عودةٌ إلى نسف المربّعات: العدو يُدمي الشجاعيةَ
متابعات..| تقرير*
ساد اعتقاد لدى أهالي قطاع غزة، خلال الأيام العشرين الماضية، بوجود تغيير في أوامر إطلاق النار لدى جيش الاحتلال، أسهم في خفض استهداف المدنيين وتجنّب إيقاع المجازر الجماعية، والتي باتت النسق الاعتيادي لأشهر الحرب الـ15. وإذ حافظت حصيلة الشهداء اليومية على عدد مرتفع على رغم قيام الاحتلال بتحذير عدد من المنازل ومطالبة السكان بإخلائها قبل قصفها بقنابل الطائرات الحربية، أعادت صبيحة أمس، إلى الأذهان الصورة النمطية التي لم تُمحَ أساساً من ذاكرة الغزيين؛ إذ أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على مربع سكني مكوّن من عدد كبير من المنازل المتلاصقة في شارع بغداد في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ما أدّى إلى تدميرها على رؤوس سكانها.
وكان المشهد الذي رصدته «الأخبار» في اللحظات الأولى من الحدث صادماً، حيث خرج بعض الأحياء والمصابين من تحت الركام وقد كسا التراب والغبار أجسادهم، فيما كانت أجساد آخرين تتدلّى من بين الردم والأسياخ المعدنية ويصرخ أصحابها مطالبين بإنقاذهم. أما من بقوا أحياء تحت الركام، فعائلات بأكملها، سمع رجال الدفاع المدني والشباب المتطوّعون من أهل الحي أصوات أنين أفرادها وهم يعرّفون عن أسمائهم، وراقبوا طوال ساعات اختفاء أصوات الأنين واحداً تلو الآخر.
وقال أحد رجال الدفاع المدني، لـ»الأخبار»، «إننا عاجزون عن فعل أي شيء. نحتاج إلى معدات وآلات حفر وكهرباء لكي ننقذ أرواح 19 مفقوداً لا يزالون تحت الركام»، مضيفاً أن «هذا المشهد أصبح معتاداً. في كل جريمة كبرى مثل هذه، نقضي ساعات في محاولة إنقاذ طفلة أو امرأة واحدة، فيما يموت البقية واحداً تلو الآخر، لأننا نحفر بأيدينا من دون أي وسائل مساعدة».
الاحتلال برّر جريمة الشجاعية باستهداف كادر من «حماس» لم يكن في المكان
أما الجزء الآخر من المشهد، فكان وصول العشرات من جثامين الشهداء والمصابين إلى باحة مستشفى «الأهلي المعمداني»، والذي اكتظّ بأكثر من 150 شهيداً وجريحاً وصلوا على مدى ساعات على متن السيارات المدنية والعربات التي تجرّها الدواب. وهناك، دخل الطاقم الطبي في حالة من العجز، إذ نفد المخزون من بنك الدم تماماً، في حين لم تعد أدوية التخدير والمستهلكات الطبية متوافرة. ووفقاً لمصدر طبي تحدّثت معه «الأخبار»، فإن المجزرة الكبرى في الشجاعية تسبّبت في استشهاد أكثر من 36 مواطناً وإصابة 120 آخرين، فيما يجري البحث عن المفقودين تحت الركام.
وبرّرت الرواية الإسرائيلية الجريمة بمحاولة اغتيال فاشلة استهدفت قائد كتيبة الشجاعية في «كتائب القسام». وقالت «القناة الـ14» العبرية إن «الجيش نفّذ غارة عنيفة في حي الشجاعية بهدف القضاء على قائد كتيبة الشجاعية في حماس. الغارة تسبّبت بدمار كبير وأودت بحياة 36 فلسطينياً، لكن اتضح لاحقاً أن القائد المستهدف لم يكن موجوداً في المكان ولم يُقتل».
وعلى بعد بضع مئات الأمتار من مكان الجريمة، ارتكب جيش الاحتلال جريمة ثانية طاولت منزلاً مأهولاً لعائلة أبو غنيمة، قضى فيه 6 شهداء وأصيب آخرون. وكذلك، شنّت الطائرات المُسيّرة عدداً كبيراً من الغارات على خيام النازحين وألواح الطاقة الشمسية المنصوبة فوق المنازل، في الحي الذي يشهد منذ سبعة أيام عملية برية تستهدف المناطق الشرقية منه. وفي مدينة رفح جنوبي القطاع، تسارعت عمليات نسف المنازل وتدميرها، في وقت نقلت فيه صحيفة «هآرتس» عن مسؤول أمني قوله إن «الجيش لن يسمح لسكان رفح بالعودة إليها، وإن هناك منافسة بين الوحدات المقاتلة على من يقوم بتدمير مبان أكثر» هناك. وأضاف المسؤول أن «الجيش يسعى لاستنساخ تجربته في مخيم جباليا وشمال القطاع في المدينة الجنوبية التي تشكّل 25% من مساحة القطاع، وكانت تؤوي 200 ألف مواطن».