كل ما يجري من حولك

واشنطن بوست: كيف وقع خاشقجي في شَرَك حرب سيبرانية سعودية؟

589

متابعات:

كشف الكاتب الأمريكي ديفيد أجناشيوس، في مقال بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، عن تفاصيل ما وصفها بـ «حرب سيبرانية» تشنّها الحكومة السعودية ضد المعارضين، استغلت فيها أجهزة تجسس إسرائيلية، وسقط الصحافي السعودي جمال خاشقجي في شَرَكها.

وقال أجناشيوس: إن خاشقجي لم يكن يعلم حين دخل القنصلية السعودية في اسطنبول في 2 أكتوبر، أنه كان يسير في منطقة للقتل، وأنه قد أصبح هدفاً رئيسياً في حرب سيبرانية في القرن الحادي والعشرين.. حرب تضمّنت القرصنة والاختطاف والقتل، شنّها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وحاشيته ضد المعارضين.

وتساءل الكاتب: «كيف أصبحت معركة الأفكار التي أثارتها مقالات خاشقجي المعارضة والصريحة في «واشنطن بوست» مميتة إلى هذا الحد؟».

ويرد قائلاً: «إن جزءاً من الجواب عن هذا السؤال هو أن الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والدول الأخرى التي دعمت «سياسات مكافحة التطرف» المملكة السعودية، ساعدت على شحذ أدوات التجسس الإلكتروني «ذات الوجهين»، والتي دفعت الصراع نحو نهاية كارثية في اسطنبول.

وأضاف أن ولي العهد -الذي يُعرف بـ «أم بي أس» أو «مبس»- وعد بالتغيير، لكنه أحدث عدم استقرار، وجعل الترسانة الرقمية التي جمعها أداة لحكمه الاستبدادي، وجاء «مبس» إلى فضاء المعلومات مسلحاً بمنشار عظام.

ويشير الكاتب إلى أن نقطة البداية في هذا الصراع هي مركز الدراسات والشؤون الإعلامية في الرياض، الذي يديره سعود القحطاني، والذي وصفه بأنه مسؤول ذكي وطموح في الديوان الملكي، والذي كان مستشاراً موثوقاً به لدى «رئيسه العنيد أو المصاب بالبارانويا أحياناً محمد بن سلمان».

وقال أجناشيوس إن القحطاني وزملاءه عملوا على الإنترنت في البداية مع شركة إيطالية تُدعى «هاكنج تيم»، ثم سعوا إلى الحصول على منتجات شركتين إسرائيليتين هما مجموعة «NSO» وشركة تابعة لها تسمى «Q Cyber Technologies»، إضافة إلى شركة إماراتية تُدعى «DarkMatter»؛ وفقاً لكثير من المصادر المطلعة، التي طلبت عدم ذكر اسمها لحساسية مناقشة المسائل الاستخباراتية.

ولفت الكاتب إلى أن القحطاني قام تدريجياً ببناء شبكة للمراقبة والتلاعب بوسائل الإعلام الاجتماعي، لدفع أجندة «مبس» وقمع أعدائه. وبدأ السعوديون ببناء ثكنتهم السيبرانية منذ حوالي 10 سنوات، عندما كان القحطاني يخدم الملك السابق عبدالله.

وأضاف الكاتب: «بالنسبة للسعوديين، كما هو الحال بالنسبة للمتسللين الروس في هجومهم على الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، أصبح فضاء المعلومات منطقة حرب، وأصبحت أسلحة الدفاع والهجوم قابلة للتبادل.

وكما أخبرني مسؤول استخباراتي أوروبي بأن الأدوات التي تحتاجها لمكافحة الإرهاب هي الأدوات نفسها التي تحتاجها لقمع المعارضة».

ونقل الكاتب أيضاً عن السيناتور مارك وارنر -وهو ديموقراطي بارز في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ- قوله عن مخاطر هذا «السيف السيبراني ذي الوجهين» بأن «كل أداة مراقبة جديدة تنطوي على احتمال إساءة استخدام. لهذا السبب، في هذا البلد (أميركا) لدينا نظام قانون قوي، وكذلك محكمة خاصة للإشراف على كيفية استخدامها. أما في الأماكن التي تقلّ فيها الحماية القانونية للأفراد ولا توجد رقابة فعلية من أجزاء أخرى من الحكومة، يمكن إساءة استخدام هذه الأدوات بسهولة، وهذا أمر ينبغي أن يقلقنا جميعاً».

وأشار أجناشيوس إلى أن الاستخبارات السعودية سعت في عام 2013 إلى امتلاك أدوات من شركة «Hacking Team» تستطيع بها اختراق أجهزة «iPhone» و»iPad». وفي 2015 أرادت أدوات مشابهة اختراق هواتف «Android»، وفقاً لسجلات الشركة التي كشف عنها موقع «WikiLeaks» في عام 2015.

وأدى صعود الملك سلمان، في يناير 2015، إلى تكثيف الجهود السيبرانية في الديوان الملكي، وأراد القحطاني -وهو محامٍ وعضو سابق في القوات الجوية كان يعمل في الديوان منذ أكثر من عقد- أن يثبت ولاءه لابن سلمان، الابن المفضل للملك الجديد. وجعل القحطاني نفسه شخصية لا غنى عنها، لكنها أكثر خطورة في الدائرة الداخلية لـ «مبس».

وتابع الكاتب: بعد أن أصبح ابن سلمان ولياً لولي العهد في أبريل 2015، دفع القحطاني إلى تعزيز العمليات السيبرانية. وفي 29 يونيو 2015، كتب إلى رئيس فريق (Hacking) وطلب «قائمة كاملة من الخدمات»، واقترح «شراكة طويلة واستراتيجية».

ولفت الكاتب إلى أن السعوديين كانوا يعرفون أن إسرائيل لديها أدوات إنترنت أكثر تطوراً. ووفقاً لمصادر أميركية وأوروبية وسعودية، فإن السعوديين تطلعوا بشكل متزايد إلى شراء التكنولوجيا من شركات الإنترنت الإسرائيلية. وكانت النتيجة واحدة من التحالفات الاستخباراتية الأكثر إثارة في تاريخ الشرق الأوسط؛ حيث بدأت الشركات الإسرائيلية بمشاركة بعض السعوديين بأسرارها الإلكترونية.

وقال أجناشيوس: «لقد كانت صفقة شيطانية؛ حيث حصلت إسرائيل على حليف سنّي عربي ضد إيران (وفرصة من خلال التعاون الإلكتروني لجمع المعلومات حول المملكة)، وحصل «مبس» على أدوات جديدة لمحاربة أعدائه الداخليين».

ونقل الكاتب عن ثلاثة مسؤولين سابقين في الولايات المتحدة قولهم إن السعوديين سعوا على وجه التحديد إلى شراء نظام متطور للقرصنة الهاتفية يُدعى «بيغاسوس» (Pegasus)، تم إنشاؤه من قِبل شركة تأسست في إسرائيل تحت اسم «NSO Group Technologies». ولإجراء معاملات مع الشركة الإسرائيلية، يقول مصدران إن السعوديين عملوا جزئياً من خلال شركة تابعة لـ «NSO» تُسمى «Q Cyber Technologies» (كيو سايبر تكنولوجيس)، ومقرها في لوكسمبورج.

ونقل الكاتب عن مصدرين أن «كيو سايبر» تعاملت مباشرة مع السعوديين، مما ساعد على حل المشاكل التي نشأت مع أنظمة المراقبة السيبرانية. وأن «كيو» وعدت بأنها تستطيع الوصول إلى أهداف في نصف دزينة من دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى العديد من أكبر الدول في أوروبا.

ولفت الكاتب إلى أن بعض الإسرائيليين كانوا يشعرون بالقلق من تقاسم هذه القدرات السرية مع دولة عربية قيادية، ولكن قال لي مسؤولان أميركيان سابقان -على دراية بالموضوع- إن صفقة الشراء السعودية تمت الموافقة عليها من قبل الحكومة الإسرائيلية.

ومضى الكاتب للقول إن خاشقجي -بصفته واحداً من أشهر الصحافيين السعوديين وأكثرهم تأثيراً- تم جذبه إلى هذا الصراع.

وبينما كرّس القحطاني «جيشاً من الذباب» لمحاربة قطر على «تويتر»، أراد أصدقاء خاشقجي خلق حضور إعلامي بديل؛ فعمر عبدالعزيز -وهو منشق سعودي شاب مقيم في كندا- كان قد شجع خاشقجي في يونيو ويوليو من هذا العام على المساعدة في تجنيد جيش إلكتروني منافس لتحييد الهجوم السعودي على شبكة الإنترنت؛ لكن لم يدرك خاشقجي وعبدالعزيز أن السعوديين تمكّنوا من التجسس على رسائلهم، وذلك بفضل أدوات مراقبة «بيغاسوس» الموردة من قِبل إسرائيل.

وأوضح الكاتب أن الحملة المناهضة لخاشقجي كانت أمراً شخصياً للقحطاني.

ونقل عن مسؤول سعودي لم يذكر اسمه أن القحطاني شعر بأنه خذل رئيسه «مبس» من خلال السماح لخاشقجي بمغادرة السعودية في عام 2017. وعندما فرّ خاشقجي إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق من ذلك العام وبدأ بكتابة أعمدة لـ «واشنطن بوست» تنتقد السعودية، اعتبره القحطاني عدواً متمرّداً في مجال المعلومات الذي سعى إلى السيطرة عليه.

وفي شهر يوليو الماضي، وفقاً لمسؤول أميركي، أقنع القحطاني «مبس» بأن خاشقجي كان يشكل تهديداً لمحاولات المملكة السيطرة على المعلومات، وأرسل ولي العهد رسالة في ذلك الشهر يأمر فيها بإعادة الصحافي المنشق إلى المملكة، وبالقوة إذا استدعى الأمر. ولم يفهم المسؤولون الأميركيون الرسالة إلا بعد فوات الأوان.

وأوضح الكاتب أن خاشقجي أصبح هدفاً سهلاً بعد أن زار القنصلية السعودية في اسطنبول في سبتمبر للحصول على أوراق لخطيبته؛ حيث طلب منه العودة في الأسبوع التالي لاستكمال الأوراق. وفي هذه الأثناء -وبحسب مصدرين سعوديين- ساهم القحطاني في جمع دائرة من عملاء المخابرات والجيش ممن يحظون بثقة الديوان الملكي.

وأشار الكاتب إلى أن الفريق الذي أرسل إلى اسطنبول كان بقيادة ماهر المطرب، وهو جنرال ضالع في العمل الاستخباري، ومسؤول عن أمن اتصالات «مبس» عندما يسافر إلى الخارج.

ونقل أجناشيوس عن مسؤول سعودي كبير قوله إن القحطاني ممنوع حالياً من السفر، وهو «تحت الحجز» كما أعلن المدعي العام السعودي يوم 15 نوفمبر.

وختم الكاتب مقاله بالقول إن هذه قصة قتل مروعة، ولكن كما في أية قضية معقدة، نبحث عن أدلة حول كيف ولماذا حدث القتل. لقد كان دافع القاتل هو السيطرة على المعلومات.

You might also like