اليمن بعد التمدد الإماراتي: انكسار “تحالف الضرورة” و”فرصة” لكيان الاحتلال ضمن رهان استراتيجي إقليمي ودولي
متابعات..| تقرير خاص
عاد المِلفُّ اليمني خلال هذا الأسبوع إلى واجهة اهتمام الإعلام الأجنبي والعبري، في ظل تطوُّرات متسارعة تعكسُ عمقَ الشرخ داخل معسكر الاحتلال السعوديّ والإماراتي، وتزايد حدّة الصراع بين أدواتهما المحلية، خُصُوصًا في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلّة.
وقد تناولت التغطيات هذه التطورات بوصفها مؤشرًا واضحًا على فشل تحالف الاحتلال في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرته، وعلى اتساع فجوة الخلاف بين الرياض وأبوظبي.
وتَركَّزَ الاهتمامُ الإعلامي على ما عَـــدَّه زلزالًا جيوسياسيًّا في الخارطة اليمنية، حَيثُ أجمعت تقاريرُ الصحافة العالمية والعبرية على أن سيطرةَ المجلس الانتقالي، المموَّل إماراتيًّا، على محافظتَي حضرموت والمهرة قد أطلقت رصاصةَ الرحمة على ما تبقى من “تحالف الضرورة” بين الرياض وأبوظبي.
فبحسب صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، فإن هذا التحَرّكَ الميداني الذي أطلق عليه الانتقالي “عملية المستقبل الواعد” يمثّل “تغييرًا لقواعد اللُّعبة” وتراجُعًا كَبيرًا لنفوذ الرياض، الذي بات يرى في سقوط الشرق اليمني تهديدًا مباشرًا لعمقه الاستراتيجي وقضمًا واسعًا لحصة السعوديّة من الكعكة اليمنية.
ويرى مراقبون في تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” أن الأزمةَ تجاوزت حدودَ التلاسن والتشاجُر لتصل إلى التهديد العسكري المباشر، حَيثُ نُسب لمصادر ميدانية أن الرياض لوّحت بشن غارات جوية لكبح تمدُّد أتباع الإمارات، وهو ما أكّـدته صحيفةُ “تايمز” اللندنية التي نقلت عن مسؤولين في الانتقالي ادِّعاءاتٍ بتعرُّض قواتهم لقصف جوي سعوديّ قرب منطقة “العَبْر” بحضرموت.
التوتر الصارخ لم يمنع الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله من الإقرار بوجود “مِلفات ساخنة” وخلافات بين الحلفاء، في اعتراف ضمني بصحة التقارير التي تتحدث عن صراع النفوذ المحموم على طول السواحل والموانئ الحيوية، وهو الصراعُ الذي حذرت منه صحيفة “الأهرام” المصرية، معتبرة إياه “مغامرة أُحادية” قد تجر المنطقة إلى فوضى شاملة.
والأكثر خطورة في السياق عينه، يكمن في زاوية كشفها الإعلامُ العبري بأن ما يجري في الجنوب اليمني يعكس تحولات أوسع في خريطة التحالفات بالمنطقة.
وربطت بعض التحليلات العبرية بين الدور الإماراتي في اليمن ومساعي توسيع النفوذ في البحر الأحمر وخليج عدن، بما يخدم المصالح الإسرائيلية، خُصُوصًا في ما يتعلق بالتحكم بالممرات البحرية الاستراتيجية.
وتصفُ صحيفة “يديعوت أحرونوت” ومجلة “جيروزاليم بوست” التطوراتِ الأخيرةَ بأنها “فرصة ذهبية لـ (إسرائيل)”؛ فمن وجهة النظر العبرية، فإن نشوء كيان جنوبي منضبط عسكريًّا ومدعوم من الإمارات يسيطر على مضيق باب المندب وجزيرة سقطرى يمثّل حليفًا استراتيجيًّا غير معلَن يمكنه التأثير على نفوذ قوات صنعاء وتأمين “الحضور الإسرائيلي” في بحر العرب.
ويربط تقريرٌ لموقع “إنتليجنس أونلاين” الاستخباراتي بين هذا التقارب وبين صفقة التسلح المليارية (2.3 مليار دولار) التي أبرمتها الإمارات مع شركة “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية؛ ما يشير إلى أن الجنوب اليمني بات “الورقة الرابحة” في استراتيجية كَيان الاحتلال الجديدة للتواجد في اليمن ضمن مساعيه لإقامة مشروع (إسرائيل الكُبرى) والسيطرة على المنطقة بأكملها.
ويشير تقرير لمجلة “مودرن ديبلوماسي” الأُورُوبية إلى أن العالم يقفُ عاجزًا أمام فشل نماذج الردع التقليدية في البحر الأحمر، بينما بدأت قوات صنعاء، وفقًا لصحيفة “جيروزاليم بوست”، في إعادة توجيه بُوصلتها العسكرية نحو الإعداد وتحديث الصواريخ والطائرات المسيّرة، مستغلةً حالةَ الهدوء النسبي على جبهة غزة.
هذا المشهد المعقد يضع اليمن أمام سيناريوهات مفتوحة مع استبعاد انفجار مواجهة مباشرة بين الحليفين اللدودين (السعوديّة والإمارات).
وفي مقابل هذا التركيز على الصراع السياسي والعسكري داخل معسكر الاحتلال، أشَارَت بعض التقارير الأجنبية إلى تراجع الاهتمام الدولي بالجانب الإنساني في اليمن، محذّرة من أن النزاعات البينية بين القوى المدعومة من الرياض وأبوظبي تزيد من معاناة المدنيين، وتعرقل أية جهود حقيقية لمعالجة الأزمة الإنسانية أَو دفع مسار السلام.
وتخلص مجملُ التغطية الإعلامية الأجنبية والعبرية هذا الأسبوع إلى أن اليمن بات ساحة مكشوفةً لتصدّعات التحالف السعوديّ–الإماراتي، وأن الصراع لم يعد يدار فقط ضد اليمنيين، بل بين أطراف الاحتلال أنفسهم، في سياق إقليمي أوسع تُوظَّف فيه الجغرافيا اليمنية لخدمة حسابات تحَرّكها أطماع، بعيدًا عن مصالح الشعب اليمني وحقه في السيادة والاستقرار.