السعودية توضح: المناورات في البحر الأحمر ليست تحالف
متابعات..|
يرى خبراء أن الطريق نحو تحالف بحري عربي فعلي ما زال طويلاً وشائكاً، ويعتمد على مدى توافر الإرادة السياسية والقدرة المؤسسية لتحويل هذه التمارين إلى منظومة أمن إقليمي مستدامة.
وتُختتم اليوم الخميس، مناورات “الموج الأحمر 8″، التي انطلقت الأحد الماضي في قاعدة الملك فيصل البحرية بالأسطول الغربي في مدينة جدة السعودية، بمشاركة قوات بحرية من مصر والسعودية والأردن والسودان واليمن وجيبوتي، إلى جانب مراقبين من باكستان وموريتانيا.
وبحسب بيان المتحدث العسكري المصري، هدف التدريب إلى توحيد مفاهيم العمل المشترك، وصقل المهارات، ومجابهة التهديدات البحرية غير النمطية، في إطار خطة القوات المسلحة المصرية للتدريبات المشتركة مع الدول الشقيقة والصديقة.
مناورات البحر الأحمر
وفي حين بدا التدريب من حيث الشكل استمراراً لسلسلة المناورات التي انطلقت عام 2019، فإن النسخة الحالية حظيت بزخم سياسي وأمني استثنائي، لكونها أتت بعد توقيع اتفاق التعاون البحري بين مصر والسعودية في سبتمبر/أيلول الماضي، الذي يهدف إلى تنسيق الجهود في تأمين البحر الأحمر، إضافة إلى زيارة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق أحمد خليفة إلى الرياض الشهر الماضي، وما تخللها من اجتماعات للجنة التعاون العسكري المشتركة.
ووفقاً للبيان الصادر عن وزارة الدفاع السعودية، تشارك في المناورات وحدات من القوات البرية والجوية وحرس الحدود إلى جانب القوات البحرية، بما يعكس اتساع نطاقها العملياتي.
وأوضح قائد الأسطول الغربي اللواء البحري الركن منصور بن سعود الجعيد، أن التمرين يهدف إلى “تعزيز التعاون الدفاعي والتكامل الأمني بين الدول المشاركة، وتوحيد الجهود لحماية الممرات البحرية الإستراتيجية وضمان أمن الطاقة والتجارة الدولية”.
أما مدير التمرين العميد البحري الركن عبدالله بن العنزي، فأشار إلى أن “الموج الأحمر 8” تمثل تطوراً نوعياً في أساليب التخطيط والتنفيذ العملياتي، موضحاً أن التمرين يشمل عمليات بحرية وجوية وحروباً إلكترونية، إضافة إلى رمايات حية وتدريبات ميدانية على القتال في المناطق المبنية ومكافحة الإرهاب وتحرير الرهائن.
من وجهة نظر مراقبين، هذه المناورات، تمثل أحد أبرز تجليات التنسيق المصري السعودي في السنوات الأخيرة، وتعبّر عن إدراك مشترك بأن أمن البحر الأحمر لم يعد شأناً محلياً، بل قضية إقليمية ودولية ترتبط بتوازنات الطاقة وحركة التجارة العالمية.
يرى خبراء أن الطريق نحو تحالف بحري عربي فعلي ما زال طويلاً وشائكاً، ويعتمد على مدى توافر الإرادة السياسية والقدرة المؤسسية لتحويل هذه التمارين إلى منظومة أمن إقليمي مستدامة.
في السياق، قال معصوم مرزوق، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، إن هذه المناورات ليست جديدة في حد ذاتها، لكنها “تكتسب أهميتها من الظرف الإقليمي الحالي، حيث تتعدد التهديدات في البحر الأحمر، من الهجمات الحوثية إلى تنافس القوى الدولية والإقليمية”.
وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد”: “سبق إجراء مناورات مماثلة، ولا يزال تشكيل تنظيم إقليمي للدول المطلة على البحر الأحمر يتطلب وضع إطار قانوني واضح يحدد نطاق العضوية والأهداف وقواعد الإدارة.
إذا أُنجز هذا الإطار سريعاً، سيسمح بإحكام السيطرة على شواطئ البحر الأحمر، الذي يعد بحق بحيرة عربية”. وطرحت رؤية مرزوق أحد الجوانب الجوهرية في هذا النقاش، إذ لا تزال فكرة تأسيس كيان مؤسسي دائم للدول المطلة على البحر الأحمر تراوح مكانها، رغم الدعوات المتكررة لذلك منذ أكثر من عقد، ما يثير تساؤلات حول مدى الجدية السياسية والاستعداد المؤسسي للدول المعنية لتحويل المناورات إلى شراكة استراتيجية.
من جانبه، وصف حسين هريدي، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، المناورات بأنها “تطور لافت في سياق تأمين البحر الأحمر الذي يُعد بحراً عربياً بامتياز”، لكنه شدّد على أن استدامة هذا التعاون لا تزال رهن الوقت والتجربة.
وأوضح في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كان هذا التوجه يمتلك إرادة سياسية مشتركة كافية لاستمراريته، فالأمر لا يتوقف عند المناورات فقط، بل يتطلب رؤية طويلة الأمد.
كما ينبغي أن نحدد بدقة ما هي التهديدات التي يسعى هذا التحالف لمواجهتها، لأن وضوح الأهداف هو ما يمنحه فعاليته”.
وأشار هريدي إلى أن التنسيق الإثيوبي – الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي، سيشكل إحدى العقبات المستقبلية أمام أي منظومة أمن إقليمي عربية في البحر الأحمر، معتبراً أن هذا العامل “سيعقّد مهام التحالف الناشئ ويزيد من تحدياته الجيوسياسية”، في ظل ما تقوم به أديس أبابا من محاولات لبناء نفوذ بحري مباشر عبر الاعتراف بـ”أرض الصومال” والانفتاح على الشواطئ الإريترية.
تحول تكتيكي لدى مصر والسعودية
أما الباحث عمار فايد، فرأى أن المناورات “تعبّر عن تحول تكتيكي في التفكير الأمني المصري السعودي، لكنها لا تمثل انفصالاً عن المظلة الأمنية الأميركية”. وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد”: “لا أعتقد أن أياً من البلدين، أو حتى الدول المشاركة، يعتبر هذه الترتيبات بديلة عن التحالف العسكري مع الولايات المتحدة، لكنها تأتي في إطار رغبة القاهرة والرياض في تطوير آليات مشتركة في البحر الأحمر، في وقت تتجه فيه واشنطن إلى التراجع عن بعض أدوارها الأمنية التقليدية تجاه حلفائها في المنطقة”.
لكنه شدّد على أن المسافة لا تزال بعيدة قبل أن تتحول هذه الترتيبات إلى منظومة أمن جماعي إقليمي، لأسباب عدة، أهمها أن “مصر والسعودية ما زالتا تراهنان على الدور الأميركي المركزي في تأمين الملاحة الدولية، من خلال القيادة المركزية الأميركية، بينما تفتقر معظم الدول المطلة على البحر الأحمر إلى قدرات بحرية كافية تؤهلها للقيام بدور مؤثر في منظومة كهذه، باستثناء القاهرة والرياض”.
في هذا الإطار، رأى محللون أن القاهرة والرياض تعملان على تأمين مصالحهما الاستراتيجية، من دون الاصطفاف العلني خلف التحالف الدولي “حارس الازدهار”، الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين، مفضلتين المسار العربي المشترك القائم على التنسيق والتفاهم الأمني الإقليمي.
ويبدو أن المناورات الحالية تسعى إلى تحقيق هذا التوازن الدقيق بين التعاون مع واشنطن من جهة، وإرساء مظلة عربية مستقلة من جهة أخرى.
واعتبر خبراء أنه يمكن لمناورات “الموج الأحمر 8” أن تمثل خطوة جديدة في مسار طويل لتأسيس تعاون عربي بحري أكثر فاعلية، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن قيود بنيوية تحول دون تحولها إلى تحالف إقليمي دائم، منها غياب الإطار القانوني، وتعدد التهديدات، وتباين المصالح، وغياب الثقة الكاملة بين القوى العربية.
المصدر: العربي الجيد