كل ما يجري من حولك

تقرير أمريكي: انقلاب هادئ في باكستان وصياغة “نموذج منير” للحكم العسكري

292

متابعات..|

نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية تقريرًا مطوّلًا رصدت فيه التحوّل العميق الذي تشهده باكستان خلال العامين الأخيرين، حَيثُ انتقلت السلطة الفعلية من الحكومة المدنية المنتخبة إلى المؤسّسة العسكرية، دون انقلاب معلن أَو تعطيل للدستور.

وأشَارَت المجلة إلى بروز قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، بوصفه الشخصية الأكثر نفوذًا في السياسة الداخلية والخارجية، في إجراءات تُشكّل ما وصفته بـ “نموذج منير” للحكم الهجين بين المدني والعسكري.

رمزية الاعتراف الأمريكي

توقفت المجلة عند واقعةٍ أعلن فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته لإنهاء الحرب في غزة، وذكر خلالها رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف وقائد الجيش عاصم منير معًا بوصفهما داعمَين للمقترح.

ورأت المجلة أن هذا الاقتران بين المسؤول المدني والعسكري عكسَ إدراك واشنطن للسلطة الحقيقية داخل باكستان، حَيثُ يتمتع منير بنفوذ يتجاوز صلاحيات الحكومة المدنية.

تحوّل تدريجي نحو هيمنة الجيش

ذكرت فورين أفيرز أن باكستان، التي تناوبت بين الحكمين المدني والعسكري منذ تأسيسها عام 1947، شهدت آخر انقلاب مباشر في 1999 بقيادة برويز مشرف.

وبعد عودة الحكم المدني عام 2008، تمتعت الحكومات المتعاقبة بهوامش من الاستقلال.

لكن في السنوات الأخيرة، تآكل هذا الهامش تدريجيًّا حتى أصبح الجيش هو صاحب القرار، فيما تحول المدنيون إلى واجهة شكلية للنظام السياسي.

وأضافت المجلة أن هذا التحول أصبح مؤسّسيًّا بعد تعديل دستوري أقرّه البرلمان في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، منح منير رئاسة جميع فروع القوات المسلحة وحصانة قانونية مدى الحياة، إضافة إلى إمْكَانية تجديد ولايته لخمسة أعوام إضافية، ما يجعله أقوى قائد عسكري في تاريخ البلاد الحديث.

“نموذج منير”: دولة تُعاد هيكلتها

في إطار هذا النموذج الجديد، لم يعد الجيش يكتفي بإدارة ملفات الأمن والدفاع، بل أصبح لاعبًا مباشرًا في الاقتصاد، والاستثمار، والدبلوماسية، والعلاقات الخارجية.

فقد تمكّنت باكستان بقيادة منير من الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، وإحياء علاقاتها مع الولايات المتحدة، وفتح قنوات تعاون مع السعوديّة والإمارات والصين، إلى جانب تأسيس مجلس لتسهيل الاستثمار تديره المؤسّسة العسكرية بشكل مباشر.

ويرى أنصار هذا النهج أن الحكم المركزي المرتكز على الجيش أعاد قدرًا من الانسجام لبلد يعاني أزمات سياسية مزمنة، إلا أن تولي الجيش السلطة علنًا يعني أَيْـضًا أنه بات مسؤولًا عن الإخفاقات كما النجاحات.

انهيار الهيكل المدني وصعود السلطة العسكرية

يعود جزء كبير من التحوّل الراهن إلى سقوط حكومة عمران خان عام 2022 وسط اتّهامات بدور الجيش في إقصائه.

ومنذ ذلك الحين، باتت الحكومات المدنية تعتمد على دعم المؤسّسة العسكرية في إدارة ملفات الاقتصاد والأمن والسياسة الخارجية.

وقد أكّـد هذا الواقعَ انتخاباتُ شباط/ فبراير 2024، التي أُبعد فيها حزب خان فعليًّا عن الساحة، رغم فوز مرشحيه المستقلين بأغلبية المقاعد.

وترى المجلة أن الجيش أعاد تشكيل المشهد السياسي بما يضمن بقاء السلطة الفعلية في يده، مستفيدًا من ضعف المدنيين وغياب القدرة على إدارة صراعهم مع حزب خان.

الحرب القصيرة مع الهند: اللحظة المفصلية

شكّل القتال القصير بين الهند وباكستان في أيار/ مايو 2025 نقطة التحول التي كرّست سلطة الجيش.

فبحسب فورين أفيرز، تواصلت الولايات المتحدة مباشرة مع منير وليس مع الحكومة المدنية لتنسيق وقف إطلاق النار، ما عزز موقعه كصاحب القرار النهائي في قضايا الحرب والسلام.

وبعد أسابيع من انتهاء القتال، استقبل ترامب منير في البيت الأبيض دون أي حضور مدني، في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين.

دبلوماسية اقتصادية بقيادة الجنرال

شهدت الفترة اللاحقة توسعًا في الدور الاقتصادي والدبلوماسي للجيش.

فقد أعلنت باكستان إطارا جديدًا للتعرفة الجمركية مع الولايات المتحدة، وبدأت مفاوضات حول مشاريع تتعلق بالطاقة والمعادن النادرة والعملات الرقمية، فيما أشرف الجيش على صفقات استثمارية كبيرة.

وعاد منير في أيلول/ سبتمبر إلى واشنطن برفقة شريف، وظهر في واجهة الاجتماعات والصور الرسمية، في مشهد يعكس انتقال مركز الثقل السياسي من الحكومة إلى الجيش.

الجيش في الواجهة: القوة الظاهرة

ترى المجلة أن ما يحدث ليس انقلابا تقليديًّا، بل اندماج كامل للجيش في أجهزة الدولة، بحيث يدير النظام من الداخل دون الحاجة لإلغاء المؤسّسات الديمقراطية أَو تعطيل الدستور.

لكن هذا يعني أَيْـضًا أن الجيش بات مكشوفًا للمساءلة الشعبيّة والدولية، ولم يعد قادرًا على إلقاء اللوم على الحكومات المدنية عند الأزمات.

كما أن تهميش الوزارات المدنية وإحالة ملفات الاستثمار والاقتصاد إلى المؤسّسة العسكرية يجعل النظام السياسي أكثر هشاشة على المدى البعيد، رغم ما يوفره من سرعة وكفاءة في اتِّخاذ القرار.

ختام: مسرح مكشوف ودور معلَن

يخلص تقرير فورين أفيرز إلى أن باكستان تعيش انقلابا هادئًا غير معلن، تُدار فيه البلاد عبر نموذج هجين يمنح الجيش السلطة الفعلية، ويترك للمدنيين دورًا تمثيليًّا.

ويرى التقرير أن “نموذج منير” ليس سوى إعادة صياغة لواقع قديم، لكن هذه المرة دون قناع أَو ستار، إذ أصبح المسرح مكشوفًا بالكامل، والجنرالات في موقع القيادة العلنية للدولة.

المصدر: مجلة فورين أفيرز

You might also like