كل ما يجري من حولك

غضب من الانحياز الألماني الفجّ لإسرائيل: اشتراكيون ودبلوماسيون يتمردون

331

متابعات..|

يكبر الغضب في ألمانيا من موقف الحكومة تجاه إمعان إسرائيل في سياسة تجويع الفلسطينيين في قطاع غزة، خُصُوصاً لجهة عدم استخدامها أوراق الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، ولا سيما بعدما امتنع المستشار الألماني فريدريش ميرز عن التوقيع على النداء الدولي لإنهاء الحرب في غزة على الفور، الذي شاركت فيه 30 دولة من بينها بريطانيا وفرنسا، وصدر في 21 يوليو/تموز الحالي.

وأعرب الحزب الاشتراكي الديمقراطي (حزب المستشار السابق أولاف شولتز)، الشريك في الائتلاف الحاكم (مع حزب ميرز “الاتّحاد الديمقراطي المسيحي” وشريكه “الاتّحاد الاجتماعي المسيحي”) عن اعتراضه إزاء سلوك المستشار، بعدم توقيع الحكومة على نداء وقف حرب غزة، على اعتبار أن ذلك بمثابة خطأ فادح في التقدير، مع تضاؤل تفهم موقف برلين على الساحة الدولية تجاه إسرائيل. وأي اعتراض يكون شولتز مشاركاً فيه يبدو غريباً، ذلك أن الرجل أكثر من أرسى خلال توليه رئاسة الحكومة هذا النهج الألماني المؤيد علناً وبشكل فجّ لإسرائيل ولجرائمها.

 

ألمانيا تتجاهل نداء غزة

ونصّت ورقة كتلة نواب “الاشتراكي الديمقراطي” في البوندستاغ (البرلمان الألماني) التي قدمت في 22 يوليو، عقب تجاهل ميرز التوقيع، على أن الوضع في غزة كارثي ويمثل مأساة إنسانية، ووصل إلى نقطة اللاعودة، مطالبين بعواقب واضحة وفورية، ومشدّدين على أنه ينبغي للحكومة الألمانية الانضمام إلى المبادرات على المستوى الأُورُوبي. وقال الأمين العام للاشتراكي، تيم كلوسندورف، في تصريحات لقناة “فيلت” الإخبارية في 23 يوليو، إنه بات يتعين على برلين، بعد أشهر من الانتقادات لأفعال إسرائيل في غزة، من دون أي تأثير، ألّا تتوانى عن هذا النوع من المطالبات لإنهاء الحرب. كذلك فإن المتحدث باسم الشؤون الخارجية في “الاشتراكي”، آديس أهميتوفيتش، والزعيم السابق للكتلة البرلمانية للحزب، رولف موتزينيتش، أرسلا الأسبوع الماضي، رسالة لميرز، ولوزير الخارجية يوهان فاديفول، طلبا فيها حصول تغيير في السياسة المعتمدة تجاه إسرائيل، مقترحين تعليق اتّفاق الشراكة الألمانية الإسرائيلية، وتعليق تصدير الأسلحة لدولة الاحتلال.

وتوازياً مع ذلك، برزت مطالبة مجموعة تضم أكثر من 130 دبلوماسياً في الخارجية الألمانية بنهج أكثر صرامة تجاه إسرائيل، بحسب ما ذكرت صحيفة دير شبيغل في 24 يوليو، وأفيد وفق الصحيفة، بأن مجموعة من الدبلوماسيين الشباب تقف وراء هذه المطالبة، التي أكّـدت الخارجية الألمانية حصولها، وهي تعدّ غير مألوفة داخل الوزارة، فيما تجري محاولة ترتيب اجتماع مع الوزير فاديفول.

وكان ميرز قد دافع عن عدم مشاركة ألمانيا في نداء السلام المشترك؛ مِن أجلِ غزة، معتبرًا أن مثل هذه الدعوات لا تجدي نفعاً، وأن المحادثات المباشرة أكثر فائدة من التصريحات العلنية. وقال المستشار الألماني، الأسبوع الماضي، إنه يطالب على الدوام بوقف التدخلات العسكرية في القطاع، وبوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة بطريقة آمنة. ومن وجهة نظره، يجب إيجاد نظام عملي لما بعد الحرب، مع الأخذ بالاعتبار الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية وحقّ الفلسطينيين في تقرير المصير. وذكّر ميرز الأسبوع الماضي بأن برلين شاركت بفعالية في صياغة النصّ الذي اعتمده المجلس الأُورُوبي في مايو/أيار الماضي، وتحدث عن وجوب وقف إطلاق النار في قطاع غزة فورًا. ويذكر أن قمة الاتّحاد الأُورُوبي في يونيو/حزيران الماضي، دعت أَيْـضاً إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، والإفراج غير المشروط عن جميع المحتجزين الإسرائيليين، وطالبت إسرائيل برفع الحصار بالكامل، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. وكان ميرز قد وصف في تصريحات له صدرت في 18 يوليو نهج إسرائيل تجاه غزة بأنه “لم يعد مقبولاً”.

لكن العضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ولاية بريمن، راينر ديفيرث، قال في حديث لـ”العربي الجديد”، إن رسالة النداء تدين القتل اللاإنساني للمدنيين، وعدم توقيع الحكومة الألمانية عليها يبرهن عن مدى تعجرف ميرز، وبالتالي ازدواجية المعايير عند صنّاع القرار في البلاد. فمن جهة، على حَــدّ قوله، هم يصنفون أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان، ومن جهة أُخرى يتعاملون ببرودة مع ارتكابات نتنياهو بحق الفلسطينيين، وباتوا شهود زور على الجحيم والمأساة التي يعيشها هؤلاء منذ قرابة العامين، وسط الدمار والجوع ونقص الغذاء والماء والرعاية الصحية. وذكّر ديفيرث في حديثه بأن الحكومة الألمانية ترفض تعليق اتّفاقية التجارة بين الاتّحاد الأُورُوبي وإسرائيل، عدا عن أنه يُحافَظ حَـاليًّا على بعض شحنات الأسلحة رغم الإبادة الجماعية وتضور الأطفال جوعاً.

دي تسايت: ليس من السهل على برلين التمييز بوضوح بين التضامن مع الدولة والتضامن مع الحكومة

وبرأيه، فإنه لا مناص من القول إن برلين مطالبة بدعم مثل هذه الأنشطة الدولية لوقف هذه المعاناة في تلك المنطقة من الشرق الأوسط، ولا سيما أن النقطة المهمة في وثيقة الدول الموقعة على نداء وقف الحرب، كانت أكثر حدّة في صياغتها من ورقة المجلس الأُورُوبي، ولا تطالب إسرائيل بتحسين الوضع الإنساني المدمّـر في غزة فقط، بل تحملها مسؤولية مباشرة عن هذا الوضع تحديداً. وختم بأنه لم يعد بالإمْكَان فهم أفعال إسرائيل بوضوح هناك، لكن يبدو أن نتنياهو يخطّط لطرد الفلسطينيين.

من جهته، قال أندرياس شولر، العضو في المركز الأُورُوبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، في حديث لقناة “أيه آر دي” الإخبارية في 23 يوليو الحالي: “أتفهم موقف ألمانيا الخاص، لكن القانون الدولي أَيْـضاً هو إنجاز للمجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. وعليه، يجب القبول به تماماً مثل حق إسرائيل في الوجود”.

في اليوم ذاته، ردّ وزير الخارجية يوهان فادفول، على كُـلّ هذه المطالبات، قائلاً لصحيفة “دي فيلت” إنه لا أحد يستطيع أن يطالب ألمانيا بالتخلي عن إسرائيل المهدّدة من إيران وجماعة الحوثيين (اليمن) وحزب الله (لبنان) وحماس.

 

مصلحة أمنية

وتعليقاً على موقف الحكومة الألمانية من الكارثة الإنسانية في غزة، كتبت صحيفة “دي تسايت” في 23 يوليو “أنه من منظور الواقعية السياسية، ليس من السهل على برلين التمييز بوضوح بين التضامن مع الدولة والتضامن مع الحكومة، لأن كُـلّ الحكومات الإسرائيلية ستظل ذات مصلحة أمنية بالغة الأهميّة في المستقبل، وعلى اعتبار أن القوة العسكرية ضرورة للبقاء، لكن لا يجب التجاهل بأن تلك القوة وحدها لا تضمن أمناً كافياً، فالأمن لا يُخلق بالقوة الصلبة فحسب، بل بالقوة الناعمة بشكل أَسَاسي”. وأضافت: “بعبارة أُخرى، ليس الضعف العسكري فقط ما قد يشكّل مشكلة، إنما الضعف الأخلاقي أَيْـضاً. والدمار الذي تلحقه إسرائيل حَـاليًّا بقطاع غزة يصيب أجيالاً من الفلسطينيين بالصدمة، وهذا بدوره يُرجّح أن يكون أسوأ شرط ممكن لسلام دائم”. وعلى برلين، وفق الصحيفة، “إذا ما أرادت ممارسة نفوذها في الشرق الأوسط والمساهمة في سلام محتمل، أن ترفع صوتها عاليًا ضد انتهاكات حقوق الإنسان، وإلا فإنها ستقزّم نفسها، وعلى المدى المتوسط ستصبح شريكة في الجريمة، وبلا نفوذ لإسرائيل أيضاً”.

وفي خضم ذلك، طالب رئيس المجلس الأعلى للمسلمين، عبد الصمد اليزيدي، في حديث مع “العربي الجديد”، الحكومة الألمانية وجميع الطوائف الدينية في البلاد، والمجتمع الدولي، بتحمل مسؤولياتها والضغط؛ مِن أجلِ السماح الفوري غير المشروط بإدخَال المساعدات الإنسانية لشعب فلسطين، والعمل على الوقف الدائم لإطلاق النار، لأن الأمور لا تحتمل المزيد من الانتظار، وفق تحذيره.

أما زعيمة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر الألماني، كاتارينا دروغه، فدعت في تصريح لشبكة صحف دويتشلاند الألمانية الإعلامية، في 24 يوليو، إلى فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير، لأن كليهما برأيها يدعو بصراحة إلى العنف ضد المدنيين الفلسطينيين والتهجير، ودعم بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ما يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي. وأشَارَت إلى أنه لا بد من موقف واضح من الحكومة الألمانية ووقف صادرات الأسلحة لإسرائيل، معتبرة أنه “إذا كان المستشار ميرز جاداً في كلامه، فعلى ألمانيا التوقيع”. في المقابل، رأى عضو لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ، ستيفان ماير، المنتمي إلى “الاجتماعي المسيحي”، الشريك الأصغر في الائتلاف، في حديث مع موقع “دويتشلاندفونك”، في 23 يوليو الحالي، أن مثل هذه النداءات العامة حسنة النية، ولكنها غير فعّالة.

العربي الجديد

You might also like