أن نكون في دولة تتوافر فيها العديد من الموارد الطبيعية، وعلى رأسها جزر تُعدّ من أكثر المواقع جاذبية في العالم، ونعتقد بأن الإستثمار في هذه الجزر سوف يرفد الدولة بثروات لا توازيها عائدات النفط والغاز، يتبادر بداهة السؤال التالي إلى ذهننا: لماذا لا تستغل الحكومة هذه الثروات الطبيعية، حتى تصبح بلادنا إحدى أكبر الدول التي تشجع السياحة البيئية والمحميات الطبيعية؟ ولكن تأتي الإجابة صادمة عندما نرى التصرفات غير المسؤولة من قبل الجهات المعنية، والرخص في التعامل مع الجهات المستغلة لهذه الثروات وعدم مساءلتها، لنعود ونتمنى أن تظل هذه الأراضي والجزر بكراً، حفاظاً على طبيعتها، وصيانة لها من عبث العابثين، حتى وإن لم نستفد من ثرواتها.
هذا هو الحال في اليمن، وهكذا هي جزر أرخبيل سقطرى التي ظلت لأعوام طويلة مهملة أيام حكم نظام الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، لتأتي حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وتزيد الطين بلة. فبعدما تناقلت بعض الوسائل الإعلامية والناشطين في مواقع التواصل الإجتماعي، في الفترة الأخيرة، أنباءً وصوراً حول بعض الأشجار النادرة في جزيرة سقطرى، والتي تمت زراعتها في حدائق وشوارع دبي في الإمارات، أثير جدل واسع لم يكن الأول من نوعه حول الهدف الحقيقي لتواجد الإماراتيين في جنوب اليمن وتحديداً في الأرخبيل؛ حيث اتهم الكثيرون أبوظبي بتهريب أنواع نادرة من نباتات جزيرة سقطرى، من بينها شجرة دم الأخوين، وزراعتها في الإمارات، تحت غطاء دعمها الإنساني للجزيرة.
وسبق ذلك الحديث عن تأجير سقطرى لدولة الإمارات لمدة 99 عاماً، الأمر الذي قوبل بالنفي من قبل بعض الجهات الرسمية في حكومة هادي، وصمت تام من قبل الجهات الإماراتية الرسمية، فيما تحدثت تقارير عن أن النفوذ الإماراتي في سقطرى لم يقتصر على الأنشطة الإنسانية التي يقوم بها الهلال الأحمر الإماراتي، بل امتد إلى الجانب الأمني؛ فبحسب ما أوردت تلك المصادر، فقد قامت الإمارات بتدريب المئات من أفراد الأمن من أبناء سقطرى، وقدمت مساعدات عسكرية متنوعة، منها 80 آلية عسكرية للقوات المتمركزة في المحافظة.
فضلاً عما تقدم، تناقلت وسائل إعلام، في فترة سابقة، معلومات حول حوادث أخرى وقعت داخل الجزيرة، من بينها منع طائرة عمانية تحمل سياحاً من الهبوط في مطارها من قبل قائد الحامية العسكرية الإمارتية في سقطرى، بتاريخ 4 أبريل 2017، بحجة عدم حصولها على إذن من قوات «التحالف»، الأمر الذي أثار حفيظة اليمنيين إزاء تصرفه كمندوب سام لبلده في الجزيرة، والتدخل في مهام السلطة المحلية المخولة بإدارة المطار. 

قبل ذلك، أعلن محافظ سقطرى السابق، سالم عبد الله السقطري، المعين من قبل حكومة هادي، في مطلع العام 2016، في مقابلة مع قناة «أبوظبي» الإماراتية، أن الإمارات تسعى إلى تسيير 3 رحلات جوية أسبوعياً بين مطار حديبو في سقطرى وبين أبوظبي، بالإضافة إلى تمكين سكان الجزيرة من استخدام شرائح شبكة اتصالات إماراتية، وهو ما يعني إلحاق الجزيرة بالسنترال الإماراتي، الأمر الذي لم يحصل في باقي المحافظات الجنوبية الواقعة تحت سيطرة «شرعية» هادي والمدعومة من قبل الإمارات، مما عزز قلق وشكوك البعض إزاء النفوذ الإماراتي المتزايد في سقطرى وأرخبيلها.
ولم ينته الأمر عند ذلك، بل تعالت أصوات المعارضين من سكان الجزيرة وإدارتها المحلية حول تجريف ونهب للمواقع الأثرية فيها، يرافقان عملية إعادة إعمار سقطرى، وانشاء طرقات جديدة فيها بتنفيذ من بعض الشركات الإنشائية من مثل شركة «بن جريبة للمقاولات»، والتي تقوم حالياً بأعمال حفر في عدة مواقع بالجزيرة، منها موقع القلعة التاريخية القديمة، التي يعود تاريخها إلى أكثر من خمسمائة عام، وتم تشييدها في عهد البرتغاليين إبان احتلالهم لسقطرى، بحجة شق طرق جديدة. وتشير مصادر إلى أن الشركة نفسها قامت، في وقت سابق، بجرف أحد المواقع الأثرية في قرية مذهب، الواقعة في المنطقة الشرقية لأرخبيل سقطرى، حيث أدت عملية الجرف إلى العبث بالآثار وخروجها إلى السطح، ليتم إثر ذلك نهب العديد من اللقى الأثرية. وأفادت مصادر رسمية، في وقت سابق، بأن خمسة مواقع أثرية في منطقة مومي تعرضت للنهب والتخريب، ونجمت عن ذلك سرقة مقتنيات تلك المواقع الأثرية، وهي عبارة عن مقابر كهفية وصخرية يعود تاريخها إلى عشرات السنين.
وبعد ورود أنباء، العام الماضي، عن شراء إماراتيين لأراض في سواحل سقطرى، أقر اجتماع للسلطة المحلية، في نوفمبر 2016، «منع بيع الأراضي على سواحل المحافظة والبناء العشوائي في مدينتي حديبوه وقلنسية»، مشدداً على أهمية «تفعيل الإجراءات القانونية بشأن منع الإعتداءات المتكررة على سواحل المحافظة باعتبارها متنفسات عامة تجرمها قوانين الدولة». كما شددت السلطة المحلية في سقطرى، حينها، على «ضرورة التأكد من جنسيات الأشخاص المشترين للأراضي في المحافظة، ومنع الأجانب من تملك الأراضي فيها».
وبعد مناشدات عديدة من قبل السلطة المحلية للرئيس هادي وحكومته حول سرعة التدخل لإنقاذ الجزيرة من التخريب الذي يطال مواقعها ويشوه تاريخها وطبيعتها، وعقب الخلافات الحادة التي نشبت بين المحافظ السابق ووكلائه في المحافظة، استدعى هادي المحافظ السابق إلى السعودية بتاريخ 10 يونيو 2017 لمناقشة وضع المحافظة، وظلت تفاصيل اللقاء قيد الكتمان، حتى فوجئ الجميع بتعيين أحمد السقطري محافظاً جديداً للجزيرة. تعيين تلته تصريحات للمحافظ الجديد تناقلتها الصحف الإماراتية، أشاد فيها بالدور الإماراتي في الجزيرة، ضارباً عرض الحائط بكل الإتهامات الموجهة إلى أبوظبي، الأمر الذي دعا إلى طرح تساؤل كبير حول السبب وراء تعيين السقطري، المعروف بانتمائه لحزب «المؤتمر الشعبي العام»، وولائه الصريح لنظام علي عبد الله صالح، وتزكية الإمارات لذلك التعيين، ليظل ملف جزيرة سقطرى يدار في دهاليز الحكومة المغتربة وحلفائها.
يُشال إلى أن جزيرة سقطرى هي أرخبيل يمني مكون من ست جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي بالقرب من خليج عدن، على بعد 350 كم جنوب شبه الجزيرة العربية. يشمل الأرخبيل جزيرة رئيسة هي سقطرى، وست جزر أخرى هي سقطرى ودرسة وسمحة وعبد الكوري وصيال عبد الكوري وصيال سقطرى، وسبع جزر صخرية هي صيرة وردد وعدلة وكرشحو صيهر وذاعن ذتل وجالص. وتُعتبر جزيرة سقطرى أكبر الجزر العربية واليمنية، ويبلغ طولها 125 كم وعرضها 42 كم، ويبلغ طول الشريط الساحلي فيها 300 كم. تم إدراجها على لائحة مواقع التراث العالمي في عام 2008، ولُقّبت بـ«أكثر المناطق غرابة في العالم»، وصنفتها صحيفة «نيويورك تايمز» كأجمل جزيرة في العالم لعام 2010؛ نظراً للتنوع الحيوي الفريد فيها، وأهميتها البيئية.