كل ما يجري من حولك

مفاوضاتُ الكويت تكشِـفُ عَورةَ العُـــدْوَان

414

حميد رزق

طالت مُــــــدَّةُ المفاوضاتِ في الكويت.. كثيرون لم يكونوا يتوقّعوا ذلك، حتى المتحاورون أنفسُهم.. يبدو أَن اللُّــعبةَ صارتْ “مَن يُـغـادِرُ أولاً”.. لم يَعُـدِ الحديثُ عن النتائجِ التي يُمكِنُ أَن تُسفِــرَ عنها الطاولة.

المفاوضاتُ عندَما تكونُ بينَ الظالمِ والمظلومِ، الضحيةِ والجلادِ أَوْ القاتلِ والمقتولِ، تكونُ صعبةً ومعقّدَةً.. ونحنُ أمامَ قاتلٍ أثخَنَ في الإجرامِ، وأسرَفَ في حربِ الإبادةِ حتى أُصيبَ بالتُّخمة والإجهاد.

السعوديةُ أُنهكت بعد أَن استخدمت كُلَّ أساليبِ البطشِ والحصارِ والقتلِ والتدميرِ في محاولاتها تركيعَ الشعبِ اليمني وكسر إرادته، فنَــــفِــــدَ صبْـــــرُها واستنفدت في شراءِ الأسلحة المحرَّمة خزائنَها ولم ينفَـــــــدْ صبْـــرُ الشعبِ اليمني أَوْ ينفَـــــــدْ مخزونُ كرامتِه وصبرِه وتضحياتِه.

حالياً تتمنَّى السعوديةُ ألَّا تعــودَ الحربُ؛ لمعرفتِها أَن جبهةَ الحدودِ ستكونُ أحَــدَ مسارحِها الساخنة؛ ولذلك تُريدُ من مرتزقتِها الوقوفَ على أقدامِهم ليكونوا بمستوى الصمودِ والمواجهةِ للانخراط في حربٍ أهليةٍ يمنيةٍ طويلةِ المدى دونَ المراهَنةِ على استمرارِ الطيرانِ والحربِ الجوية.. وهذه المعادلةُ تبدو مستحيلةً، فالمرتزقةُ من الضعفِ والهشاشةِ بحيثُ لا يصمدون أياماً معدودةً بدونِ الغطاءِ الجوي المكثّف واستمرار الغارات برغم أن المفاوضاتِ تأتي في سياق التطمينِ لأَدَوَات الرياض حتى لا يغادروا مواقعَهم ويهربوا إلَـى خارج الأرض اليمنية.. أما جبهةُ الحدود السعودية فستكونُ في حال عادت الحربُ أسخنَ ساحاتِ المواجهة.. وهذا جانبٌ من جوانبِ المأزق السعودي.. والجانبُ الآخـــــرُ لمأزقِ “البقرة الحلوب” أَن نجاحَ المفاوضاتِ لا يخدمُ مرتزقتها، فالأرضُ التي يرادُ إعادتُهم إليها تَغلي نِقمةً وألماً؛ بسببِ جرائمِ العُـــدْوَانِ؛ لتكونَ النتيجةُ أَن عودةَ الحرب بالنسبة للسعودية شبحٌ غيرُ مرغوب أَوْ مُحبَّبٍ، إِلَّا في حالةٍ واحدةٍ، وهي أَن يتحَوَّلَ العُـــدْوَانُ إلَـى حربٍ أهليةٍ طويلةِ المدى.. وبما أَن السلامَ وَالمفاوضاتِ متعثِّرةٌ؛ بسببِ عجزِ فريقِ الرياض عن التكيُّفِ مع مرحلةِ السلام والحَـلِّ السياسي في ظلِّ تسويةٍ منطقيةٍ وعقلانيةٍ، فإن تصلُّبَ وعجزَ أَدَوَاتِ الرياضِ في طاولةِ المفاوضات وهروبَهم المتكررَ إلَـى التعطيلِ والانسحابِ هو تعبيرٌ عن إفلاسٍ وشعورٍ عميقٍ بالقلقِ من المستقبل وما يحملُه لهم من مفاجآتٍ، خَاصَّــةً أَن التسويةَ تعني مغادَرةَ فنادقَ الرياض وتركيا وقطر والعَودةَ إلَـى صنعاءَ المجروحةِ، فبأيِّ وجوهٍ سيقابلون الشعبَ؟!، وأيَّـــــــةُ مبررات سترافقُهم إن أرادوا العودةَ؟!.

بالمقابل الوفدُ الوطنيُّ جَــــادٌّ في البحثِ عن السلامِ، سقفُه وإن بَدَى غيرَ عالٍ، لكن هناك حالة من الثقةِ ووضوحِ الرؤية التي جعلتْه يتمتّعُ بأداءٍ قويٍّ ورؤيةٍ واضحةٍ مكّنته من استيعابِ الضغوطاتِ التي تحيطُ به إقْليْمياً ودولياً؛ لأنه يحمِلُ قضيةً ويستندُ إلَـى صمودِ شعبٍ وإرَادَةِ أمةٍ، فإن جنحوا للسلام الحقيقي فنحنُ لها وإن أرادوا فرْضَ شروطِ العاجزِ في طاولة المفاوضات، فهم مِن الغباء بحيث لم يستوعبوا دروسَ عامٍ كاملٍ من المواجَهة والصبر والتضحية التي خاضها شعبٌ فقيرٌ بإمكاناته غنيٌّ بكرامتِه وأصالتِهِ.

وفي الأخيرِ حتى لُعبةُ الوقتِ لم تَعُدْ في صالحِ العُـــدْوَانِ، ولا في صالحِ المملكةِ السعوديةِ التي عليها أَن تغادِرَ حالةَ الحَيْرَةِ والتخبُّطِ بالاعتذارِ السريعِ والعاجلِ للشعبِ اليمنيِّ، وتلتفتَ إلَـى أوضاعِها الداخليةِ والمؤامراتِ الدوليةِ التي بدأت تلتفُّ حولَ عُنُقِهَا، بدءاً من حكايةِ التورُّطِ في أحداثِ 11 سبتمبر، وليس انتهاءً بدعمِ القاعدةِ وداعش وتمويلِها لنشْـــر الكراهيةِ والجريمةِ في أنحاءِ العَالَمِ.

You might also like