كل ما يجري من حولك

هكذا تمارس شركات تكنولوجية “إسرائيلية” نشاطها بالسعودية؟

435

متابعات..| عربي21:

تناولت وكالة بلومبرغ الإخبارية نشاط شركات تكنولوجية إسرائيلية في السعودية، وتحدث تقرير مطول بثلاثة أجزاء، أعده كل من جوناثان فيرزيغر وبيتر والدمان، بشكل خاص عن المهمة التي تقوم بها شركة مختصة بمسح شبكات التواصل الاجتماعي للوصول إلى “الإرهابيين” المحتملين.

 الصفقات الجيدة (والإنكار المقبول) في جوار حسن

على مدى ثلاثين عاماً من العمل داخل المخابرات الإسرائيلية، غمس شمويل بار نفسه في التفسيرات الدينية للإرهاب. وباستخدام تقنيات تحليل النصوص الأدبية الذي يعرفه علماء الدراسات القرآنية ونقاد الكتاب المقدس، توصل إلى التعرف على اللغة المميزة والعبارات الدينية التي يستخدمها الانتحاريون في أشرطة الوداع التي يسجلونها قبل القيام بعملياتهم.

كثيراً ما ظهرت عبارة “إن النصر مع الصبر” في وصايا الاستشهاديين من مجاهدي حماس. أما منتسبو القاعدة فيفضلون دعاء “اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا”.

أشعث الشعر، وفي الثانية والستين من عمره، خرج شمويل بار من الخدمة الحكومية في عام 2003 في خضم انتشار الإرهاب العالمي، إلا أن يده وقعت في تلك الأجواء الملبدة بالويل والثبور على فرصة لإقامة مشروع تجاري مربح، حيث أسس شركة اسمها “إنتوفيو”، عملها الغوص في الأعماق المظلمة للشبكة العنكبوتية، فيما يمكن أن يعتبر النسخة الإسرائيلية من “بالانتير”، المقاول الأمني في سيليكون فالي.

ومن خلال تسخير المهارات الإسرائيلية المبتدئة في هيرتزليا، تمكن من تكييف قدراته السمعية التحليلية لغوياً؛ للخروج بخوارزميات (قواعد رياضية) قادرة على غربلة السيول المتدفقة بلا توقف عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحري التهديدات الإرهابية. وانتهي به المطاف لأن يبيع خدماته للشرطة ولحرس الحدود وأجهزة المخابرات عبر أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

وقبل عامين اثنين وصلته رسالة إيميل من حيث لم يحتسب. يقول بار إن الرسالة جاءت من طرف أحد كبار المتنفذين من علية القوم في المملكة العربية السعودية، يدعوه لحوار عبر سكايب لمناقشة مشروع يرغبون في عرضه عليه. فقد سمع السعوديون عن التقنية المتوفرة لديه ورغبوا في الاستعانة به للتعرف على الإرهابيين المحتملين لديهم. إلا أنه قيل له إنه بحاجة لأن يؤسس شركة وسيطة في الخارج لحجب الهوية الإسرائيلية لشركة إنتوفيو. فقال لهم بار هذه ليست مشكلة. وفعلاً مضى يبحث لهم متصيداً الارهابيين السعوديين مستخدماً برنامج كومبيوتر (سوفتوير) اسمه إنتوسكان، بإمكانه أن يعالج أربعة ملايين منشور فيسبوك و”تويتر” في اليوم الواحد. فيما بعد جرى توسيع المشروع ليشتمل على تحري الرأي العام بشأن الموقف من العائلة السعودية الحاكمة.

يقول بار، وما زالت تتملكه الدهشة لهذا التحول غير المتوقع في حياته التي قضى جلها في مواجهة مع أعداء “إسرائيل”: “لم أكن أتوقع ذلك ولم أسع إليه. بل هم الذين أتوا إليّ”.

يقول بار إنه يلتقي بحرية هذه الأيام مع السعوديين ومع غيرهم من عرب الخليج (الفارسي) في مؤتمرات تعقد في الخارج، وكذلك في بعض المناسبات الخاصة، حيث تزدهر التجارة والتعاون التكنولوجي والاستخباراتي بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية، حتى وإن كان من النادر أن تسمع الشخصيات والشركات المشاركة في هذا النشاط تتحدث عنه علانية.

وعندما بادر أحد مراكز الأبحاث والتفكير في لندن مؤخراً إلى سحب الدعوة الموجهة إلى بار ليتحدث في إحدى الجلسات، معللاً ذلك بأن مسؤولاً سعودياً رفيع المستوى سيحضر وسيتكلم في نفس الجلسة، وليس من المناسب أن يظهرا معاً أمام الملأ، قال بار للمنظمين إنه كان في الواقع قد خطط هو والشخصية السعودية لتناول طعام الغداء معاً في مطعم مغربي قريب قبل الدخول إلى المؤتمر معاً. ويرى بار أن المنظمين كان يتصرفون “كما لو كانوا سعوديين أكثر من السعوديين”.

لم تحل التسوية في الشرق الأوسط بعد، وما نحن بصدده لا يعني أن السيوف قد طرقت لتتحول إلى شفرات محاريث، وإنما نحن أمام توافق منطقي في المصالح القائمة على مخاوف مشتركة بما في ذلك القنبلة الإيرانية والإرهاب والانتفاضات الشعبية وانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. تتوفر لدى شركة إنتوفيو رخص تصدير إسرائيلية وتحظى الشركة بالدعم الكامل من الحكومة الإسرائيلية لمساعدة أي بلد في العالم يواجه الخطر بسبب التهديدات الإيرانية أو تهديدات الجماعات المتشددة.

وفي ذلك يقول بار: “إذا كان البلد المعني غير معاد لإسرائيل فسوف نبذل ما في وسعنا لمساعدته”. الأقطار الوحيدة التي يحظر عليه التعامل معها هي: سوريا ولبنان وإيران والعراق.

من الجدير بالذكر أن السعوديين وغيرهم من الدول العربية الثرية بالنفط يسعدهم جداً أن يدفعوا مقابل ما يقدم لهم من مساعدة. يقول بار: “المقاطعة العربية؟ لا وجود لها على الإطلاق”.

بات التعاون في مجال أمن الإنترنت بشكل خاص تربة خصبة وتجارة رائجة. عندما تمكن الهاكرز في عام 2012 من اختراق نظام الحاسوب التابع لشركة النفط الوطنية السعودية أرامكو، تم الاتصال برجال الأعمال الإسرائيليين وطُلب منهم المساعدة في إيجاد حل للمشكلة، “وبعضهم بات الآن يشارك في العمل بصفة مستمرة” من خلال شركات أوفشور، حسبما يقول إريل مارغاليت، أحد المستثمرين في هذا المجال، وعضو الكنيست الإسرائيلي في نفس الوقت. بل علينا أن نتوقع المزيد، بحسب ما وعد به رودي جولياني في مقابلة أجريت معه في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير في “إسرائيل”، حيث التقى برئيس الوزراء بنجامين نتنياهو نيابة عن الرئيس دونالد ترامب. ولقد ذهب عمدة نيويورك السابق، الذي يعمل الآن مستشاراً لدى ترامب في قضايا الإنترنت إلى القول: “أرى أن مجالات التعاون ستتوسع لتتجاوز قطاع الإنترنت”.

امتنع المسؤولون السعوديون عن الإدلاء بأي تصريح رسمي بشأن ما قد يكون بينهم وبين الإسرائيليين من علاقات. ولم ترد ردود على رسائل الإيميل التي وجهها محررو هذا التقرير إلى وزارة الداخلية السعودية وإلى السفارة السعودية في واشنطن. إلا أن مصدراً في الرياض أصر على الحفاظ على هويته طي الكتمان بعث بتصريح عبر الإيميل نفى فيه أي ارتباطات تجارية بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية. جاء في التصريح ما يلي:

“فيما يتعلق بتكنولوجيا أنظمة الدفاع، لم يحصل إطلاقاً أن تعاملت المملكة العربية السعودية مع إسرائيل في هذا الحقل أو في أي حقل آخر. بالإضافة إلى ذلك، فإن المنطق يخبرنا بأنه حتى يتسنى للملكة العربية السعودية الحصول على أي أنظمة دفاعية فلا بد أن تشتريها بموجب اتفاقيات تجارية مبرمة مع بلدان صديقة تقوم بصناعة هذه الأنظمة، وبناء على شهادات تصدير تجارية رسمية وموافق عليها من قبل حكوماتها. كما أنه من المؤكد بأن إسرائيل ليست من ضمن الأقطار التي لديها علاقات تجارية مع المملكة”.

بسبب المقاطعة العربية لإسرائيل، والتي ما تزال سارية المفعول اسمياً منذ تأسيس الكيان الاسرائيلي في عام 1948، أصبح من الضرورة أن تبقى جميع التعاملات التجارية بين “إسرائيل” ومعظم الدول العربية طي الكتمان، وأن تتم من خلال وسطاء يتواجدون في أقطار أخرى. ومع ذلك فقد بات من العسير إخفاء حجم ونوع ومدى النشاط الإسرائيلي الذي يمارس في ستة من الأقطار الخليجية على الأقل.

ومن ذلك ما قام به أحد رجال الأعمال الإسرائيليين من إنشاء شركات في أوروبا وداخل الولايات المتحدة الأميركية لتكون واجهة لمشروع تركيب ما قيمته ستة مليارات دولار من التجهيزات الأمنية داخل دولة الإمارات؛ قام على تنفيذه مهندسون إسرائيليون. وهي نفس الشركات التي توجهت من بعد إلى المملكة العربية السعودية لتنفيذ مشروع لحل مشكلة الازدحام داخل مكة. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الشركات الإسرائيلية الأخرى التي تعمل في منطقة الخليج (الفارسي) من خلال شركات وهمية في مجال تحلية المياه وحماية البنى التحتية، وأمن الإنترنت وجمع المعلومات الاستخباراتية.

يقول شابتاي شافيت: “كل الشركات الكبيرة تمارس نشاطاً هناك، وكذلك بعض الشركات الصغيرة أيضاً”. ويذكر أن شابتاي شافيت كان يدير الموساد في الفترة من عام 1989 وحتى عام 1996، وهو الآن رئيس مؤسسة أمنية إسرائيلية اسمها “أثينا جي إس 3”. لم يرغب شافيت في الإدلاء بأي تفاصيل بشأن من يعمل ماذا، مبرراً ذلك بقوله: “لا تريد أن تقطع الغصن الذي تجلس عليه”.

وحينما يتعلق الأمر بمبيعات السلاح يصبح التكتم خصلة في غاية الأهمية. خذ على سبيل المثال، مصنع السلاح في نيوهامبشير لشركة اسمها “إلبيت سيستيمز أوف أميركا”، والتي هي في الواقع فرع لشركة “إلبيت سيستيمز”، أكبر مقاول في مجال الصناعات الدفاعية مملوك للقطاع الخاص في “إسرائيل”.

يقول العاملون في الفرع الأميركي إن ثمة إجراء لا بد من اتباعه حينما يزور المصنع زبائن من الكويت أو من قطر أو من المملكة العربية السعودية. وهذا الإجراء يشتمل، بأمر من الإدارة، على نزع كل اللوحات التي تحمل اسم إلبيت، وكذلك الخرائط الإسرائيلية والكتابات العبرية. كما يتم أيضاً بشكل مؤقت إخفاء أسماء الموظفين إذا كانت أسماؤهم تشير بوضوح إلى هويتهم الصهيونية، حسبما يؤكد ريتشارد وولف، الذي عمل في المصنع لمدة 15 عاماً، حتى سنة 2013، في تصميم العدسات التي تستخدم في مختلف الأجهزة البصرية التي ينتجها المصنع.

كما يتم مسح العلامات الإسرائيلية من بعض القطع التي ينتجها، بحسب ما صرح بذلك عامل سابق آخر من عمال المصنع. إلا أن “إلبيت سيستيمز أوف أمريكا” صرحت في بيان صادر عنها بأنه ليس من سياسة الشركة إخفاء اسم إلبيت أو التكتم عن أي ارتباطات للشركة بإسرائيل.

وكانت مبيعات إلبيت إلى المملكة العربية السعودية قد لفتت بعض الانتباه قبل عامين، حينما توفي بشكل غامض المواطن الأميركي كريس كرامر، أحد الفنيين من مصنع نيوهامبشاير، بينما كان يقوم بصيانة نظام للصواريخ داخل المملكة العربية السعودية.

تفيد المعلومات التي دوّنها كرامر عن رحلته في صفحته على موقع فيسبوك، وقال إنه أُرسل ليساعد الجيش السعودي في إجراء سلسلة من التدريبات على إطلاق النار الحي من نظام إلبيت لتوجيه الصواريخ من طراز تاو، حيث كان هذا النظام قد أجري له تحديث مؤخراً.

كان كرامر قد عمل مع إلبيت لاثني عشر عاماً، وساعد هو نفسه في تطوير النظام المذكور. إلا أنه ما لبث أن وجد ميتاً تحت غرفته في الطابق الثالث من الفندق الذي كان يقيم فيه داخل مدينة تبوك، قبل يوم واحد من الموعد المقرر لعودته إلى بلاده. قالت الشرطة السعودية إن الوفاة كانت بسبب الانتحار، إلا أن عائلة كرامر اعترضت على ذلك ولم تقبل بهذا التفسير.

وفي بيان صدر في “إسرائيل”، لم تحدد إلبيت ما الذي كان يعمله كرامر في المملكة العربية السعودية، واكتفت بالقول إنه كان يعمل على “منتج أميركي” لا تدخل فيه التكنولوجيا الإسرائيلية. وجاء في البيان الذي ورد بالإيميل من المصدر السعودي:

“فيما يتعلق بوفاة المواطن الأميركي، توجد للمسألة أبعاد جنائية وقضائية، ولا تتدخل الحكومة السعودية في هذه القضايا، بل تكلف بها الأجهزة الجنائية والقضائية لتنظر فيها، وتقرر حسبما تنص عليه القوانين التي تنطبق على هذه الأنواع من القضايا”.

يحب نتنياهو أن يكرر في خطاباته، متندرا، أنه توجد ثلاثة أسباب تجعل العرب مهتمين بـ”إسرائيل” هذه الأيام، ألا وهي “التكنولوجيا، ثم التكنولوجيا، فالتكنولوجيا”. إلا أن هذا الاهتمام لا يترجم في الواقع إلى علاقات تجارية علنية لأسباب؛ أهمها على الإطلاق هو استمرار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

يقول رياض الخوري، مدير مؤسسة جيوإيكونوميكا للاستشارات في مجال المخاطرات السياسية، والتي تتخذ من العاصمة الأردنية عمان مقرا لها، إنه لن يصبح التعاون مع الخليج ( الفارسي ) مثمرا تماما ما لم “ينطفئ مصباح الإنارة داخل رأس نتنياهو ويوقع اتفاقية سلام مع الفلسطينيين الذين لا يزالون هم حراس البوابة”.

ويمكن للصراع أن يزداد سوءا على سوء، وخاصة أن ترامب كان قد أعلن أثناء حملته الانتخابية، ثم عاد وأكد بعد تنصيبه، أنه سينقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس. وأما مرشحه لمنصب سفير الولايات المتحدة إلى “إسرائيل”، والذي كان محاميه في قضايا الإفلاس، دافيد فريدمان، فقال إنه ينوي اتخاذ القدس مقرا لعمله، وأطلق عليها صفة “عاصمة إسرائيل الأبدية”. وردا على ذلك قالت حركة فتح الفلسطينية إن مثل هذا الإجراء من شأنه أن “يفتح أبواب جهنم”.

ومن الجدير بالذكر أن نتنياهو كان قد تعهد في الأول من شباط/ فبراير ببناء أول مستوطنة جديدة تقام في الضفة الغربية منذ 25 عاما. وأعلنت “إسرائيل” منذ استلام ترامب للسلطة عن خطط لبناء 5500 وحدة سكنية إضافية في المناطق المحتلة. في هذه الأثناء دعا ترامب نتنياهو لزيارة البيت الأبيض في 15 شباط/ فبراير.

يقول السعوديون إنهم سيصنعون السلام مع “إسرائيل” بعد أن تصنع السلام مع الفلسطينيين. وقد تكرر تقديم هذا العرض في عام 2016 من قبل مسؤولين سعوديين متقاعدين رفيعي المستوى، في لقاء علني نادر جمعهما بنظيريهما الإسرائيليين في واشنطن وفي القدس. بل لقد أرسل سلمان الأنصاري، وهو مصرفي ومدير مؤسسة إعلامية يدير حاليا مجموعة جديدة للترويج للسعودية في واشنطن، إشارة أقوى في تشرين الأول/ أكتوبر، حيث كتب في مقال نشره موقع “ذي هيل” يقول فيه إن المملكة العربية السعودية و”إسرائيل” ينبغي لهما أن يشكلا “تحالفا تعاونيا” يقوم على أساس من الروابط التجارية، وذلك لتعزيز المكانة التي يستحقانها بوصفهما “عمودين من أعمدة الاستقرار في المنطقة”. انهال النقاد العرب على الأنصاري يقرّعونه لأنه لم يذكر الفلسطينيين في مقاله. إلا أنه أكد أنه تجنب ذكر الفلسطينيين قاصدا، الأمر الذي يعكس رغبته في تبديل الخطاب القديم الذي يربط كل شيء بقيام الدولة الفلسطينية. بل يذهب إلى أبعد من ذلك حين يؤكد أن العلاقة السعودية الإسرائيلية يمكن أن تزدهر وتثمر تحت قيادة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بما يتمتع به من براغماتية ونظرة تقدمية.

يمكن لهذا الانفتاح أن يتغير بسرعة إذا ما تسبب ترامب ونتنياهو في انطلاق انتفاضة فلسطينية أخرى. ومع ذلك، فإنه يمكن الاستدلال من هذه النماذج على أن المملكة العربية السعودية تتغير بسرعة فائقة، كما يقول دينيس روس الذي أدار الجهود الدبلوماسية بين العرب والإسرائيليين في عهد ثلاثة رؤساء أمريكيين. ويضيف: “ما كنت لترى شيئا من هذا القبيل في ما مضى. من الواضح أن هذه كومة قش في مهب الريح”.

على الأرض، واجهة نتنياهو للتعاون الإقليمي هي أيوب قرا، العربي الإسرائيلي البالغ من العمر واحدا وستين عاما، وعضو الكنيست الذي أصبح مؤخرا عضوا في الحكومة بحقيبة وزارية. وقرا هذا درزي وصاحب موقف متشدد في ما يتعلق بالسلام مع الفلسطينيين، وهو يشاطر حزب الليكود حلمه –وقد يقول البعض نزوته– بأن يطبّع العلاقات بين “إسرائيل” والدول العربية مع الاحتفاظ بمساحات واسعة من الضفة الغربية.

في أحد أيام شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وقف قرا على شرفة منتجع أردني مطل على البحر الميت، ومد ذراعه مشيرا إلى خليج العقبة في الجنوب، حيث تلتقي حدود “إسرائيل” بحدود الأردن وحدود المملكة العربية السعودية.. تقوم إ”سرائيل” حاليا بالتعاون مع الأردن بوضع خطط لتطوير المنطقة القاحلة التي قاد فيها موسى يوما بني “إسرائيل” حينما تاهوا في الصحراء أربعين عاما. ويصر قرا على أن السعودية في نهاية المطاف ستنضم إلى الفريق في هذا المشروع. وقال: “يحتاجون إلى التكنولوجيا الموجودة لدينا، ويحتاجون إلى خبراتنا، ويريدون بإلحاح الخلاص من الصداع الفلسطيني”.

تبدأ الخطط بأكبر تعاون في مجال الأشغال العامة بين “إسرائيل” والأردن والفلسطينيين. يطلق على المشروع مجازا اسم مشروع النقل من البحر الأحمر إلى البحر الميت، وهو عبارة عن خط أنابيب ومحطة تحلية تقدر التكلفة الكلية لهما بعشرة مليارات دولار. والمشروع، الذي يحظى بدعم جزئي من قبل البنك الدولي، سيسحب الماء من البحر الأحمر وينقله إلى البحر الميت على عمق 1400 قدم تحت مستوى سطح البحر. والمشروع، الذي من المقرر أن يبدأ إنشاؤه في عام 2018، سوف ينتج ماء صالحا للشرب وكهرباء يستفيد منهما الأردن و “إسرائيل” والفلسطينيون. وتقضي خطة المشروع بالتخلص من الماء المالح المتبقي بضخه في البحر الميت، والذي يعتبر خزانا للأملاح وما لبث حجمه ينكمش عاما بعد عام. يمكن للمشروع أن يساهم في تخفيف حدة الصراع على المياه في هذه المنطقة التي تعتمد فيها “إسرائيل” والأردن والضفة الغربية وأجزاء من المملكة العربية السعودية -وكذلك لبنان وسوريا- على مصادر المياه نفسها المتمثلة بعدد محدود من الأنهار والطبقات الصخرية المائية.

لدى قرا، الذي وقف يرمق ببصره الضفة الغربية و “إسرائيل” من خلف البحر الميت، ما يشغل باله على المدى القريب أيضا. لقد دُعي إلى هنا ليتحدث حول الاشتراك في موارد مياه المنطقة أمام مؤتمر البيئة والسلام في الشرق الأوسط الذي تموله الحكومة السويدية. ورتب قرا لعقد اجتماع مع نظيره الأردني لمناقشة طريق التجارة المحتمل من أوروبا وتركيا عبر ميناء مدينة حيفا الإسرائيلي، مرورا بالأردن نحو المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج ( الفارسي ). فمنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية تحول ميناء حيفا إلى مركز عبور للبضائع التركية التي كانت في ما سبق تُنقل برا إلى منطقة الخليج ( الفارسي ) عبر شرق تركيا وسوريا. واليوم، تصل ما يقرب من عشرين شاحنة تركية كل أسبوع على متن عبارة صدئة ترسو في ميناء حيفا، حيث يفحص المسؤولون الإسرائيليون الشاحنات باستخدام أشعة إكس ويتعاملون معها، أثناء مرورها داخل مخزن صمم لتعبر من خلاله، ثم يطلقون سراحها لتكمل رحلتها إلى الأردن عبر الجليل. في البداية كان دخول الشاحنات عبر الحدود الأردنية إلى داخل السعودية ميسرا، ولكن ذلك انتهى فجأة ودون سابق إنذار قبل عامين، حينما قام أحد المنافسين في الرياض بالكشف عن أن عدة شاحنات محملة بالطماطم التركية وصلت إلى الأسواق السعودية عبر ميناء حيفا، حسبما أفاد به سمسار شحن في حيفا.

ويعمل قرا مع دبلوماسيين خليجيين من خلال شركاء من عليّة القوم داخل الحكومة الأردنية، وذلك سعيا منه لفتح طريق إسرائيلي-سعودي باتجاه الجزيرة العربية ككل، وهي الخطوة التي من شأنها أن تضاعف خمسة أضعاف، بين ليلة وضحاها، حجم البضائع المنقولة بواسطة الشاحنات التركية، كما يقول سمسار الشحن. أما قرا فيقول بهذا الشأن: “قريبا جدا سوف تخرج الأمور إلى العلن وسوف تشاهد نتنياهو وهو يهبط بطائرته في واحدة من هذه البلدان”. يوافقه في ذلك الوسيط الأردني الذي يعمل معه ويقول: “لقد تغير الزمن، وكلهم يبحثون عن سبل للانفتاح على إسرائيل والتواصل معها”.

ويستخدم نتنياهو مساعدين آخرين للتواصل مع كبار المسؤولين في العالم العربي، بما في ذلك محاميه الخاص إسحاق مولخو، وسفير “إسرائيل” السابق لدى الأمم المتحدة دوريغولد.. منذ إبرام اتفاقيات أوسلو في مطلع التسعينيات، فتحت “إسرائيل” من حين لآخر مكاتب تجارية في قطر وعُمان، وقبل عام حصلت على موافقة لإرسال دبلوماسي ليقيم في أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، بوصفه ممثلاً لـ”إسرائيل” لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. ويشار في هذا الصدد إلى أن المكتب لديه القدرة الكامنة على التحول في المستقبل إلى سفارة لمتابعة ارتباطات “إسرائيل” الآخذة بالاتساع في منطقة الخليج ( الفارسي ).

يلعب قرا دورا فريدا من نوعه، فنظرا لأنه الوزير العربي الوحيد في حكومة نتنياهو، فهو يلتقي بانتظام بالدبلوماسيين ورجال الأعمال العرب في القاهرة وفي الدار البيضاء وفي جنيف وفي نيويورك. من الجدير بالذكر أن الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها، والتي يبلغ تعدادها في “إسرائيل” ما يقرب من 140 ألف نسمة إضافة إلى ما يقرب من 850 ألف نسمة في كل من لبنان وسوريا والأردن، نشأت قبل ما يقرب من ألف عام، كان الدروز طوال معظم تلك الفترة يعيشون في قرى جبلية وضمن عشائر حافظت على وجودها من خلال موالاة من آلت إليه السلطة.

وكان اثنان من أعمام قرا قد قتلا على يد العرب بسبب تعاونهما مع اليهود قبل قيام دولة “إسرائيل”. وأما هو فقد جرح داخل دبابة للجيش الإسرائيلي أثناء القتال في حرب لبنان عام 1982، وسُرح من الجيش بعد مقتل اثنين من أشقائه. وقد مارس المحاماة في شمال “إسرائيل” لخمسة عشر عاما، ثم فاز بمقعد في الكنيست في عام 1999، ووصل إلى سدة القيادة في حزب ليكود في عام 2006. وللاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين ليوم الاستقلال قام في تلك السنة بتنظيم حفلة لنتنياهو، وجلب جزارين متخصصين في إعداد اللحم الكوشر ليذبحوا 58 شاة بتلك المناسبة. وفعلاً، حضر نتنياهو واحتفل بالمناسبة وتناول الطعام في معية سبعة آلاف درزي من أبناء البلدة في تجمع نظم أمام منزل قرا في دالية الكرمل.

يقول قرا، الذي جلس إلى جانب ابنته الطالبة الجامعية في الرواق الصخري أمام مدخل بيته: “أشعر كما لو كنت يهوديا، ولكني لست يهوديا. أتواصل مع الناس باللغة العربية ولكني لا أفرّط إطلاقا باحتياجات إسرائيل”. ثم يخرج هاتفه النقال ويبحث فيه عن صورة تظهر رجلاً يُشعل له سيجارا كوبيا غليظا في جناح فندقي داخل مدينة نيويورك. كان الرجل الذي يمسك القدّاحة بيده أكبر سنا منه، أصلع الرأس، ويلبس حمالات. إنه أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر، حسبما يقول قرا، وأحد الوسطاء الذين يتعامل معهم.

المصدر: عربي 21

You might also like