كل ما يجري من حولك

فاصدع بما تؤمَـر

527

 

محسن الشامي

إن القرآنَ بعالميته وحديثه عن إقرار الأنبياء وقطعهم على أنفسهم الالتزامَ تحت سقف التوجيه الإلهي والإقرار بعالمية نبوّة محمد -صلى الله عليه وعلى آله- ولقد أخذ الأنبياءُ الإقرارَ حتى من أتباعهم ليؤمنوا بهذا النبيِّ الخاتم كبيعة في الأعناق، وحينما يلتزمُ الأنبياء بهذا الإقرار الإلهي فبالأولى غيرُهم من الأَتْباع (أأَقرَرتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقرَرنَا}(آل عمران: 81)، وهذه في حَـدِّ ذاتها تكفي كشاهدٍ لمستوى الانحطاط في نفسية بني إسرائيل وتنكُّرِهم لمثل هكذا التزام ونفورهم وعتوِّهم وبُغضِهم لروح الرسالة.

كما هو واقعُ الأُمَّــة اليوم وللأسف، فقد انحرف تمامًا عن المسار الطبيعي للرسالة وتنكّر لكل مفردة داخل محيط القرآن وارتد أيما ارتدادٍ في كافة الجوانب، وما تبعثر الأهواء وتشتُّت عوامل القوة وتمزُّق الخارطة الجغرافية تحت سياط المستعمرين إلا لأَنها ضلت وذلّت وهانت وتاهت وتنكَّرت لأَعْلام الهداية من آل محمد فتغلَّب عليها أعداؤها.

إن واقعَ الإصْرِ الممتد لألف وأربعمِئة عام من الهزيمة والذلة والعجز والهوان هو نتاجُ النقض الصريحِ لميثاق بينهم وبين الله الذي ترجمَه الواقعُ المؤسفُ خذلانًا لحامل الرسالة ومضمونها.

نعم لقد بعث اللهُ نبيَّه مدعومًا بروحٍ منه ارتجفت منها صناديدُ قريش، فأيَّةُ شجاعة كان يمتلكُها هذا النبيُّ العظيمُ رغم التآمُر عليه أعرابًا ويهودًا ونصارى، لكنه داس بنعالِهِ هيبة َالباطل، وأصرَّ بكُلِّ عنفوان على التبليغ وإرساءِ معالم الدين، استنادًا إلى التوجيه الإلهي، ((فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ))(الحجر: 94).

ثم عمد هؤلاءِ إلى المكيدة والتآمُر {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}(الأنفال: 30) لكن ما لم يخطر ببال الجبابرة وقَعَ لا محالة، فُتحت مكّةُ ودخلت الجزيرةُ قاطبةً في دين الله، وأرسى أعظم نظام إسلامي سيظلُّ مرجعًا وحِرْزًا لكل من ينشُدُ الدولةَ المدَنيةَ العادلة.

You might also like