“هكذا تحوّل الحوثيون إلى قوة إقليمية” – ديلي صباح التركية
متابعات..|*
نشرت صحيفةُ “ديلي صباح” التركية، مقالًا بعنوان “الحوثيون.. إلى قوة إقليمية”، بقلم أورال توغا.
وناقش الكاتبُ صعودَ جماعة الحوثيين، من “انتفاضة صغيرة في شمال اليمن إلى قوة إقليمية تتحدى الاستقرار الإقليمي”.
وأشَارَ الكاتب إلى أن حركة “أنصار الله” – بدأت في تسعينيات القرن الماضي كصحوة ثقافية ودينية في اليمن، عُرفت باسم “الشباب المؤمن”، ثم تطوَّرت إلى انتفاضة مسلحة بحلول عام 2004، وصلت إلى العاصمة صنعاء في عام 2014، وبحلول عام 2023، برزت على الأجندة الدولية من خلال هجمات مباشرة استهدفت “إسرائيل” والولايات المتحدة.
وأكّـد الكاتب أن حركة الحوثيين تشكلت نتيجةً للتهميش طويل الأمد للسكان الزيديين، وعلى الرغم من أنها تتلقى الدعم من إيران لكنها ليست مرتبطة بها ارتباطا كاملًا.
ويقول: “يأتي صعود الحركة عند تقاطع استراتيجية الوكالة الإقليمية الإيرانية مع البنية الأمنية الخليجية التي شكلتها السعوديّة والإمارات. وبالتالي، فإن الحوثيين هم نتاجُ ديناميكيات اجتماعية وسياسية محلية واستغلال جيوسياسي خارجي”.
ويضيف: “لا يخضعون لتوجيه من قوى خارجية، بل يمثلون كيانًا سياسيًّا هجينًا، تتشكل ملامحه من مزيج من الضرورات الداخلية والتشابكات الإقليمية”.
ويقول الكاتب إن الحوثيين يختلفون عقائديًا عن الشيعة الاثني عشرية، السائدة في إيران. ومن الناحية السياسية فهم “على عكس النموذج الإيراني، حَيثُ لا تتمسك الزيدية بمبدأ الأئمة المعصومين أَو مفهوم السلطة الدينية المطلقة. وتركّز على النشاط السياسي وعلى هيكل ديني أكثر لامركزية، مما يجعلها أكثر تكيفًا مع الظروف السياسية المحلية”.
ويضيف: “اليوم، يسيطر الحوثيون بحكم الأمر الواقع على معظم مناطق اليمن الأكثر اكتظاظًا بالسكان. وبدلاً من البقاء كقوة صغيرة تقليدية، اكتسبوا تدريجيًّا سماتِ كيان سياسي مسلّح يتمتع بقدرة ملموسة على الحُكم وبناء الدولة“.
ويستطرد الكاتب في مسألة العلاقة بين الحوثيين وإيران، فعلى عكس الجماعات الأُخرى المدعومة من إيران، مثل حزب الله أَو قوات الحشد الشعبي في العراق، يحتفظ الحوثيون باستقلالية كبيرة في صنع القرار السياسي، وفقًا للكاتب.
ويقول: “على سبيل المثال، لم يُتخذ قرار الاستيلاء على صنعاء عام 2014 بدعم إيراني، مع أن طهران قبلت بالنتيجة فور تحقّقها. وبالمثل، لم تكن هجماتُ الحوثيين الصاروخية وبالطائرات المسيَّرة على “إسرائيل”، في أعقاب حرب غزة عام 2023، منسقة بشكل متزامن مع إيران، بل يبدو أنها سارت وفقًا لحساباتهم الاستراتيجية الخَاصَّة“.
ويرى الكاتب أن هجمات الحوثيين المباشرة على إسرائيل والولايات المتحدة بعد عام 2023 شكّلت تحوّلاً كَبيراً؛ إذ لم تُرسّخ الحركة نفسَها كفاعل محلي في اليمن فحسب، بل كقوة فاعلة في الأطر الأمنية الإقليمية والعالمية.
ويضيف: “ومن خلال هذه العمليات، لم تسعَ الحركة إلى إظهار التضامن مع الفلسطينيين فحسب، بل سعت أَيْـضاً إلى تصوير نفسها على أنها الطرفُ العربي الوحيد القادر على اتِّخاذ إجراءات عسكرية فعّالة“.
وفي المقابل، استندت هجماتُهم على الولايات المتحدة إلى منطق استراتيجي أكثر مباشرة. فالدور الحاسمُ الذي لعبته اللوجستياتُ والذخائرُ والاستخباراتُ الأمريكية في التدخل، الذي تقودُه السعوديّة في اليمن، وضع الولاياتُ المتحدة كطرف فعلي في الصراع في نظر الحوثيين.
ولم تكن عملياتهم ضد السفن البحرية الأمريكية في البحر الأحمر تهدفُ إلى إظهار الردع فحسب، بل أَيْـضاً إلى إظهار قدراتهم التكنولوجية والعملياتية، وفق الكاتب.
ويرى الكاتب أن من أهم وظائف هذه الهجمات إظهار قدرة الحوثيين، على استخدام أدوات الحرب غير المتكافئة كأدوات مساومة في المفاوضات الاستراتيجية الإقليمية، معتبرًا أن تعطيل حركة الملاحة البحرية التجارية عبر البحر الأحمر وسيلة لممارسة الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على الخصوم فقط.
واختتم: “لقد وسّعت الهجماتُ على إسرائيل والولايات المتحدة نطاقَ حضور الجماعة الإقليمي؛ مما أَدَّى إلى دمج الحوثيين في النظام الأمني الآخذ في التبلور، الممتد من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر. واليوم، تجاوزت حركة أنصار الله حدود السياسة اليمنية المحلية لتصبح طرفًا هجينًا يتمتع بخصائص الدولة. إنها قوة لا تتحدى الوضع الراهن في اليمن فحسب، بل تتحدى أَيْـضاً النظام الإقليمي ككل“.
* بي بي سي عربي عن ديلي صباح التركية.. بتصرُّف يسير