كل ما يجري من حولك

فورين بوليسي: حان الوقت للضغط على السعودية لوقف تصدير التطرف

فورين بوليسي: حان الوقت للضغط على السعودية لوقف تصدير التطرف

442

متابعات:

إليكم حقيقة لا تقبل الجدل: حتى بعد تدمير الخلافة الإقليمية للدولة الإسلامية في العراق وسوريا، يوجد اليوم عدد أكبر من الجهاديين الذين يقاتلون في عدد من الدول أكثر مما كان هناك في 11 سبتمبر/أيلول 2001. وتظهر تفجيرات سريلانكا الشهر الماضي ببساطة حقيقة قاسية وهي أنه على الرغم من النجاحات المهمة التي حققتها الولايات المتحدة فيقتال تنظيم الدولة في ساحة المعركة ومنع هجوم آخر على نطاق 11 سبتمبر/أيلول، فإن مشكلة “التطرف الإسلامي” لم تتقلص. وبعد ما يقرب من 18 عاما، ونفقات هائلة وخسارة في الأرواح، لا تزال الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية مثبتة لتقليص عدد الشباب المسلمين المعرضين للعمل الجهادي.

وكان واضحا لصناع القرار في الولايات المتحدة لسنوات أن القوة الصلبة وحدها ليست صيغة رابحة. ومن الضروري أيضا وضع استراتيجية لمحاربة الأيديولوجية المتطرفة التي تشكل لبنة أساسية في البنية الجهادية والتي التفسيرات الشمولية وغير المتسامحة والمتشددة للإسلام التي تجرم كل أولئك الذين يحملون معتقدات مختلفة، من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.

منذ 11 سبتمبر/أيلول، أرسى الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون أسس الحرب الأيديولوجية. وتحدث الرئيس “جورج دبليو بوش” عن أهمية معركة الأفكار وضرورة كسب القلوب والعقول بين المسلمين، في حين وصفها الرئيس “باراك أوباما” بمعركة التصدي للتطرف العنيف. كما أن الرئيس “دونالد ترامب” (على الرغم من أنه مدان في كثير من الأحيان بلغة تحريضية وغير مثمرة أدت إلى تشويه سمعة جميع المسلمين) جعل الكفاح ضد االمتطرف علامة على حملته الرئاسية، وكرئيس، وعد “ترامب” بمحاربة “الأيديولوجيات العنيفة والمتطرفة والملتوية التي تدعي تبرير قتل الضحايا الأبرياء.” وفي أول رحلة خارجية له كرئيس، ذهب “ترامب” إلى المملكة العربية السعودية، قلب الوهابية النابض -وهي العقيدة الدينية التي أفرزت أفكار تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية- وطالب علنا ​​السعوديين وغيرهم من قادة الدول ذات الأغلبية المسلمة بنبذ المتطرفين.

ولكن مع تزايد عدد المجندين الذين اشتركوا في التمرد العالمي للجهاد، تبقى هذه الجهود غير كافية. ومن وجهة نظر الجميع تقريبا، كان النهج الأمريكي مفككا، غير متسق، ناقص التمويل، ويفتقر إلى القيادة والتنسيق والدعم السياسي الرفيع المستوى والمستمر. على الرغم من صعوبة تقديم تقارير دقيقة للغاية، فلا شك في أن الإنفاق الأمريكي على الشق الأيديلوجي من الحرب ضد التطرف كان جزءا صغيرا جدا مما تم إنفاقه على الحرب الأوسع ضد الإرهاب. وفي عام 2019 خلصت دراسة أجرتها مؤسسة راند إلى استنتاج أن جهود الولايات المتحدة لمنع الإرهاب الداخلي ومكافحة التطرف في جميع أنحاء العالم كانت “كلاما أكثر من العمل”.

أحد الأمثلة المهمة يتعلق بما ناقشه “ترامب” في الرياض في عام 2017 وهو الحاجة إلى قيام شركاء مسلمين لأمريكا بدور قيادي في هزيمة أيديولوجية التطرف الإسلامي أو الأهم من ذلك، أن تتوقف الدول الإسلامية وفي مقدمتها السعودية عن تصدير هذه الأفكار حول العالم. وولكن “ترامب” تجنب الحديث عن هذه القضية على الملأ مرة أخرى، وبدلا من ذلك، تحولت مطالبه من السعوديين بسرعة إلى قضايا معاملات قصيرة الأجل مثل شراء كميات أكبر من الأسلحة الأمريكية، والحفاظ على أسعار النفط منخفضة، ودعم خطة ميتة للسلام في الشرق الأوسط.

هذا أمر مؤسف بشكل خاص، لأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد ادعى منذ أواخر عام 2017 أن الرياض عازمة الآن على تدمير الأيديولوجية المتطرفة التي قامت السعودية بالكثير، لفترة طويلة، للترويج لها. وفقا لولي العهد، تم تخفيف دور الشرطة الدينية ذات النفوذ في المملكة والتخلي عن العديد من المؤسسات التي كانت رأس الحربة السعودي لتصدير الوهابية. لكن أثر الوهابية عميق وعريض وسوف يستعرق الأمر أكثر من ذلك لإصلاح الضرر الذي حدث.

وفي الشهر الماضي، تم عرض تذكيرين قويين بالدور المستمر والمؤثر للوهابية السعودية. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الوطنية في إندونيسيا، عرضت عدة تقارير بالتفصيل التوسع المقلق للوهابية المدعومة من السعودية في أكبر الدول الإسلامية، والتي تحولت سياساتها إلى اليمين ومقوضة التقاليد الوطنية الطويلة الأمد للتعددية والتسامح. وفي أعقاب هجمات سريلانكا، تم وصف التأثيرات التي حققها الوهابية على مدى عقود، والكسور الخطيرة التي أوجدتها داخل المجتمع المسلم في سريلانكا ما أرسى أرضا خصبة للمتطرفين الذين ارتكبوا التفجيرات.

الأهم من ذلك، خلال الأشهر القليلة الماضية، سعت مجموعة صغيرة من المسؤولين الأمريكيين في مكتب مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية ومديرية مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن القومي إلى إعادة تركيز سياسة الولايات المتحدة على مكافحة التبشير المتطرف من قبل الدول الأجنبية وعلى رأسها السعودية. كما أصبحت القضية بندا منتظما في جدول أعمالهم للمناقشات مع زملائهم في مكافحة الإرهاب من أوروبا وكندا مما يوفر تبادل أكبر للمعلومات حول تصدير المواد الإسلامية التي تشجيع التطرف من قبل السعوديين وغيرهم، وكذلك تطوير مناهج دبلوماسية مشتركة لمكافحته. وقد بدأ مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيون أيضا عملية إشراك السعوديين بشكل مباشر في هذه القضية من خلال مطالبتهم بالتحرك ضد مجموعة من الدعاة المتشددين خارج الشرق الأوسط الذين يُعتقد أنهم يعملون إلى حد ما تحت الدعم السعودي.

كان الفشل في إعطاء الأولوية للحرب الأيديولوجية كعب أخيل دائم لاستراتيجية الولايات المتحدة. لذا يجب أن يكون الحديث حول إنهاء تصدير التطرف نقطة جوهرية ليس فقط في التبادلات المتقطعة لمكافحة الإرهاب بين المسؤولين من المستوى المتوسط​​، ولكن لكل تفاعل دبلوماسي أمريكي مع السعوديين، بدءا من الرئيس وحكومته. ولعل علامة الجدية الأفضل هي أن يضع “ترامب” نوايا “محمد بن سلمان” على المحك من خلال إنشاء مجموعة عمل أمريكية سعودية رفيعة المستوى لتطبيق التزام ولي العهد المعلن بالاعتدال.

وتتطلب الجدية في وقف تصدير التطرف يعني جعله أولوية استخباراتية أيضا. ومن اللافت للنظر أن مجتمع الاستخبارات الأمريكي الواسع لا يمتلك قوائم شاملة لجميع المساجد والمدارس والمدارس والجامعات والمراكز المجتمعية التي تعمل بدعم من السعودية وكذلك الدعاة المتطرفين في جميع أنحاء العالم الذين لا يزالون يتلقون الرواتب السعودية. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الفجوة نفسها في المعرفة تمتد بالتأكيد إلى التبشير المرتبط بالسعودية داخل الولايات المتحدة أيضا. وبعد ما يقرب من ثمانية عشر عاما من قيام 15 من مواطني المملكة بالتورط في قتل ما يقرب من 3000 شخص على الأراضي الأمريكية، فإن الافتقار إلى هذا النوع من البيانات التي يمكن أن يستخدمها الدبلوماسيون الأمريكيون لمواجهة السعوديين، ومحاسبتهم، وقياس التقدم المحرز بمرور الوقت، هو خطأ لا يغتفر وينبغي معالجته في أقرب وقت ممكن.

*المقال المنشور يعبر عن رأي كاتبه

المصدر | جون حنا – فورين بوليسي
You might also like