كل ما يجري من حولك

لماذا يريدون تحويل عدن إلى قرية؟!

501

 معين الناصر  

حتى وقت قريب، كانت عدن هي النموذج الأبرز للتحضُّر والمدَنية والانفتاح على الآخر.

حتى وقت قريب، كانت تفتحُ ذراعيها للغُرباء، وتصهر كُلَّ الأعراق والأجناس، شأنُها شأنُ أية مدينة تتجاوَزُ الطابع المحلي للعالمية، فهي مدينة مفتوحة على قارتين وتقعُ على أقدم وأهم وأشهر طرق الملاحة.

واليوم، هناك من يريد أن يحوّل عدن إلى قرية، وأن يصبغ نسيجها الملون الجميل بلون واحد، تحت شعارات يمتزجُ فيها الطائفي بالمناطقي والسياسي.

حين نقرأ التأريخ، نندهش كثيراً كيف تحول الاستقلال من نعمة إلى نقمة، واليوم نحن أمام فاجعة أكبر وهاوية أعمق، مع البحث عن استقلال من نوع جديد.

عام 1967م، حدث أن خرج المحتل البريطاني منكّس الراية، وتسلمت حُكمَ الجنوب نخبةٌ من أبنائه الذين صنعوا بطولات لن ينساها التأريخ.

ومع ما كابدته عدن من تغيُّرات الحياة بعد الاستقلال، ظهرت دعوةُ “عدن للعدنيين”، التي استهدفت أبناءَ الريف، القادمين من يافع والضالع وأبين وغيرها.. واليوم تظهر دعوةٌ مماثلةٌ: “عدن للجنوبيين”!!

لماذا لا نتعلم من التأريخ؟ ولماذا نكرر أخطاء الماضي، بمبررات وشعارات جديدة؟!

وما يزيد هذه المشكلة تعقيداً، أنها صارت واحدة من النقاط التي يتفقُ عليها من يسمون أنفسهم بالمقاومة، والجماعات المسلحة، سواء عصابات النهب، أو التنظيمات الإرهابية.

المقاومة تهجّر العمال والبساطين، والقاعدة وداعش يهدمون مساجدَ بحجة أنها للشيعة ويفجّرون الكنائس، يقيّدون الحريات ويضيّقون على الناس في الفضاءات العامة كالأسواق والشواطئ، ويمنعون الاختلاطَ في الجامعات.. كلهم يريدون تحويلَ عدن إلى قرية، ولكن كُلٌّ بطريقته!!

والغريبُ في الأمر، أن المدافعين عن الحقوق والحريات، ودُعاة الدولة المدنية، والمتشدّقين بقيَم التسامح، لم ينبسوا ببنت شفة، ولم يحاولوا أن يدافعوا عن مدينتهم، بعضُهم بدافع الخوف وآخرون بتعمد التواطؤ، ولا أستبعد وجودَ البعض ممن يبيعُ صمته كما يبيعُ كلماته، لمَن يدفع أكثر!!

ولعل أسوأ ما في الممارسات العنصرية التي تُرتكَبُ في عدن، أنها تتم بمبررات مخجلة، وفي مقدمتها المحافظة على الأمن!

هل طرد عامل من ريمة، أو بائع متجول من تعز سيجعلها أكثر أمناً؟!

وهل يمكن أن نقتنعَ، أن الدعوة للعزلة والانغلاق هي في مصلحة عدن؟! ومتى؟ في القرن الحادي والعشرين، زمن الانفتاح والفضاءات المفتوحة وثورة الاتصالات؟!

نحتاج قليلاً من المنطق والصدق؛ لنفهم أن كُلّ الممارسات العنصرية التي تحدث اليوم، إنما تتم بتخطيط وتآمر القوى المتنفذة الجديدة التي أفرزتها الحربُ الأخيرة؛ وذلك من أجل الانفراد بموقع القرار، واحتكار كُلّ المكاسب، باسم أمن عدن وحمايتها!!

You might also like