مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكية: لهذا السبب وافق الحوثيون على وقف الهجمات البحرية رغم استمرارهم بالحرب ضد “إسرائيل”
متابعات..|
في تحليل جديد نشرته مجلة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية، زعم الباحث العسكري الأمريكي جيمس هولمز أن الهجمات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد اليمن قد ساهمت جزئيًا في دفع صنعاء إلى القبول بوقف إطلاق النار المؤقت في البحر الأحمر، لكن دون أن يرقى ذلك إلى تحقيق “سلام حقيقي” أو وقف شامل للعمليات.
في حين أن الهجمات الأمريكية لم تزد صنعاء إلا إصراراً أكثر على موقفها وتوسيع جبهتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل وزيادة قدراتها العسكرية والتسليحية بما يتناسب مع المعركة ضد العدو الأمريكي ومن ذلك تطوير البرنامج الصاروخي الباليستي لاختراق منظومات الاعتراض الأمريكية المنصبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة “ثاد”، وتطوير الدفاعات الجوية اليمنية للتصدي للطيران الأمريكي لدرجة بلغت هذه القدرات تهديد المقاتلات الشبحية إف٣٥، وقاذفات الشبح الاستراتيجية B2.
ووفق التقرير، فإن وقف القوات اليمنية هجماتها على السفن العابرة في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب لا يعكس بالضرورة هزيمة عسكرية أو رضوخاً كاملاً للضغوط الأمريكية، وإنما يُقرأ في سياق حسابات استراتيجية واقعية لحركة أنصار الله. إذ يشير هولمز إلى أن الحملة الجوية – رغم أنها لم تكن كاسحة أو حاسمة – قد رفعت كلفة استمرار هذه الهجمات على صنعاء في جانب معين من معركتها، في وقتٍ لم تحقق فيه تلك الهجمات ضغطاً كبيراً على إسرائيل، الهدف الرئيسي للعملية، حسب ما قاله هولمز.
لكن اعتقادات هولمز خاطئة، ففي الحقيقة أدت العمليات اليمنية في البحار إلى فرض حظر ملاحي كامل على الاحتلال الإسرائيلي، وهذا الحظر أدى لإغلاق ميناء إيلات بشكل كامل وإعلان إفلاسه وتسريح أغلب عمالته، وبالتالي فإن اعتقاد هولمز بأن الجبهة اليمنية في البحر لم تكن فاعلة وتحقق ضغطاً على الكيان الصهيوني هو اعتقاد خاطئ كلياً.
القوة الجوية لا تحسم المعركة
وبالعودة إلى المفاهيم العسكرية التقليدية، يستشهد هولمز بمقولات الأدميرال “وايلي” والخبير العسكري البروسي “كلاوزفيتز” لتأكيد أن القصف الجوي لا يمكن أن يحقق النصر بمفرده دون توافر عنصر السيطرة الأرضية. ويشير إلى أن الطائرات الأمريكية والبريطانية قامت بعمليات قصف مستمرة، لكنها لم تنجح في فرض سلام أو تغيير جذري في المعادلة. وفي أفضل الأحوال، دفعت القيادة في صنعاء إلى إعادة تقييم جدوى استمرار الجبهة البحرية كأداة ضغط فعالة في ظل الخسائر المادية وتكاليف الدفاع، بحسب اعتقاد الكاتب.
أنصار الله لم يتوقفوا عن مهاجمة إسرائيل
التقرير يلفت إلى أن القوات اليمنية لم توقف عملياتها بشكل كامل، بل ما زالت تطلق صواريخ وطائرات مسيّرة نحو إسرائيل، ما يعني أن وقف الهجمات البحرية لم يكن نتيجة هزيمة عسكرية، بل “حسابًا منطقيًا” ضمن استراتيجية أوسع تتيح إعادة توجيه الموارد إلى أهداف أكثر أهمية.
واشنطن عاجزة رغم التفوق الجوي
ومنذ أكتوبر 2023، شنّت القوات الأمريكية والبريطانية عمليات عسكرية جوية وصاروخية واسعة ضد اليمن تحت غطاء حماية الملاحة الدولية. ومع ذلك، لم تنجح هذه الحملة في وقف هجمات صنعاء، مع تكبّد واشنطن خسائر في المعدات وإسقاط أكثر من 7 طائرات مسيّرة أمريكية من طراز MQ-9، واقتراب صواريخ القوات اليمنية من إسقاط مقاتلة أمريكية من طراز F-35، بحسب تقرير نيويورك تايمز.
وبالرغم من التفوق العسكري الساحق، لم تستطع الولايات المتحدة إجبار صنعاء على وقف عملياتهم إلا بعد تكبيدها كلفة متزايدة في البحر الأحمر، ما يعكس، بحسب محللين، تحوّلاً في ميزان الردع الإقليمي، إذ باتت واشنطن عاجزة عن فرض إرادتها على جماعة تصفها بـ”المتمردة” رغم تفوقها الجوي والتقني الكبير.
وقف مؤقت وليس سلامًا
بحسب المقال، فإن “وقف إطلاق النار” الذي وافقت عليه صنعاء لا يُمثل نهاية للحرب، بل مجرد وقفة تكتيكية أعادت توزيع الجهد العسكري لصنعاء نحو أهداف أكثر فاعلية. ومع بقاء الدوافع السياسية والعسكرية للصراع قائمة، خاصة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، فمن غير المرجح أن يكون هذا الاتفاق نهاية للصراع البحري في المنطقة.