دراسة أمريكية: صنعاء قوة تتجاوز جغرافيا اليمن وبإمكانها إعادة تشكيل المنطقة بعد إسناد غزة
متابعات..|
نشر موقع Foreign Affairs “فورين أفيرز” الأمريكي دراسة تحليلية مطوّلة، أعدّتها إبريل لونغلي آلي، الزميلة الأولى في معهد واشنطن والمستشارة السياسية السابقة للمبعوث الأممي إلى اليمن، على ما اعتبرته أخطرَ تهديد إقليمي يجري تجاهُلُه بعد حرب غزة، والمتمثل في اليمن، حَيثُ يتقاطع تصاعد قدرات أنصار الله مع احتمالات تفجّر حرب جديدة وصراع مفتوح داخل معسكر القوى الموالية للسعوديّة والإمارات.
وترى الدراسة أن وقفَ إطلاق النار في غزة خلالَ أُكتوبر الماضي خلق انطباعًا مضلِّلًا بالتهدئة، سواء في البحر الأحمر أَو داخل اليمن؛ فمع إعلان صنعاء وقفَ عملياتها ضد السفن المرتبطة بكيان الاحتلال، وتراجع الهجمات المباشرة على القطع البحرية الأمريكية، اعتقدت واشنطن أن المِلفَّ اليمني دخل مرحلة ركود يمكن إدارتها بالعقوبات والاحتواء المحدود، غير أن هذا “الهدوء”، بحسب الكاتبة، لم يلبث أن تلاشى سريعًا.
ففي مطلع ديسمبر، شهد جنوب وشرق اليمن تحوّلًا دراماتيكيًّا مع إطلاق المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًّا، حملة واسعة للسيطرة على مناطق استراتيجية في حضرموت والمهرة، وهما منطقتان غنيتان بالطاقة ومتصلتان مباشرة بالحدود السعوديّة والعُمانية.
ويعتبر “فورين أفيرز” أن هذا التحَرّك شكّل انقلابا فعليًّا في موازين القوى، وأعاد تفجير التناقضات الكامنة داخل “الحكومة المعترف بها دوليًا”، حَيثُ تصطدم الأجندة الانفصالية المدعومة من أبوظبي بالمصالح الأمنية والسياسية للرياض.
وترى الدراسة أن هذا المشهد يوفّر ذريعة مثالية لأنصار الله لتوسيع تحَرّكاتهم شرقًا، خُصُوصًا باتّجاه المناطق النفطية، في ظل خطاب معلَن عن “استكمال السيطرة على كامل اليمن”.
وتشير إلى أن قوات صنعاء استثمرت سنوات الهُدنة الهشة في تطوير قدراتها العسكرية، عبر التصنيع المحلي، حتى باتت قادرة على تجهيز صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة متطورة.
ويلفت “فورين أفيرز” إلى أن إسناد غزة مثّلَ نقطة تحوّل نوعية في خِبرة أنصار الله العملياتية؛ فبينما فشلت صواريخُهم في المراحل الأولى من الحرب في الوصول إلى عمق الأراضي المحتلّة، أصبحت –بحلول منتصف 2025 وفق الدراسة– قادرة على ضرب أهداف استراتيجية، من بينها مطار اللُّد المسمى احتلاليًّا “بن غوريون”، إضافة إلى اختراق الدفاعات الجوية في أم الرشراش.
وتعتبر الكاتبة أن هذه التطورات لم تكن مُجَـرّد قفزة تقنية، بل نتيجة تجربة قتالية حقيقية، سمحت باختبار أسلحة جديدة وتحسين دقة الاستهداف.
وتحذّر من أن الضغطَ المالي وحدَه قد يأتي بنتائجَ عكسية، وسيدفع أنصار الله إلى تعويض خسائرهم عبر السيطرة على موارد إضافية، وفي مقدمتها مأرب الغنية بالنفط، أَو عبر إرغام السعوديّة على دفع أموال اليمن المنهوبة في بنوكها ودفع تعويضات عن عدوانها.
وتشير الدراسة إلى أن تهديدات صنعاء العلنية للرياض، وإعادة نشر مقاطع هجمات سابقة على منشآت أرامكو، تعكس استعدادًا واضحًا لاستخدام القوة مجدّدًا.
وترجّح الكاتبة أن تركيز السعوديّة على أولوياتها الداخلية، وتراجع ثقتها بالمظلة الأمنية الأمريكية، قد يدفعها إلى تقديم تنازلات بدلًا عن الانخراط في مواجهة جديدة؛ ما يمنح أنصار الله مكاسب إضافية على حساب خصومهم من أتباع التحالف السعودي الإماراتي في اليمن.
كما تحذّر من أن أي تصعيد داخلي بين الفصائل الموالية للسعوديّة والإمارات قد يخلق فراغًا استراتيجيًّا تستفيد منه صنعاء، عسكريًّا أَو سياسيًّا.
وتخلص الدراسة إلى أن الرهانَ الأمريكي على احتواء أنصار الله من بعيد، أَو على قيام كيان الاحتلال بدور الردع بدلًا عنها، رهان محفوف بالمخاطر.
فقوات صنعاء، بحسب “فورين أفيرز”، متمركزة في جغرافيا جبلية عصيّة على الحسم العسكري، وأية ضربات إسرائيلية إضافية قد تعزز شعبيتها داخليًّا بدلًا عن إضعافها.
وفي ظل غياب استراتيجية أمريكية طويلة الأمد، تحذّر الكاتبة من أن اليمن قد يتحول إلى مركز ثقل جديد يعيد رسم موازين القوى الإقليمية في مرحلة ما بعد غزة، بطريقة تفاجئ واشنطن وحلفاءها.