقد جلسة للمجلس المركزي الفلسطيني لوضع التصورات اللازمة، والخطط لحماية مشروعنا الوطني، وحماية حقنا في تقرير المصير والدولة”.
وتابع: “مستمرون في تقديم كُلّ ما هو ممكن لتعزيز صمود أهلنا في مدينة القدس، وسنخصص مبلغ 25 مليون دولار جديدة لتعزيز صمودهم”.
وتوجه أبو مازن بتحية إجلال وإكبار إلى “المرابطين في القدس، على وقفتهم الشجاعة لحماية المسجد الأقصى”.
غزة.. تظاهراتٌ حاشدةٌ ومواجهات غاضبة
إلى ذلك، شهد قطاع غزة تظاهرات حاشدة بعد صلاة الجمعة بمشاركة الآلاف.
وفي صلاة الجمعة التي أقيمت في المسجد العمري الكبير في غزة، ألقى رئيسُ المكتب السياسي لحركة “حماس” الدكتور إسماعيل هنية خطبة الجُمُعة، فأكد أن “ما يحدث في القدس منذ عدّة أيام أعاد البوصلة لاتجاهها الصحيح، وأعاد الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني، والتفاته حول ثوابته”.
وسجّلت مواجهات قرب الشريط الحدودي شرق قطاع غزة، ما أدّى إلى إصَابَة 29 فلسطينياً بحالات إغماء، بينهم 6 مسعفين بدخان قنابل الغاز التي أطلقها جنود الاحتلال باتجاه الشبان، الذين انطلقوا في مسيرات بعد صلاة الجمعة.
وكانت قواتُ الاحتلال، قد نفّذت حملة اعتقالات لقياديات فِي حركة “فتح” ونشطاء مقدسيين بعد اقتحام منازلهم فِي القدس المحتلة، وفي طليعتهم عضوي المجلس الثوري حاتم عَبدالقادر (مسؤول ملف القدس فِي حركة “فتح”) وعدنان غيث (أمين سر الحركة في القدس).
ويهدف هذا الاعتداء السافر إلى شل الحركة القيادية في القدس، ولكن المفاجأة للاحتلال كانت بارتفاع وتيرة الرَّدِّ الفلسطيني على الإجراءات التعسفية.