كل ما يجري من حولك

بين صنعاء ووارسو.. عبد الملك الحوثي والذين معه2

451

 

إبراهيم سنجاب

اليومَ يمُـــرُّ أكثرُ من شهر ونصف شهر على توقيع اتّفاقية ستوكهولم التي تتعلّقُ بالأسرى وإعادة تشغيل ميناء الحديدة، وما زال تنفيذُ ما ورد بها يبدو لغزاً رغم أنه لم يقترب بعدُ من عمق الأزمة اليمنية. وفى مارس القادم يكونُ قد مر على بدء العدوان على اليمن 4 سنوات أضف إليها 4 سنوات سابقة منذ ثورة فبراير 2011 أي أن اليمنَ بخريطته المعروفة قد أصبح دولةً بلا ثورة وثورةً بلا دولة منذ 8 سنوات.

وللتوثيق فقط فإن 14 مارس 2018 هو اليوم الذي تصدرت فيه الأحداث صورةً لوزير خارجية اليمن (الشرعي) خالد اليماني على يمين وزير خارجية أمريكا على يسار رئيس وزراء إسرائيل، وبحضور وترتيب وزير خارجية السعوديّة عادل الجبير وأشقائه من دول مجلس التعاون الخليجي في مؤتمر وارسو الحائر في تسميته ما بين حصار إيران وتحقيق السلام والأمن للشرق الأوسط.

حملت الأنباءُ أن (المايكَ) الذي يتحدّثُ من خلاله نتنياهو قد تعطّل فتكرّم وزيرُ خارجية اليمن خالد اليماني بإعطائه المايكَ الخاصَّ به وأن رئيسَ وزراء إسرائيل عقّب على هذا التصرُّف فقال: هذه بداية التعاون بين اليمن وإسرائيل خطوةً بخطوة. بينما علّق مساعدُ وزير الخارجية الأمريكي جيسون جرينبلات بالقول: لحظةٌ تشرحُ القلبَ من المذهل أن تكون جالساً على بعد مسافة قصيرة من وزراء خارجية اليمن والسعوديّة وقطر وعمان والبحرين والامارات ونتانياهو.. مضيفا – آخرون هنا هنا أيضاً أجروا حديثاً صريحاً حول التحديات الإقليمية العديدة.

 

ماذا تريدني أن أفهم؟

في مؤتمراتٍ كهذه هناك رسائلُ يتم توقيعُها دون تصريحات دبلوماسية ربما تكون على هيئة صورة أو سلام أو عناق أو نظرة إلى الكاميرا أثناء إلقاء أحد المتحدِّثين لكلمته ربما ساخطة وربما حميمة أحياناً تكونُ ازدراءً واحتقاراً أو توقيراً وإجلالاً الغايةُ أن المشاهدَ أو المتابع يفهم منها موقفاً أو حتى لا موقف. لديَّ مئاتُ الأمثلة وأعتقد أن مَن يقرأ هذه السطور يستطيع أن يجدَ مئات وربما آلافَ الأمثلة على ما أقول ولكن!

 

ما الذي فهمته؟

أنا ممَّن يعتقدون في نظرية المؤامرة التي تنكرُها نخبتُنا العرب استكباراً واستعلاءً؛ باعتبارهم أولياءَ الفك والفهم، المترفعين على أمثالنا الزاهدين في إعلامهم وبرامجهم، مهما امتلكوا من ساعات بَثّ مغرية وحضور فضائي تخر له جباه كهنة المعابد، ومغريات مالية تضع ضميرك تحت نعل حذائك.

مبدئياً فإن خالد اليماني (الشرعي) ليس هو الشخص الذي يستحقُّ في وصف تصرفاته وتصريحاته ووصف هيئته ومظهره مئات الكلمات بل ربما العشرات لا هو ولا رئيسه (الشرعي) فالرجلان معاً لم يقولا طوالَ سنوات عمريهما السياسيّة أو التنفيذية ما يلتفتُ إليه، ليس تقليلاً من قيمتيهما كبشر ولكن إحقاقاً للحق فقط فإن كليهما معاً أو كلاً على حدة لا يمكن إلا أن يكونا (لا شيء). لم يقدما شيئاً لليمن وغيابُ أحدِهما أو حضورُه لا يعبِّرُ إلا عن لسان به عقدة طلب النبي موسى من ربه أن يحلها، كلاهما ابن صدفة تأريخية ساقطة نادراً ما تتكرّر في حياة الشعوب.

 

ما الذي فهمته؟

ربما يكونُ قد تم الترتيبُ له جيّداً – ولا يمكن أن تكونَ مصادفةً – ولكن تعطّل مايك نتنياهو ومبادرة اليماني (الشرعي) بإعطائه المايك الخاص به بالنسبة لي يشيرُ إلى أن شرعيةَ الفنادق وبحضور توقيع عربي خليجي جعل السعوديّ والإماراتي والعماني والبحريني يجالسون القطري في تأدُّب في وارسو، وهم ممنوعون من ذلك في عواصمهم. أقول إن الذي فهمته هو أن إسرائيلَ ستتولى قيادةَ تحالف الشرعية المزيفة سياسيًّا وإعلامياً وربما عسكريًّا علناً وليس سرًّا كما جرى منذ بدء الحرب، بديلاً عن التحالف الذي قيل إنه عربي وهذا أمرٌ لو تعلمون خطير.

هذا ما فهمته ويمكن لكل مَن يقرأ هذه السطور أن يفهمَها كما يريد وفي الأيام والأسابيع القليلة القادمة سنتابعُ معاً علاقة (شرعية الفنادق بإسرائيل) وما كان سراً ربما نراه ونسمعُه علناً ولا مجالَ أمامنا لا أنا ولا أنت لكي نغمضَ عيونَنا أو نصُمَّ آذاننا، أما الكلامُ فقليلٌ منا سيصمُتُ مضطرًّا أو تأملاً ودراسةً، والكثيرون بإمكانهم الكلام حتى لو كان سيطحن رملاً.

 

لماذا إسرائيل الآن؟

قبل كُـلّ شيء وبعده يأتي الصمودُ اليمني المذهل وغير المتوقع على مدى السنوات الأربع الماضية ثم فوبيا إيران ودعمها للحوثي ومؤامرة صفقة القرن لفلسطين التي لم تحضر مؤتمر وارسو وانتباه الرأي العام العالمي للانتهاكات والفظائع التي ارتكبها التحالفُ في اليمن ثم المأساة الإنسانية التي يتعرضُ لها 20 مليون يمني من بين 24 مليوناً هم عددُ سكان البلدة الطيبة والرب الغفور.

وفى التفاصيل فإن إيرانَ هي الهدفُ البديلُ الذي طرحته الصهيونية العالمية أمام العرب والأعراب لتمرير صفقة القرن بحجة التحالف السني أمام النزعة الشيعية تارةً؛ وبحجة النووي الإيراني المقلق للمسلمين العرب تارةً أخرى، وكأن اليهودة مذهبٌ إسْــلَامي والنووي الإسرائيلي سلاحُ ردع عربي!

أمَّا إعلانُ الحرب على اليمن لوقف دعمها للحوثي فحُجَّةٌ واهية، فالذي يبحَثُ إيران في اليمن يبدو كالأعمى لا يرى الشمسُ تشرقُ على العراق، حَيْــثُ الإيرانيون يديرون معاركَ شرسةً على مقرُبةٍ من قواعد الجنود الأمريكان، ولا يراها تغرب عن الجنود الإيرانيين في سوريا باتّفاق تعاون استراتيجي موثّق في الأمم المتحدة.

إن كانت مسرحية وارسو من أجل فلسطين فمندوبٌ عن فلسطين لم يحضرها، وإن كانت لعزل إيران فإن إيران محاصَرةٌ بالفعل، ورغم حضور مندوبي 60 دولة لهذه الفعالية إلا أنه لم يبرز من بينهم إلا ممثلو أمريكا وإسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي باستثناء الكويت، أما الحضور اليمني ممثلاً في وزير خارجية الشرعية خالد اليماني فقد سرق كُـلّ الكاميرات كما يقال في عالم السينما – بالتأكيد أريد له ذلك – كما أريد له ولشرعيته من قبل أن تكونَ حاضرةً حضورَ المتسولين الذين يحضرون القسمةَ فيُرزقون.

 

نفسُ الدور الخياني

يبرّرُ اليماني “الشرعي” حضورَه الفعاليةَ؛ لكي يساهِمَ في الحشد ضد إيران التي تطيح في العالم شرًّا وكأنه كان بإمكانه الرفضَ، ويزايد فيقولُ إن شرعيته لن تتنازل عن دعم الحق الفلسطيني، ولا أعرف من أين استمدَّ هذا المنطق وهو وشرعيته وهم لا يملكون قراراً في اختيار الفندق الذي سينزلون فيه في كُـلّ العواصم بما فيها عاصمة شرعيتهم.

ويبرّر حشرَه على مقعده بين رئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجية أمريكا بأنه عمل بروتوكولي، ولم يسأل نفسَه إنْ لم يجلس هنا مرتزِقاً فمن سيجلس؟ هل سيجلس الوزير السعوديّ عادل الجبير الذي أعلن الحرب على اليمن من واشنطن؟ أم سيجلس الإماراتي أو القطري أو البحريني، وكلهم يرتبون لشرق عربي – صهيوني جديد تتولى إسرائيل فيه قيادةَ المنطقة وتتحكم في مصائر شعوبها واستقرار أنظمتها.

مجملُ القول إن اليماني (الشرعي) المرتزِق بتبرير قتل شعبه وتجويعه وحصاره أدّى في احتفالية وارسو نفسَ الدور الذي تم تدريبُه عليه، إذ جيء به باعتباره صوتاً عربياً يتنازلُ عن القدس التي قيل إنها قضية العرب الأولى كذباً وبهتاناً من قبلُ، وليبصمَ على صفقة -القرون- وليفوّضَ نتنياهو لقيادة العرب في مواجهة محتملة مع إيران من غير المستبعَد أن يكونَ وقودُها متطوعين مرتزِقة يمنيين من أولئك الذين قبلوا على أنفسهم المشارَكةَ في قتل الرجال والنساء في بلدهم.

كنت وكان غيري مستعدين لتفهم حضور اليماني (الشرعي) لفعالية الخيانة هذه لو كان قادة الخليج قد أوفوا بوعدهم بضم اليمن بحكومته (الشرعية) ولو بصفة مراقب إلى مجلس التعاون لينال شيئاً مما يحفظ به ماء الوجه، ويبدو الأمر وكأنه التزام جماعي بمقررات قمم خليجية، إن لم تعقد علناً فإنها معقودة سرا منذ عشرات السنين، قمم تمهد لتقبل الشعوب العربية للشريك الصهيوني بعد 70 عاماً، ولكن حتى هذه لم تحدث.

وكان الأمرُ سيمر مرورَ الكرام لو أن اليماني (الشرعي) توارى خلف الصفوف كما هو موقعُه فكثيرون غيرُه حضروا خجلاً أو طمعاً ولم يُسمع لهم صوتٌ ولم تُنشر لهم صورة، ولكن الذي حشره بين خبيثين -أمريكي وصهيوني -أراد أن يقدمه وليمةً أعدها جبانٌ لبلطجية فاستسلم المرتزِق لمصيره ولم يقاوم، وهو الذي لم يسأل نفسه، ما الذي بيدي لأقدمه لبلادي حتى أشارك في تقديم أي شيء لآخرين؟، إنها الصورة أيها المرتزِق الوليمة، ومثلك لا يدري كيف ستثمنها تل أبيب وماذا ستصنع بها واشنطن!.

 

والخلاصة

في الأفلام المصرية القديمة لا يظهرُ زعيمُ العصابة أمام الكاميرا حتى اللحظات الأخيرة وإنْ كان يدير الأحداثَ طوال الفيلم وهو ما نراه الآن في الساحة اليمنية، ففي البداية فشلت صبيةُ جماعات الإرهاب المسلح التي قتلت البروفيسور شرف الدين وعبد الكريم الحيواني بعد ثورة سبتمبر 2014، وفي المنتصف فشل الساحر والأفاعي أثناء العدوان، ثم فشل العدوان نفسه في تحقيق أهدافه، فجاءت اللحظة التي يعلن فيها زعيم العصابة عن نفسه في حضور البلطجية والصبية وهو ما فعله الصبي اليماني وزعيم العصابة نتنياهو بالضبط.

وإذا كان اليماني (الشرعي) قد أعطى المايك الخاصَّ به لنتنياهو في لقطة سينمائية، فرح بها الأمريكي وابتسم لها الخليجي وتقبّلها الصهيوني، فلا معنى لذلك إلا أن شرعيةَ الفنادق والخليجيين معاً قد أعطوا لإسرائيل تفويضاً لتظهر وهي المختفية في العدوان على اليمن، ولتتبنى وهى العاقر شرعية الفنادق وإدارة ما بقى من الصراع على شواطئ جنوب الجزيرة العربية التي استعصت على كُـلّ الغزاة.

You might also like