كل ما يجري من حولك

لا صوت يعلو فوق صوت الأباتشي!

409

 

د. أحمد الصعدي

لم يخطئ السفيرُ السعوديُّ لدى اليمن بدرجة ((مندوب سامي)) في محافظة المهرة اليمنية، محمد آل جابر، عندما كان على رأس مستقبِلِي ((الرئيس الشرعي)) للجمهورية اليمنيّة عبدربه منصور في زيارته الداخلية الخاطِفة إلى هذه المحافظة، ذلك أن الأمر لا يرتبطُ بهذا الرجل الغامض القادم إلى الدبلوماسية من دهاليز المخابرات، بل بـ((رئيس)) وَ((محافظ)) يتفانيان في خدمة الاحتلَال وَيؤثران رموزَه وممثليه على نفسَيهما وَلو كانت بهما خصاصة.

وقد وصل هذا التفاني والإخلاصُ ونُكرانُ الذات والحَـطُّ من شأنها بمحافظ المهرة إلى رَفْـــعِ صولجانه، مهدّداً وَمتوعداً وجاهات ومواطني محافظته بالضرب بيدٍ من حديد إذا لم ينهوا اعتصاماتهم وَيكفوا عن مطالبتهم السلمية بخروجِ قُـوَّات الاحتلَال السعوديّ -الإماراتي التي داهمت محافظتهم -وَهي تنعَمُ بالأمن والسكينة- بدون أي مبرر، وَسيطرت على مقاليد الأمور كلها ملغيةً أي وجود فعلي أَوْ رمزي للسيادة الوطنية، وقال المحافظ الحديدي ((سنضربُ بيد من حديد، وكما قلنا سابقاً ((الأباتشي)) في المطار، ولن نتراجعَ عن استخدامها في ردع المخالفين)). لكن -وَالحق يقالُ- لم يكن محافظُ المهرة هو مَن أبدع لُـغة ((الأباتشي في المطار))، فالحقوقُ الفكريةُ تعودُ لضابط إماراتي في مأرب، قالها في وقت سابق، بعد أن أطلقت عناصرُ إصلاحية اسم عبدالرب الشدادي على أحد المعسكرات وَهو ما دعا هذا الضابط الإماراتي للاجتماع بتلك العناصر وَإلزامها بإنزال اللوحة التي تحملُ اسمَ الشدادي ورفع لوحة أُخْــرَى كتب عليها ((معسكر شهداء الإمارات)) وهدّدهم بالقول: نحن قُـوَّة احتلَال ومن لا يعجبه ذلك الأباتشي في المطار.

إن لُغةَ الأباتشي التي تعني سحقَ كُـلّ من يعارض إرادة ورغبات المحتلِّ هي القاعدة الذهبية التي تحدّد سلوك قُـوَّات الاحتلَال نحو أتباعها.

وَنحن لا نسوِّقُ هذا الكلام للإشارة إلى التناقُض الصارخ بين شعارات العدوان والاحتلَال وبين نتائجه على الأرض، فهذا من شأن السذج أَوْ المنافقين، أما نحن فمقتنعون منذُ أول صاروخ أطلقه طيران العدوان في 26/ مارس/ 2015م أن لا السعوديّة ولا الإمارات مستعدةٌ للتضحية بجندي واحد من مواطنيها من أجل أية مصلحة تخُصُّ اليمن، وَأن الشرعيةَ من حيث هي شأنٌ يمنيٌّ لا يؤثر بمصالحهما، وجيوشها الجرّارة من المرتزقة لا تعادِلُ في نظر قادة الدولتين المعتديتين حياةَ مواطن واحد من مواطنيهما.

إنَّ ما استدعى هذا الموضوع إلى الذهن هو تعليقُ أحد رموز ((الشرعية)) المقيمين في الرياض على مبادَرة محمد علي الحوثي التي دعا فيها إلى إعلان هُدنة بحرية، والذي قال فيه -المعلق-: إن المهم هو تحرير ميناء الحديدة في الأيام القليلة القادمة، والذي سيدخل السعادة إلى قلوب اليمنيين.

لقد ذهب خيالُ هذا المرفَّهِ مع عائلته في الفنادق على حِساب دماء وشقاء اليمنيين إلى الحديثِ عن السعادة التي كما نعلمُ توجدُ لها وزارةٌ في دولة الإمارات هي ((وزارة السعادة))، وَيؤسفني القولُ إن أعضاءَ وكوادرَ حزبه كانوا هدفاً رئيساً للاحتلَال الإماراتي وأنهم كذلك لو تمكن من احتلَال الحديدة، وأن تجربةَ السجون السرية التي يقبَعُ فيها بعضُ أعضاء حزبه في عدن وَحضرموت بينت وَبشهادات موثوقة أن الإماراتيين لا يدخلون السعادةَ إلى قلوبِ مواطني أية بُقعة يمنية يحتلونها بل يدخلون أشياءَ أُخْــرَى في أماكنَ أُخْــرَى ليس من بينها قلوبُ المسجونين المحطَّمة.

أَلَا فلينعَمْ هذا المبشِّرُ الكئيبُ بالسعادة على الطريقة الإماراتية هو وَكل زبانيةُ العدوان بالحرية التي يتكرَّمُ بها عليهم الغزو وَالاحتلَال، حيث الأباتشي من فوقهم، وَالسجون السرية وجلاوزة التعذيب وكلابُ الاغتصاب من أمامهم وضُبَّاطُ جيش الإمارات من خلفهم.

وَفي وضعهم البائس هذا لن يفهموا لماذا وكيف يطربُ بُسطاءُ الشعب المقاوِمُ للعدوان وهم يردّدون مع المنشد عيسى الليث: ((أحرار من طين الكرامة نخلق – والعز في الحمض الوراثي لاصق)).

You might also like