رئيس المخابرات المصرية في بيروت وانباء عن وساطة مصرية محتملة
توقيت الزيارة يهدف للحدّ من مخاطر اتساع الحرب في ظل تصعيد "إسرائيلي"
متابعات..|
التقى الرئيس اللبناني جوزاف عون مع رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، الذي وصل، صباح الثلاثاء، إلى العاصمة اللبنانية بيروت في زيارة مفاجئة وسط إجراءات أمنية مشدّدة.
وتأتي الزيارة بالتزامن مع زيارة الموفدة الأميركية، مورغان أورتاغوس، إلى لبنان وبعد أيام قليلة من لقاء اللواء رشاد برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة، ما يمنحها بعداً سياسياً وأمنياً بالغ الحساسية في لحظة إقليمية متوترة.
وبحسب ما قاله مصدر مصري مطّلع لـ”العربي الجديد” فإن بيروت تمثّل “أهمية قصوى في الحسابات المصرية”، وأشار المصدر إلى أن زيارة رشاد “تأتي في إطار الدور الإقليمي النشط الذي تضطلع به القاهرة حالياً لإرساء السلام والاستقرار بالتنسيق مع الولايات المتحدة وعدد من الشركاء الإقليميين”.
وأضاف أن “لبنان جبهة أساسية في معادلة التهدئة، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة في سورية والحدود الشمالية، لذلك تسعى مصر إلى المساهمة في الحفاظ على استقرار لبنان ومنع انزلاقه إلى مواجهة مفتوحة”.
والتقى رشاد كذلك مع رئيس الحكومة نواف سلام، ومن المفترض أن يلتقي برئيس مجلس النواب نبيه بري، لبحث ملفات أمنية وسياسية متشابكة تتعلق بالوضع على الحدود الجنوبية ودور الجيش اللبناني في تطبيق القرار 1701، وإمكان استئناف التنسيق العربي لدعم المؤسسات اللبنانية في مواجهة الضغوط الاقتصادية والأمنية.
وأفادت مصادر أن رشاد قد يلتقي قيادة “حزب الله” في اجتماع غير معلن، ما يعزز الطابع السياسي العميق للزيارة.
ويرى مراقبون في القاهرة أن الجولة الحالية تمثل امتداداً للقاءات رشاد الأخيرة في القدس، إذ يُعتقد أنه يحمل رسائل مباشرة وغير مباشرة من إسرائيل إلى الجانب اللبناني، تتصل بتفادي أي تصعيد عسكري جديد على الحدود، خصوصاً بعد تصاعد الاشتباكات خلال الأسابيع الماضية.
غير أن رواية أخرى متداولة في الأوساط اللبنانية تشير إلى أن اللواء رشاد يستطلع الموقف اللبناني من وساطة مصرية محتملة بين لبنان وإسرائيل، هدفها تهدئة التوتر الميداني وإحياء آليات التفاهم القديمة على غرار ترتيبات ما بعد حرب 2006.
وأكدت مصادر مصرية مطلعة لـ”العربي الجديد” أن القاهرة تسعى حالياً إلى توسيع نطاق تحركاتها الدبلوماسية في المشرق، مستفيدة من مكانتها لدى مختلف الأطراف ومن اتصالاتها المفتوحة مع واشنطن وتل أبيب والعواصم العربية.
وأضافت أن مصر “تدرك خطورة اللحظة الراهنة في لبنان وتتعامل مع الملف بوصفه جزءاً من أمن الإقليم، لا من زاوية العلاقات الثنائية فحسب”، مشيرة إلى أن التنسيق الأمني بين القاهرة وبيروت قائم منذ فترة طويلة، وأن الزيارة تأتي “ضمن مقاربة مصرية جديدة تهدف إلى منع تكرار سيناريوهات الفوضى التي شهدتها المنطقة خلال العقد الأخير”.
وتشير مصادر لبنانية متقاطعة إلى أن زيارة رشاد جاءت بعد مشاورات مكثفة بين القاهرة وعدد من العواصم الغربية والعربية، في محاولة لبناء جبهة دبلوماسية عربية موحدة تدعم الاستقرار في لبنان وتمنع تمدد التوتر من غزة وسورية إلى الحدود الشمالية لإسرائيل.
كما تأتي الزيارة في ظل تزايد التحذيرات من احتمال توسع العمليات العسكرية المتبادلة، وارتفاع وتيرة الضربات الجوية في جنوب لبنان، ما جعل من المبادرة المصرية واحدة من المساعي القليلة الجدية لتفادي الانفجار الشامل.
وقال المحلل السياسي المصري والخبير في الشؤون اللبنانية عمرو ناصف في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد” إنّ القاهرة “تتعامل مع الملف اللبناني بواقعية، وتسعى إلى الوصول إلى صيغة توافقية تحفظ استقرار لبنان وتمنع انزلاقه إلى مواجهة شاملة، خصوصاً بعد التطورات التي آلت إليها الأوضاع في سورية، والتمدد الإسرائيلي في جغرافيا ثبت تاريخياً أنها جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي المصري”.
وأوضح “تصوري الشخصي أن خطر ضياع فلسطين، وما جرى ويجري في السودان وليبيا، ثم في سورية، كل ذلك يعني أن مصر ليست في مأمن أبداً من تداعيات الانهيار الإقليمي، ومن ثمّ من الحماقة أن تُحرق أوراق القوة القليلة التي ما زالت المنطقة تمتلكها، وعلى رأسها حركات المقاومة”.
وبحسب المصادر فإن توقيت الزيارة هدفه أولاً، الحدّ من مخاطر اتساع الحرب، إذ أن تصاعد الضربات المتبادلة جنوبي لبنان في الأسابيع الأخيرة، يرفع احتمال الاشتعال الشامل، وهو سيناريو تسعى القاهرة إلى منعه؛ إذ سيقوّض ترتيبات “اليوم التالي” في غزة ويهدد خطوط الملاحة في شرق المتوسط وقناة السويس بصورة غير مباشرة.
وثانياً، تثبيت مكاسب المسار الغزّي، حيث إنه منذ تغيير قيادة المخابرات المصرية في أكتوبر 2024 وتولّي رشاد المنصب خلفاً لعباس كامل، واصلت القاهرة دورها كضامن وراعٍ للمسارات الأمنية مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
وزيارة بيروت تأتي بعد نشاط مصري مكثّف شمل لقاء نتنياهو الأخير، ما يوحي بسعي القاهرة لتفكيك ترابط “جبهة الشمال” مع غزة.
وبحسب المصادر، فإن أجندة الزيارة شملت، رسالة ردع متبادلة و”مقارَبة 1701″، إذ من المرجّح أن تنقل القاهرة إلى المسؤولين اللبنانيين تصوراً عملياً لتثبيت قواعد الاشتباك والعودة الصارمة إلى مندرجات القرار 1701 (وقف الأعمال العدائية، ومناطق خالية من السلاح جنوب الليطاني، ودعم دور اليونيفيل) على نحو يمنع الانزلاق إلى مواجهة واسعة، دون أن يُفهم كإملاء سياسي على بيروت.
وذلك عبر قناة اتصال غير مباشرة مع تل أبيب، حيث إن لقاء رشاد بنتنياهو قبل أسبوع وضع مصر في موقع الوسيط القادر على “اختبار النوايا” ونقل رسائل “خطوط حمراء” بين الطرفين، خصوصًا حول الاستهدافات العمقية ووتيرة الردّ.
وبينما لم تُعلن بيروت رسمياً عن تفاصيل المباحثات، يرى مراقبون أن القاهرة تعمل اليوم على صياغة دور أمني سياسي مزدوج، فهي من جهة تنخرط بعمق في مسار اتفاق شرم الشيخ والمرحلة الثانية من ترتيبات غزة، ومن جهة أخرى تتحرك باتجاه لبنان لتثبيت خطوط التهدئة الإقليمية ومنع تلاقي الجبهات.
وإذا ما نجحت الزيارة في فتح قناة حوار جديدة بين بيروت وتل أبيب عبر الوساطة المصرية، فقد تشكّل خطوة أولى نحو تثبيت هدنة غير معلنة تضمن مصالح جميع الأطراف وتخفف الضغط عن جبهة الجنوب اللبناني.
وكان السفير المصري في لبنان علاء موسى، أكد أن زيارة رشاد إلى بيروت “تندرج في إطار التنسيق السياسي والأمني”، وأن القاهرة “تبذل جهوداً للمساعدة في خفض التصعيد”، محذّراً من أن “اتساع نطاق الهجمات الإسرائيلية وتيرتها يتطلّب اليقظة”؛ وهي تصريحات صدرت من قصر بعبدا.
وقبل الزيارة بأيام، كان رشاد التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 21 أكتوبر/تشرين الأول، في سياق مشاورات إقليمية أوسع حول ترتيبات وقف إطلاق النار والمسار السياسي التالي.
وتمنح هذه المعطيات زيارة بيروت وزنًا إضافيًا بوصفها حلقة ضمن مسعى مصري متزامن على جبهتَي غزة والحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
المصدر: العربي الجديد