كل ما يجري من حولك

تزايد الإشارات الأمريكية الملغومة حول مصير غزة بعد التجويع

286

متابعات..|

قال السيناتور الأمريكي، الجمهوري ليندسي غراهام الأحد، إن “(إسرائيل) تعتزم تغيير تكتيكها لتقوم بما قمنا به في طوكيو وبرلين (في الحرب العالمية الثانية)، بحيث تسيطر بالقوة على غزة بكاملها، ثم تبدأ فيها من جديد، وبما يوفر مستقبلاً أفضل للفلسطينيين، على أمل أن يتولى العرب بعد ذلك أمر الضفة والقطاع”. بعده بساعات، وبعد نفيه وجود مجاعة في غزة، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن “على (إسرائيل) أن تقرّر بشأن الخطوة التالية في غزة”.

في التوقيت والمضمون، كلا التصريحين مثقل بإشارات قاتمة حول مرحلة ما بعد حرب التجويع، خَاصَّة أن هذا الكلام الملغوم يأتي على خلفية انسحاب واشنطن أواخر الأسبوع المنصرم من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، والذي قال ترامب إنه لا يدري ما ستكون عليه الأحوال في القطاع بعد انهيار المفاوضات، من دون ولو أي تلميح، إلى احتمال استئنافها، وكأنه بذلك استبعد العودة إليها، على الأقل في المدى المنظور، وكأن الحرب تقرّر أن يجري دفعها باتّجاه انسداد الحلول، وبالتالي نحو خيارات دراماتيكية.

ما كشف عنه السيناتور غراهام المقرّب من الرئيس ترامب، ومن مطبخ القرار الإسرائيلي، مريب وخطير. المقارنة مع طوكيو وبرلين لا تستقيم. ظروف البداية المزمعة في غزة غير متوفرة، كما كانت آنذاك في ألمانيا واليابان. الولايات المتحدة التي أنزلت الخراب بالبلدين هي نفسها التي ساهمت في نهوضهما، عبر مشروع مارشال في أُورُوبا ومن ضمنها ألمانيا، كما عن طريق المساعدة في إعادة تأهيل اليابان. في حالة غزة هذا غير وارد أصلاً، بل إن (إسرائيل)، أَو على الأقل، الفريق النافذ في حكومتها، يعمل باتّجاه الخلاص من فلسطينيي القطاع، عبر حرب “التطهير العرقي”، وهو تعبير صار متداولاً بصورة متزايدة ليس فقط من جانب أكاديميين وصحافيين إسرائيليين، بل أَيْـضاً من يهود أمريكيين.

والأخطر في طرح السيناتور، أنه يلغي حق الفلسطينيين في تقرير المصير بأي صورة من الصور، إذ يتحدث عن دور عربي “مأمول” لإدارة شؤون الضفة والقطاع، وفي ذلك دعوة ضمنية لمحو الهوية الفلسطينية. قد يكون كلامه غير المسبوق، للإرباك أَو لذرّ الرماد في العيون، لحجب ما يتم تحضيره لغزة. لكن صدور طروحات من هذا العيار في هذه اللحظة المصيرية المفتوحة على سيناريوهات نوعية تشمل تحولات محتملة في الخرائط، يفرض أخذه على محمل الجدّ، خُصُوصاً أن الرئيس ترامب طالب (إسرائيل) “بأخذ القرار” المطلوب. وكأنه في ذلك يعطي الضوء الأخضر من جديد لوضع “البدائل الأُخرى” التي أشار إليها بيان المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف عند إعلان الانسحاب من المفاوضات، موضع التنفيذ.

وهذه “البدائل” ما زالت موضع تكهنات تتراوح بين خيار عسكري نوعي، وبين إجراءات تكون جزءاً من سياسة “تغيير وجه الشرق الأوسط” التي سبق وهدّد بها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. الواضح حتى اللحظة أن التوافق قائم بين نتنياهو والإدارة بشأن غزة. حتى الآن، الإدانة مفقودة، رغم الاعتقاد السائد بأن (إسرائيل) تمارس سياسة التجويع الفاقع. فقط في الكونغرس، جرى إعداد رسالة بتوقيع 20 سيناتوراً لرفعها اليوم الاثنين، إلى وزير الخارجية ماركو روبيو حول الوضع في غزة. الإدارة غطّت على الإحراج، إما بالصمت والتجاهل، وإما بالنكران، رغم تزايد الرفض والنقمة ضد (إسرائيل)، سواء في الإعلام ووسائل التواصل، أَو في المداولات والردود التي شارك فيها الأحد، وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو، خلال استضافة متلفزة أكّـد فيها أهميّة الاعتراف بالدولة الفلسطينية “لإعادة الاعتبار إلى حَـلّ الدولتين”.

صورة الأوضاع المفجعة التي تنقلها الشاشات، خلقت حالة من النفور الواسع، خُصُوصاً في صفوف الرأي العام، حسب ما كشفته أرقام التبرعات المالية لأعضاء الكونغرس، حَيثُ هبط التمويل العام لحملات المؤيدين لـ (إسرائيل)، لكن الإدارة في وادٍ آخر، تُعدّ العدة لترجمة “البدائل” التي لوّحت بها. وبانتظار ذلك، يجري ملء الوقت بهدنات يومية قصير، يتخللها فتح إضافي خفيف لحنفية الإمدَادات الإنسانية، بغرض تنفيس الضغوط، وتخفيف درجة الإحراج.

العر بي الجديد

You might also like