كل ما يجري من حولك

تركيا على الخط: مصالح متربصة… والعين على البحر الأحمر

446
متابعات| العربي| معاذ منصر:
يبدو أنه كلما حصلت تحولات إقليمية كلما زاد الضغط على المشهد اليمني الداخلي، الذي يتحول يوماً بعد آخر إلى ساحة للوكلاء. اليوم، تركيا على الخط، وعينها على البحر أكثر من أي وقت مضى، ويبدو أن الأزمة الخليجية فتحت الباب أمام تحرك تقول مؤشراته إن أنقرة تستعد لخوض غمار منافسة مع بقية اللاعبين في المشهد اليمني، والمسيطرين على حركة البحر.
أمس الخميس، مثل وصول قافلة إغاثية من دولة تركيا إلى ميناء عدن محط جدل واسع، وتحول الأمر إلى توتر أمني بين القواتالتابعة لـ«الحزام الأمني» المحسوب على دولة الإمارات العربية المتحدة وبين قوات الحماية الرئاسية، وقد منعت قوات «الحزام الأمني» السفينة من العبور وإنزال حمولتها بدون تفتيش.
وصول سفينة تركية تحمل إغاثة، وفي هذا التوقيت بالذات، ليس بالأمر الطبيعي والعفوي بطبيعة الحال. ولهذا شهدنا التوتر والجدل بمجرد وصول القافلة، وسارع جنوبيون إلى تحديد موقف واضح وصريح إزاء هذه الخطوة.
منافسة الإمارات
يقول الصحافي والناشط السياسي، ماجد الشعيبي، لـ«العربي»: «ذاكرة العدنيين ما زالت تتذكر صفقة الأسلحة التي ألقي القبض عليها في ميناء عدن، وكانت في طريقها لجماعة الإخوان المسلمين قبل ثلاث سنوات تقريباً، وهي أسلحة مشبوهة بينها سلاح كاتم صوت، تم التأكد لاحقاً من استخدمه في عمليات اغتيالات واسعة شهدتها الساحة الجنوبية وعانت منه خلال الفترة الماضية».
وأوضح الشعيبي أن ما حدث من توتر أمني في عدن جاء بعد محاولة قوة أمنية تتبع الحرس الرئاسي القريب من «الإخوان المسلمين» التدخل في شؤون إدارة الميناء، وذلك بالسماح للسفينة التركية من الدخول إلى الميناء بدون أي تفتيش؛ وهو ما رفضته القوة المكلفة من قبل مدير الأمن في حماية الميناء، ومنعت دخول هذه السفينة، إلا بعد إكمال الإجراءات الروتينة والقانونية التي تنطبق على أي سفينة سواء تركية أو غيرها، وفي الأخير تم السماح للسفينة بدخول الميناء بعد إتمام الإجراءات وتطبيق القانون، لكن ما أثار الريبة هو تدخل قوة غير رسمية في محاولة إدخال هذه السفينة بطريقة غير مشروعة، ما أثار الشكوك لدى إدارة الأمن في الميناء مما قد تحمله هذه السفينة.
مصادر سياسية مطلعة في تركيا، أكدت لـ«العربي» أن وراء تحرك هذه السفينة هو «اللوبي الإخواني القطري التركي، اللوبي الأكثر التقاء في الوقت الحالي». وتشير المصادر إلى أن «تيار علي محسن الأحمر مصمم على فتح هذا الخط بهدف إحداث توازنات في الجنوب، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة التي شهدها الجنوب وتعرض فيها (الإخوان المسلمون) لحرب شرسة وتحجيم وتقليص كبيرين، بينما الإمارات العربية المتحدة لا تريد لهذا الخط أن يفتح، والأبعاد متعددة في الذهن التركي ولا تنحصر بالبعد الذي يدور في ذهن إخوان اليمن».
المصادر السياسية، تؤكد أن تركيا تريد منافسة الإمارات على الضفة البحرية في البحر الأحمر، لأنها موجودة بقوة في الصومال. إلى جانب ذلك، تركيا يهمها أن تنافس فرنسا في البحر الأحمر، ففرنسا تسيطر على جيبوتي التي تريد منافستها في الصومال، ما يعني أن «الأمر بمجمله تأمين مصالح».
الأزمة الخليجية
والشاهد هو أن تركيا تبحث عن نفوذ في الخليج العربي، ضمن طموحاتها التوسعية، خصوصاً مع الصعود الاقتصادي الذي حققته خلال السنوات الماضية، وهذا الأمر لم يكن ليتحقق لولا الأزمة الخليجية الخليجية، فبرغم أن الخليج أصبح سوقاً مفتوحة للمنتجات التركية، إلا أن تركيا لا تمتلك نفوذاً وهيمنة فيه، وهذا الأمر يتحقق الآن من خلال حاجة قطر إلى حلفاء يدعمونها اقتصادياً وعسكرياً، وهو الأمر الذي توفر لتركيا دون عن غيرها، تضيف المصادر. وإذا كانت تركيا لا تستطيع تمكين نفوذها في المنطقة بسبب المنافسة على هذا النفوذ مع السعودية والإمارات؛ فإن هاتين الدولتين، بحسب المصادر، حققتا لها هذه الفرصة من خلال الخصومة مع قطر.
وتجد تركيا نفسها قريبة من قطر بسبب الموقف الموحد الداعم لـ«الإخوان المسلمين» الذين يعدون «أداة من أدوات الدولتين لتحقيق نفوذهما في مناطق مختلفة من العالم، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
وفي نظر مراقبين، فإن دخول تركيا على الخط يكشف طبيعة الأزمة العميقة بين دول مجلس التعاون الخليجي. أزمة كشفت غياب الثقة، وتحديداً بين السعودية والإمارات كطرف، وبين قطر كطرف آخر، وبتناقض وتضاد السياسة الخارجية وأدواتها لكل طرف منهما. أيضاً دخول تركيا المباشر على الأزمة يكشف طبيعة الأزمة وجوهرها المتعلق بموقف كل طرف مما جرى ويجري في «دول الربيع»، حيث يكشف الموقف التركي شبه المنحاز لقطر عن اصطفافات إقليمية ودولية تشكلت بفعل هذه الأزمة، لا يمكن أن تقتصر على البيت الخليجي، فيما لو ذهب الحصار أبعد من هذا الحد، فالأتراك يرون موقف الدول المحاصرة لقطر ما هو إلا حلقة في سلسلة سياسات دولية وإقليمية تستهدف مجموعة من دول المنطقة، استطاعت أن تتوافق وتنسجم في رؤيتها وتعاملها مع أكثر من ملف يخص المنطقة وشعوبها، بمعنى أدق: تركيا تعاطت مع الأزمة انطلاقاً من أنها مستهدف تال بعد قطر من هذا المشروع وإن بأشكال مختلفة عن ذلك الذي جرى مع قطر، فكان الموقف التركي بالتصدي لهذا المشروع في مهده وإفشاله بإسناد قطر لامتصاص صدمة قرار الحصار المفاجئ وإخراجها من العزلة التي سعت الدول المحاصرة لوضعها فيها، وذلك بفتح قنوات تواصل مع أكثر من دولة داخل الإتحاد الأوربي وخارجه.
إلى شرق أفريقيا
سياسيون يرون أيضاً في هذا التحرك أن الجميع عينه على القارة السمراء والمدخل إليها: القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، القارة «البكر» غير المستنزفة. وتركيا اليوم بلد صناعي له مصالح ويريد موطئ قدم في البحار الدافئة.
ويذهب محللون سياسيون في حديثهم إلى «العربي» نحو التذكير بأن اليمن ظل «منطقة فراغ جيوستراتيجي منذ نهاية الحرب الباردة»، يخاف الجميع الظهير القاري، أي البر اليمني ذي الجغرافية الوعرة المشتت الممزق بين الجبال العليا والصحاري. لكنهم جميعاً يحلمون بسواحله المفتوحة في قلب البحار الدافئة، كساحل قليل السكان وعلى خط التجارة، محاط بمناطق مضطربة، في شرق أفريقيا، وأقرب مكان لحوالي 55% من المخزونات المؤكدة للنفط في العالم، وحوالى 45% من الغاز، ومكان سيطرة القوى الدولية القديمة، «أبطال» القرن التاسع عشر، التي كانت تفرض هيمنة عليه: فرنسا في جيبوتي، وبريطانيا التى كانت في عدن منذ خروج الجيش الأحمر. وظلت اليمن منطقة تقاطع لمصالح عالمية، حين كانت القوى الإقليمية أقل قدرة على لعب أدوار بحجم اليوم. أما الآن، فثمة عملية إعادة استقطاب وبناء للتحالفات بين القوى الكبرى، لكن عبر قوى إقليمية لديها جاهزية للتضحية والتصدر للدور مقابل الحصول على مصالح لتعزيز نموها الاقتصادي وتعاظم مصالحها، خصوصاً في صراع الطاقة والأسواق والموارد الأرخص.
You might also like