كل ما يجري من حولك

خبراء يكشفون أخـطـر ما جاء في قرار مجلس الأمن الأخير بشأن اليمن.. تفاصيل أوفى

451

متابعات..| 

أثار قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2801 بشأن الحرب في اليمن الكثير من علامات الاستفهام حول جدوى القرار، الذي قوبل بالرفض في شمال اليمن من جانب أنصار الله، وَأَيْـضاً في جنوب اليمن من جانب المجلس الانتقالي الجنوبي، كما أنه لا يضع أطرًا عملية وحاسمة للتسوية السياسية ووقف الحرب المدمّـرة.

يرى مراقبون أن أنصار الله يرون في القرار التفافًا على المكاسب التي تحقّقت لهم في البحر الأحمر، وكذلك محاولة تقويض قوة اليمن العسكرية، حَيثُ إن القرار يعطي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها مبرّرات بغطاء دولي لتنفيذ عمليات الرقابة والتفتيش على السفن بالقرب من المياه الإقليمية اليمنية، ما يعني بوضوح عسكرة البحر الأحمر بقرار من مجلس الأمن لصالح أمريكا وأُورُوبا، الأمر الذي دفع روسيا والصين إلى عدم التصويت على القرار، رغم حصوله على الأغلبية واعتماده.

ما هي تداعيات القرار الأممي 2801 على الأزمة في اليمن، ولماذا رفضته أنصار الله في صنعاء؟

بدايةً يقول الخبير العسكري والاستراتيجي من العاصمة اليمنية صنعاء، العميد حميد عبد القادر: “إن مجلس الأمن استيقظ مؤخّراً ليمدد العقوبات على اليمن، في الوقت الذي غضّ الطرف فيه عن الجرائم الإسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا. اليوم صحا مجلس الأمن ليعاقب صنعاء على موقفها المساند لقطاع غزة في مواجهة أبشع الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية”.

رسالة تحذير

وَأَضَـافَ في حديثه لـ”سبوتنيك”: “مجلس الأمن لا تعنيه الشعوب المستضعفة، وأصبح المجلس اليوم ينفذ أجندة لصالح قوى الاستكبار وأمراء النفط. مجلس الأمن غير نزيه، والدليل أن كيانًا ارتكب جرائم حرب في غزة ولم نرَ قرارًا يدينه”.

وأشَارَ عبد القادر إلى أن “شركة فيس بوك (المحظورة في روسيا) قامت بغلق حسابات الناشطين الموالين لأنصار الله ضمن خطط التضييق لخدمة مصالح الكيان وأعوانه، ويبدو أن هناك تحضيرًا أمريكيًّا بريطانيًّا إسرائيليًّا خليجيًّا لشن عدوان جديد على اليمن”.

وتابع: “نظرًا للتطورات التي ترصدها صنعاء على المشهد الراهن، قامت بإعلان الاستنفار العسكري والسياسي والإعلامي، ورفع الجاهزية القتالية لمواجهة أي تصعيد عسكري على اليمن”.

وأوضح عبد القادر: “إن اليمن يوجه رسالة تحذير لقوى الاستكبار والدول المطبّعة، أن أي عدوان مجدّدًا على اليمن سيكون الرد عليه بإحراق كُـلّ دول الإقليم المطبّعة، وإغلاق مضيق باب المندب إغلاقا كاملًا، وعدم بيع النفط الخليجي لقوى الاستكبار، وسيتم ضرب التواجد الأمريكي في البحر الأحمر وَأَيْـضاً ضرب أرامكو وحقول النفط التي تغذي قوى الاستكبار، وسيتم إغلاق المضيق وفرض حصار على العالم بأسره، لأن الصراع بين معسكرين: حق وباطل، صراع وجود، نكون أَو لا نكون، ومن كذَّب جرَّب”.

قراءة استراتيجية

من جانبه يقول الكاتب والباحث السياسي اليمني عدنان عبدالله الجنيد: “رفض أنصار الله القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن ليس خطوةً عابرة، بل هو موقف مبني على قراءة استراتيجية عميقة يرى شعب الإيمان والحكمة أنها تكشف أهدافا خفية تخدم مصالح الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي قبل أي طرف آخر”.

وَأَضَـافَ في حديثه لـ”سبوتنيك”: “هذا الرفض يقوم على عدد من المحاور الرئيسية، من بينها أن القرار يستهدف مكاسب استراتيجية حقّقها الشعب اليمني في البحر الأحمر. ويرى هذا الشعب أن البحرين الأحمر والعربي تحوّلا إلى ورقة الردع الأقوى في الصراع، وأن محاولة مجلس الأمن فرض ملاحظة ومراقبة دولية على الممرات البحرية ليست سوى خطوة لانتزاع هذه الورقة من اليمن، عبر فرض وصاية غربية على باب المندب والمياه الإقليمية”.

وتابع الجنيد: “هذا تدخل يخدم مصالح واشنطن وكَيان الاحتلال ويقوّض سيادة اليمن التي صُنعت بدماء المعارك وبحكمة الردع البحري، علاوة على أن القرار يعيد ربط المسارين الأمريكي والإسرائيلي، اللذين ترى أنصار الله أنها نجحت في فصلهما في معادلة البحر الأحمر، والحصول على تهدئة نسبية مع الولايات المتحدة في بعض النقاط، مقابل استمرار استهداف المصالح الإسرائيلية نصرة لغزة”.

الحسابات الأمريكية الإسرائيلية

وأشَارَ الباحث السياسي إلى أن “القرار يأتي لمحاولة إعادة الربط القسري بين المسارين وإلغاء هذا المكسب الاستراتيجي الذي أزعج (إسرائيل) وأربك الحسابات الأمريكية. كما أن القرار يمهد لتوريط السعوديّة والإمارات من جديد، حَيثُ ترغب واشنطن في الزج بالرياض وأبو ظبي في جولات صراع قادمة، بينما هي نفسها لا ترغب في حرب مباشرة في البحر الأحمر. هذه ليست المرة الأولى؛ فقد سبقت أمريكا وورطت السعوديّة في تدريب خلية تجسسية تعمل لحساب منظمات أمريكية، باعتراف أفراد الخلية أنفسهم. القرار الجديد يعيد إنتاج هذا السيناريو عبر خلق ذريعة “حماية الملاحة” لتوريط دول الخليج من جديد في معركة ليست معركتهم الأصلية”.

وأكّـد الجنيد أن “القرار يمثل خيانة واضحة لمسار الاتّفاقات التي كانت تقترب من تثبيت وقف إطلاق النار، إذ لا يتضمن أي ضمانات متبادلة، بل يعيد الأزمة إلى المربع الأول، فقد أثبتت التجارب أن القوى الدولية لا تلتزم باتّفاق إلا إذَا كان يخدم مصالحها الخَاصَّة”.

أدوات ضغط

ونوّه الباحث السياسي إلى أن “هناك إعادة تدوير للجماعات المتطرفة كورقة ضغط. فلا تزال القوى الدولية تعتمد على الجماعات المتطرفة كأدوات ضغط، لذلك يتعامل اليمن بحذر شديد مع أي تحَرّكات دولية تشرعن نشاطًا استخباريًّا قد يستخدم ضد البلاد. لافتاً إلى أن الموقف الروسي–الصيني يضعف شرعية القرار، حَيثُ إن امتناع روسيا والصين عن التصويت يكشف أن القرار غير متوافق عليه دوليًّا، وأن مجلس الأمن أدَاة بيد القوى الغربية لا أكثر. هذا الانقسام يُعزز رواية ازدواجية المعايير وانحياز المجتمع الدولي لصالح مشروع الغرب في المنطقة”.

وختم الجنيد بالقول: “يرى اليمنيون أن رفض القرار ليس ضعفًا ولا عزلة، بل هو دفاع عن مكاسب استراتيجية رسخها اليمن في البحر الأحمر، ومحاولة للحفاظ على معادلة ردع أعادت رسم دور اليمن الجيوسياسي. القرار في جوهره محاولة لأبطال الورقة التفاوضية الأقوى بيد صنعاء، وهي القدرة على التأثير في أهم ممرات الملاحة العالمية. ولذلك فإن اليمن يثق بأن الشعب قادر على إفشال كُـلّ مشاريع الهيمنة، كما أفشلها سابقًا في البحر الأحمر وعلى كُـلّ ساحات المواجهة”.

عسكرة البحر الأحمر

بدوره يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني أكرم الحاج: “يأتي قرار مجلس الأمن الأخير بتمديد العقوبات على اليمن ليؤكّـد مجدّدًا حجم النفوذ الأمريكي والبريطاني داخل المجلس، ويكشف مسعى واضحًا لشرعنة عسكرة البحر الأحمر والممرات المائية الاستراتيجية تحت غطاء حماية الملاحة الدولية، بينما يتجاهل جذور التوتر ومسؤوليات الأطراف الحقيقية في إشعال الصراع على اليمن”.

وَأَضَـافَ في حديثه لـ”سبوتنيك”: “القرار الجديد ليس مفصولًا عن سلسلة قرارات سابقة مثل 2140 وَ2216 وَ2564، التي شكّلت إطارا قانونيًّا منح التحالف بقيادة السعوديّة غطاءً لاستمرار الحرب والحصار منذ عام 2015. وقد مثلت تلك القرارات بمضامينها المنحازة أحد أهم الأسباب التي أطالت أمد الصراع بين الفرقاء اليمنيين، وساهمت في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن دون أن تضع حدًا للحرب على اليمن أَو التجويع والانهيار المؤسّسي”.

وتابع الحاج: “إذ تعزز واشنطن ولندن عبر هذا القرار حضورهما العسكري في البحر الأحمر والبحر العربي، فإنهما تسعيان لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية بما يخدم مصالحهما الجيوسياسية، خَاصَّة في الممرات البحرية الحيوية في المنطقة. كما يتزامن القرار مع تصاعد الدور اليمني الداعم للقضية الفلسطينية، بعد أن تمكّنت قوات صنعاء من تعزيز نفوذها العسكري والهيمنة على البحر الأحمر والعربي ومضيق باب المندب، من خلال استغلال موقعها الجغرافي الاستراتيجي في مساندة الفلسطينيين في غزة”.

وأشَارَ المحلل السياسي إلى أن “السيطرة على هذا الممر البحري الحيوي (البحر الأحمر) منحت قوات صنعاء نفوذًا كَبيراً على التجارة الدولية، وأتاحت لها ورقة ضغط استراتيجية مهمة. هذه المقدرة العسكرية لقوات صنعاء بالتأكيد أزعجت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ولا يمكن تجاهل أن (إسرائيل) تحظى بدعم أمريكي وبريطاني، عسكريًّا وسياسيًّا وفي قرارات مجلس الأمن، ومنها القرار الأممي الأخير، ما يجعله في نظر صنعاء محاولة ضغط سياسية تهدف إلى ثنيها عن موقفها المعلن تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة”.

معادلة الصراع

وأكّـد الحاج أن “استمرار مجلس الأمن في اعتماد مقاربات منحازة وتجاهل الواقع الإنساني المأساوي لليمنيين يبرهن على ابتعاده عن دوره كهيئة دولية محايدة. فبدلًا من الدفع نحو تسوية سياسية شاملة، أصبح المجلس جزءًا من معادلة الصراع، إذ تتداخل قراراته مع أجندات الدول الكبرى التي تستخدمه لفرض إرادتها على المنطقة، وسط صمت فاضح عن الجرائم التي يتعرض لها المدنيون في اليمن وفلسطين على حَــدّ سواء”.

وأوضح: “إن موقف صنعاء الرافض لقرار التمديد يأتي كنتيجة طبيعية لاقتناعها بأن القرار 2801، كسابقيه، تمّت صياغته استنادًا إلى روايات أطراف مشاركة في الحرب، في محاولة واضحة للإضرار بمصالح اليمن وإطالة الأزمة. وترى صنعاء أن ما يصدر عن المجلس يعكس معايير مزدوجة ومغالطات سياسية تتجاهل الحقائق على الأرض، وتخدم الهيمنة الأمريكية والبريطانية في الخليج وأفريقيا والبحر الأحمر والعربي، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان تمثلان الداعم الأكبر لـ (إسرائيل) وَدول التحالف في ملفات الحرب على اليمن”.

ولفت الحاج إلى أن “مجلس الأمن، عبر قراراته المنحازة، لم يعد مُجَـرّد وسيط دولي، بل تحول إلى أدَاة توظفها القوى الكبرى لإدارة الصراع في المنطقة، في وقت تدفع فيه اليمن إلى مسار طويل من المعاناة لإرضاء حسابات سياسية واقتصادية لا علاقة لها بالسلم والأمن الدوليين”.

اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارًا يوم الجمعة، الماضية أعرب فيه عن بالغ القلق إزاء استمرار أنشطة “الحوثيين” (أنصار الله)، وأدان بأشد العبارات الهجمات على الشحن التجاري في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، والهجمات عبر الحدود على دول المنطقة، والتي تهدّد السكان المدنيين والشحن الدولي والسلام والأمن الإقليميين.

وبموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، جدد المجلس نظام العقوبات على اليمن لعام آخر، بما في ذلك التدابير المحدّدة وحظر الأسلحة المفروض لأول مرة في القرارين 2140 (2014) وَ2216 (2015). كما مدد ولاية فريق الخبراء المعني بمراقبة تنفيذ العقوبات حتى ديسمبر/كانون الأول 2026، “بحسب موقع الأمم المتحدة”.

وأكّـد المجلس -في القرار رقم 2801 (2025)- عدم وجود حَـلّ عسكري للنزاع، وحث جميع الأطراف على التهدئة الفورية، والالتزام بوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، والانخراط البنّاء مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة في عملية سياسية شاملة بقيادة يمنية.

ويشهد اليمن تهدئة هشّة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من تشرين الأول/أُكتوبر 2022، عدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة “أنصار الله” إلى اتّفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت 6 أشهر.

ويعاني البلد العربي صراعًا مُستمرّا على السلطة بين الحكومة المشكَّلة من قبل السعوديّة والقاطنة في عاصمتها الرياض و”المعترف بها دوليًّا”، وبين حكومة صنعاء لجماعة “أنصار الله” وحلفائهم من الأحزاب المناهضة للعدوان على اليمن وغزة، وهو صراع انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.

وتسيطر جماعة “أنصار الله” منذ أيلول/سبتمبر 2014 على غالبية المحافظات وسط وشمال اليمن، بينها العاصمة صنعاء، فيما أطلق تحالف عربي بقيادة السعوديّة ــ في العلن وإدارة ومشاركة أمريكية إسرائيلية ــ في 26 آذار/مارس 2015 عمليات عسكرية.

وأودت الحرب الدائرة في اليمن حتى أواخر 2021 بحياة 377 ألف شخص، كما ألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تُقدَّر بـ126 مليار دولار، في حين بات 80 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 35 مليون نسمة بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب تقارير الأمم المتحدة.

* عن وكالة “سبوتنيك” الروسية.. بتصرُّف يسير

You might also like