كل ما يجري من حولك

دمر العدوان أغلب مزارعها فأصبحت فاكهة للأثرياء فقط… عظـــــام بــلا مانجــــو

دمر العدوان أغلب مزارعها فأصبحت فاكهة للأثرياء فقط… عظـــــام بــلا مانجــــو

770

متابعات:

يكاد ينتهي موسم المانجو هذه السنة، وأغلب المواطنين اليمنيين لم يستطيعوا شراءه كما اعتادوا سنوياً 
في موسم هذه الفاكهة المحبوبة والرخيصة نسبياً، فأسواق العاصمة مثلاً ليس فيها سوى كمية محدودة من هذه الفاكهة، 
وبأسعار لا طاقة للمواطنين بها، أقل أصنافها بـ600 ريال للكيلوجرام الواحد، بينما أجود أصنافها يصل إلى 1500 ريال للكيلوجرام الواحد. فما الذي سبب غيابها وحرمان المواطنين منها وعرض القليل الموجود منها بأسعار مرتفعة؟

الجميع ضحايا

في الأعوام الماضية خلال فترة العدوان كان مزارعو المانجو ومزارعهم ضمن ضحايا الحرب في القطاع الزراعي. تم قصف العديد من مزارعهم وتضرروا من الحصار وظروف الحرب، ويعاني أصحاب ما تبقى من مزارع شحة الديزل لمولدات ري مزارعهم، وأسعار الأسمدة المرتفعة، والحصار المفروض على تصدير منتجاتهم للأسواق الخارجية، وكثيراً ما باعوها في الأسواق المحلية بخسارة، لكن هذه الأوضاع السيئة والسلبية على المزارعين والخسارة على الاقتصاد الزراعي المحلي الذي يساهم بنحو 13.7% من إجمالي الناتج المحلي و16.5% من الدخل القومي للجمهورية اليمنية حسب آخر إحصائية قبل العدوان، كانت لها فائدة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، حيث انعكست صعوبة التصدير ظاهرياً بشكل إيجابي عند المواطنين فكانوا يشترون من السوق المحلية، في ظل وفرة وفائض من هذه الفاكهة نتيجة تعذر تصديرها، بأسعار منخفضة، حيث بلغ سعر بعض أصنافها 100 ريال للكيلوجرام الواحد.

أما موسم هذا العام فلم تُبقِ الظروف التي خنق بها العدوان اليمن أي مستفيد لا ظاهرياً ولا نسبياً سواء عند المزارعين أو المستهلكين، بعد أن انضم هؤلاء الأخيرون من محبي فاكهة المانجو إلى قائمة الضحايا وحذف أغلبيتهم المانجو من قائمة الشراء المتواضعة لديهم، بعد أن أصبحت أسعارها بمستوى أسعار اللحوم، نتيجة شحتها في الأسواق.

استهداف آخر حصون الدفاع أمام المجاعة 

تحدثت “لا” مع عدد من أصحاب محلات الفواكه والخضار في العاصمة للسؤال عن السبب، وأخبرونا أنهم يشترون المانجو بسعر مرتفع من تجار الفواكه ومن تبقى من المزارعين الذين يبيعونه، وأن الكميات في السوق تأتي من محافظتي حجة والحديدة وهي قليلة ولا يوجد وفرة في العرض تؤدي للتنافس في الأسعار، فكان سعر المانجو مرتفعاً هذه السنة وعجز أكثر المواطنين عن شرائها. وقال أصحاب هذه المحلات إن هذا الحال انعكس عليهم كآخر حلقات البيع، فهم فقدوا عائدات هذه السلعة الموسمية.

ويوضح علي السياغي، مالك محل فواكه وخضار بالعاصمة، أن أسعار المانجو في الأسواق الرئيسية (الجملة) للخضار والفواكه في العاصمة مرتفعة، وأنهُم مثلاً يشترون مانجو “التيمور” السلة (20 كيلوجراماً) بأكثر من 30 ألف ريال، والسلة نوع “سوداني” بما يقارب الـ14 ألف ريال. وهو ما يعني ارتفاع سعر الكيلوجرام الواحد، وهذا لا يرضي الزبائن ولا يناسبهم حالياً، فيعزفون عن الشراء خاصة أصحاب الأسر الكبيرة التي لا يكفيها أقل من 2 أو 3 كيلوجرامات، حيث أن ذلك قد يكلفهم أكثر من أربعة آلاف ريال للمانجو الممتاز وما يقارب الألفين للمانجو الأقل جودة، وهذه أسعار عالية لأغلب المواطنين، وقد تبقى “السلة” في المحل لثلاثة أيام، بينما لو كان سعره أرخص لباعوا ثلاث سلال وأكثر في اليوم. 

لمعرفة جذور مشكلة شحة المانجو هذا الموسم اتجهت “لا” إلى الحديدة في استطلاع أوسع عن المحافظة التي طالتها ألسنة الحرب، للتحقق من حالها المعيشي والاقتصادي والزراعي، كونها تمثل سلة اليمن الغذائية وبوابة عبور 70 % من الواردات للجمهورية وعروس البحر الأحمر السياحية، وباعتبار الحديدة ثاني مصدر لزراعة وتصدير وتزويد الأسواق المحلية بالمانجو والحبوب والبقوليات وغيرها من المنتجات. وتبين أن تصعيد العدوان الأخير هناك كان أحد الأسباب الرئيسية وراء خلو السوق اليمنية هذا الموسم من “ملكة الفواكه”، كما تُسمى المانجو، بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، فمحصول المانجو قد تقلص هذه السنة لأن مناطق زراعتها الممتدة بين محافظتي حجة والحديدة خسرت جزءاً كبيراً من إنتاج مناطق السهل التهامي الذي يشتهر بإنتاج أجود أنواع المانجو في اليمن والعالم العربي، مثل “التيمور”، “الزبدة”، “الهندي”، “السوداني”، “قلب الثور”، “الموزي”… فالمناطق التي تنتشر فيها مزارع المانجو مثل بيت الفقيه، الجراحي، الجاح، الدريهمي، التحيتا، اللحية، الزيدية، الحسينية، زبيد، حيس، السخنة، والمراوعة،  قد تضررت بقصف الطيران المباشر للمزارع، ولأنها كانت مسرحاً للمعارك مع مرتزقة العدوان في التصعيد الأخير، ضمن التحرك المعادي الذي يستهدف اليمن برمته ويدمر القطاع الزراعي اليمني بشكل ممنهج بهدف تجويع اليمنيين، الذي تقف الزراعة المحلية كآخر خطوط الدفاع أمامه، ولعل استهداف العدوان المباشر لعشرات المزارع بالغارات وقصف مبنى هيئة تطوير تهامة المختص بتطوير الموارد الطبيعية والبشرية في منطقة السهل التهامي وإنشاء السدود والحواجز المائية وتحسين الزراعة وتوسيعها وتطوير وسائله، خير دليل على سياسة التجويع التي ينتهجها العدوان بحق اليمنيين.

تلوث الهواء بسموم العدوان 

أما المناطق التي لم يصلها التصعيد العسكري، كالمزارع التي في باجل ومديرية الضحي والكدن وجزء من المراوعة، فقد خسرت محصول هذه السنة، بسبب الظروف المناخية وقلة العناية بأشجار المانجو، فقد أخبرنا أصحاب المزارع في منطقة باجل أن أغلب مزارعهم تساقطت فيها أزهار الثمار هذه السنة بشكل غريب بسبب الرياح الشديدة والأتربة، حيث تعذر حمايتها بإقامة مصدات الرياح، سواء بجهود المزارعين أو جهود حكومية، بسبب العدوان، وكذلك بسبب قلة الماء، كون زهرة المانجو حساسة جداً وتحتاج لاهتمام وري يومي خاصة في المناطق الحارة، وكذلك تحتاج إلى مناطق زراعية مناسبة ذات تهوية صحية من أجل حصول الأشجار على دورات هوائية نقية، وليس كما هو الحال في مزارع الحديدة التي تأتي إليها الرياح الشديدة محملة بما لا يعلمونه من سموم صواريخ وأسلحة العدوان في ساحات المعارك القريبة منهم، بالإضافة إلى أنها تحتاج إلى تسميد وحماية من الرياح والرمال، فحرم أغلب المزارعين من محصول هذه السنة الذي سقطت زهرته بعد فترة قصيرة من ظهورها وبشكل غير متوقع.

المزيد من الضحايا

التحق بقائمة الخاسرين والمتضررين الكُثر من هذه المشكلة آلاف الأفراد والأسر في أرياف تهامة الذين كانوا يعملون في جني محصول المانجو وينتظرون هذا الموسم كفرصة لكسب لقمة العيش، فالأضرار التي أصابت المزارع وأوقفتها بسبب العدوان وسقوط زهرة المانجو بسبب الظروف البيئية وسموم صواريخ العدوان يعني غياب ثمرة المانجو وعدم وجود شيء لجنيه، فقد كان جني المانجو يستوعب الكثير من الأيدي العاملة، ولكن هذا الاستيعاب تقلص تدريجياً مع استمرار العدوان في قصف المزارع وتدميرها وإتلاف محاصيلها، ليصل إلى أدنى مستوياته حالياً، وكان إنتاج اليمن من المانجو في ظروف ما قبل العدوان يقدر بـ200 ألف طن سنوياً، منها 30 ألف طن تصدر إلى الخارج، فكانت هذه الكميات الكبيرة تغذي الأسواق المحلية وترفد الاقتصاد وتشغل آلاف اليمنيين. 

وحسب معلومات الهيئة العامة للتنمية الزراعية والريفية فإن عدد أشجار المانجو في اليمن يقدر بمليونين و17 ألف شجرة، نصفها في محافظتي حجة والحديدة، وتحتل محافظة حجة المرتبة الأولى في زراعة وإنتاج المانجو بنسبة 47% للمساحة و44% للإنتاجية، تليها محافظة الحديدة بمساحة 24% وإنتاجية 45%، إلا أن الحرب كبدت قطاع الزراعة في اليمن والحديدة خسارة فادحة بلغت أكثر من 15 مليار دولار في إطار العدوان الممنهج على قطاع الزراعة والذي تتضح أبعاد مؤامرته وتُلمس أضرارها عند اليمنيين بشكل واضح فترةً بعد أخرى، وما تدهور محاصيل فاكهة المانجو إلا غيض من فيض.

(غازي المفلحي/ لا ميديا)

You might also like