تحليل أمريكي: ترامب يخوض مغامرة خطيرة في فنزويلا.. حملة “الميمات” بدلًا عن التخطيط الاستراتيجي
متابعات..| تقرير:
يتجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو مغامرة محفوفة بالمخاطر في فنزويلا، مستخدمًا أُسلُـوبًا غيرَ تقليدي يخلط بين التهديدات عبر وسائطِ التواصل الاجتماعي والحشد العسكري المحدود، في محاولة للإطاحة بنظام الرئيس نيكولاس مادورو دون اعتبارٍ كافٍ للعواقب الاستراتيجية والقانونية.
ويؤكّـد الصحفي إدوارد لوس في تحليلٍ على صفحات “فايننشال تايمز” أن هوس ترامب بفنزويلا – الذي قد يبدو عشوائيًّا – يمثل في الواقع خُلاصة سياسته الخارجية: يستهدفُ بلدًا لأسباب داخلية أمريكية، يبني قضيتَه عبر مِنصات التواصل الاجتماعي، ويحتقر الأُطُرَ القانونية والأخلاقية التقليدية.. وبما أن فنزويلا تقعُ في النطاق الجغرافي الأمريكي المباشر، فإن تغيير النظام فيها قد لا يحمل – من وجهة نظره – مخاطر تصعيد عالمي كبيرة.
لكن السؤال المركزي الذي يطرحُه التحليل هو: هل يمكنُ لترامب تحقيق تغيير النظام دون نشر قوات أمريكية على الأرض؟ تشير التحَرّكات العسكرية الأمريكية الحالية إلى حالة من التردّد، حَيثُ يوجد حوالي 15 ألف جندي أمريكي على مقربة من فنزويلا، وهو عدد يفوق بعشرة أضعاف على الأقل ما تحتاجه حتى لعملية مكثّـفة لمكافحة المخدرات. ومع ذلك، فإن هذا الحشد يظل محدودًا جِـدًّا لغزو بري فعلي؛ ما يضع ترامب في منطقة رمادية بين الإفراط في استخدام القوة ونقص الاستعداد.
تعتمد استراتيجية ترامب الظاهرة على الترهيب وخلق الوقائع الرمزية. ففي نهاية الأسبوع الماضي، أعلن عن فرض منطقة حظر جوي على فنزويلا عبر تدوينات على “تروث سوشال” بدلًا عن قنوات البنتاغون الرسمية. وبينما يحمل هذا الإعلان رمزية خطيرة -، إذ يعني عمليًّا أن دخول أي طائرة إلى المجال الجوي الفنزويلي سيكون عملًا عدائيًّا جريئًا – فقد سارع ترامب نفسه إلى تهدئة الموقف بقوله: “لا تفسروا الأمر على أنه شيء”. النتيجة كانت هدوءًا غير معهود في المجال الجوي الفنزويلي، لكن الرسالة وصلت.
تاريخيًّا، لا يخرج توجّـه ترامب عن تقليد أمريكي قديم في التدخل لتغيير الأنظمة، خَاصَّة في النصف الغربي للكرة الأرضية. لكن فنزويلا تمثل تحديًا مختلفًا: مع 30 مليون نسمة ومساحات شاسعة من الغابات والمناطق النائية، فإن أي عملية عسكرية ستكون أكثر تعقيدًا بكثير من غزو بنما عام 1989 الذي أطاح بمانويل نورييغا، أَو حتى من محاولة غزو خليج الخنازير الفاشلة في كوبا عام 1961.
يكمن الخطر الأكبر في البيئة التي أوجدها ترامب داخل مؤسّسات الأمن القومي الأمريكية. فقد عيّن بيت هيغسيث وزيرًا للدفاع، وهو شخصية مثيرة للجدل بنيت سمعتها على انتقاد “قيود قواعد الاشتباك” التي تحكم العمليات العسكرية. ويُعرف هيغسيث بتصريحه المزعوم بأمر “اقتلوا الجميع” خلال عمليات ضد سفن يشتبه بتورطها في تهريب المخدرات من فنزويلا.
الأخطر من التصريحات نفسها هو التأثير المدمّـر لهذه الثقافة على الاحترافية العسكرية الأمريكية؛ فقد أَدَّى تعيين ترامب وهيغسيث لمناصب قيادية على أَسَاس الولاء السياسي بدلًا من الكفاءة المهنية، إلى تهميش الخبراء العسكريين والقانونيين الذين اعتادوا لعب دور ضابط الضبط في التخطيط للعمليات، وقد اهتزت الروح المعنوية في الجيش الأمريكي نتيجة ازدراء القيادة الحالية للتنوع المؤسّسي والبروتوكولات المهنية الراسخة.
يخلص التحليل إلى تحذير واضح: إذَا قرّر ترامب المضي قدمًا في تغيير نظام فنزويلا، فسيكون ذلك بناءً على تخطيط هيغسيث ووفقًا لرؤية تقلل من شأن التعقيدات الاستراتيجية والقانونية.
وفي الوقت الذي قال فيه الجنرال دوايت أيزنهاور ذات يوم إن “الخطط لا قيمة لها ولكن التخطيط هو كُـلّ شيء”؛ فإن إدارة ترامب تبدو وكأنها تستبدل التخطيط الاستراتيجي الجاد بحملة من “الميمات” والتهديدات “التروثية”، في مغامرة قد تدفع أمريكا ثمنًا باهظًا على المدى الطويل.
المصدر: فايننشال تايمز