إيران تعيد بناء قوتها وتستعرض.. ترقُّبٌ غربي وحسابات ما بعد الردع
متابعات..|
في محاولة واضحة لإعادة تثبيت معادلة الردع بعد جولة التصعيد الأخيرة، تكثّـفُ إيران رسائلَها العسكرية والإعلامية عبر استعراض علني لقدراتها الصاروخية، مؤكّـدة أن بنيتَها الصاروخية ما تزال سليمةً إلى حَــدّ كبير، وقادرة على فرض توازن ردع في أية مواجهة مقبلة مع أمريكا وكَيان الاحتلال.
وبحسب ما نقلته فايننشال تايمز، قال دبلوماسي غربي رفيع إن طهران تدرس نقلَ جزء من مِنصات صواريخها إلى عمق أكبر في شرق البلاد، في خطوة تهدف إلى تحصينها بعيدًا عن مدى الضربات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، وتقليص فعالية أي هجوم استباقي محتمل.
اعتراف بخسائر.. ونفي لتآكل القدرة
وفي مؤشر لافت، يقرّ محمد رضا نقدي، نائب قائد الحرس الثوري، بأن طهران أخطأت في تقدير طبيعة الهجمات الإسرائيلية، قائلًا: «لم نتوقع أن يستهدفوا قادتنا وعلماءنا في منازلهم مع عائلاتهم».
إلا أن هذا الاعتراف ترافق مع تأكيد على أن الضربات لم تُحدث اختراقًا استراتيجيًّا، مشدّدًا على أن الاحتلال «لم يدمّـر حتى 3 % من منصات إطلاق الصواريخ».
هذا الخطاب يعكس محاولة مزدوجة لامتصاص الصدمة داخليًّا عبر الاعتراف المحدود بالأخطاء، مقابل طمأنة الداخل والخارج بأن العمود الفقري للقدرات الصاروخية لم يُمس.
الرد الصاروخي كحسم سياسي
وتؤكّـد طهران أن ردَّها الصاروخي الكثيف –الذي شمل أكثرَ من 600 صاروخ– هو ما فرض وقف القتال، في أكبر قصف يتعرض له كَيان الاحتلال منذ جرى زرعُه على أرض فلسطين.
ولا تكتفي القيادة الإيرانية بعدِّ الصواريخ، بل تروّج لمنطق «الاستنزاف المعكوس»، حَيثُ تُجبِر الخصوم على إنفاق مليارات الدولارات لاعتراض صواريخَ أقلَّ كلفة، وتنفيذ عمليات جوية بعيدة المدى بذخائر دقيقة باهظة الثمن.
ويشكّل المعرض العسكري الذي أقيم بعد الحرب جزءًا من حملة منظمة لإعادة بناء الثقة الشعبيّة.
فبحسب فايننشال تايمز، لم يكن الهدفُ عرضَ الأسلحة فحسب، بل ترسيخ قناعة عامة بأن الدولة ما تزال قادرةً على الدفاع عن نفسها.
ويقول العميد علي بلالي، مدير المعرض، إن الزوار يشاهدون «أسلحةً محلية الصنع» تضع إيران ضمن الدول المتقدِّمة صاروخيًّا، في رسالة مباشرة عن الاكتفاء الذاتي.
وتتلاقى هذه الرسائل الرسمية مع مخاوف شعبيّة متزايدة في مرحلة «لا حرب ولا سلام»، خُصُوصًا مع تعثر المفاوضات النووية، وتشديد العقوبات، ومنع مفتشي الأمم المتحدة من دخول مواقع حساسة تعرضت للقصف الأمريكي.
الطائرات المسيّرة ورسالة المفاجأة
كما برز حضورُ طائرات «شاهد» المسيّرة في المعرض، وهي التي استخدمتها روسيا في حرب أوكرانيا، إلى جانب نماذجَ أُخرى جرى عكس هندستها من طائرات أمريكية وإسرائيلية.
ويعكس ذلك إصرار طهران على تقديم نفسها كقوة قادرة على الابتكار والتكيّف، حتى في ظل العزلة والضغوط.
نقل الصواريخ شرقًا.. تحصين أعمق؟
ويؤكّـد المتحدث باسم الحرس الثوري، العميد علي محمد نائيني، أن إيران حسّنت دقةَ وفعالية صواريخها بعد الحرب، مشدّدًا على أن الصواريخ الباليستية بعيدة المدى قصّرت أمدَ المواجهة.
أما نقلُ المِنصات إلى الشرق، فيُقرأ غربيًّا كإجراء دفاعي يعكس درسًا استراتيجيًّا: تقليل قابلية الاستهداف لمنع تكرار الحرب.
وتشير الصحيفة إلى أن العواصم الغربية تراقب ما إذَا كانت طهران ستسعى لدعم خارجي –من روسيا أَو الصين أَو باكستان– لإكمال بناء وتعزيز قدراتها.
غير أن الرسالة الإيرانية المعلَنة تبدو واضحة: الردع الصاروخي ليس ورقةً تفاوضية، بل ركيزة أمن قومي.
وبين اعتراف بالأخطاء وتأكيد على القوة، ترمّم طهران ردعَها لا بوصفه أدَاة حرب فقط، بل كوسيلة لمنعها.
فوفق مِزاجِ الشارع الذي عكسه زوّار المعرض، بات البرنامج الصاروخي يُنظر إليه كضمانة وجودية في مواجهة خصوم لا يخفون استعدادَهم لتكرار المواجهة.
المرجع: فايننشال تايمز