لـ “إسرائيل” القول الفصل في نوايا «نووي سعودي»
متابعات..| تقرير*
تبدو أجندة زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السعودية مزدحمة بالفعل؛ إذ يُتوقّع أن يتمّ خلالها التصديق على الاستثمارات السعودية البالغة 600 مليار دولار، والتي يُتوقع أن يذهب جزء كبير منها إلى مبيعات الأسلحة، وشركات التكنولوجيا الأميركية، وربما حتى إلى مشاريع رياضية، فيما لا يُستبعد إعلان اتفاق أولي بشأن برنامج سعودي للطاقة النووية المدنية، كان وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، قد ناقشه مع مسؤولي المملكة خلال زيارته للرياض منتصف نيسان الماضي.
والواقع أن السعودية لم تُخفِ يوماً رغبتها في تطوير خبرات نووية، وأعلنت أنها تسعى، ضمن «رؤية 2030»، إلى تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز الاعتماد على تلك المتجددة والنظيفة منها. ومنذ عام 2012، تَجري محادثات بين البلدين بشأن إمكانية التوصل إلى «الاتفاقية 123» للتعاون النووي، بحسب «الجمعية المعنية بمراقبة التسلح» (Arms Control Association).
وخلال زيارته الأخيرة للسعودية، شدد رايت على أن تلبية متطلبات «الاتفاقية 123» ضرورية للتوقيع مع المملكة على نموذج مماثل؛ وفي ذلك إشارة إلى القسم الذي يحمل الاسم نفسه من قانون الطاقة الذرية الأميركي لعام 1954، والذي يشترط وجود ضمانات رسمية لمنع الانتشار النووي قبل أن يُسمح للوكالات أو الشركات الأميركية بالمساهمة في إنشاء صناعة نووية مدنية في أي بلد، ويتضمّن حظراً صريحاً على تخصيب المواد النووية أو إعادة معالجتها، كما ويفرض على الدول الموافقة على استيراد وقود المفاعلات عوضاً عن إنتاجه محلياً.
وفي هذا الإطار، يجزم الباحث والكاتب السياسي، فؤاد إبراهيم، في حديث إلى «الأخبار»، أن «أي اتفاقية نووية بين واشنطن والرياض سوف تكون مشروطة بالخضوع الكامل للإشراف الأميركي»، مضيفاً أن «التخصيب سوف يكون في أميركا وليس في السعودية». أما عن الثمن المقابل، فلن يقتصر، بحسب إبراهيم، على الأموال التي ستضخها المملكة في الاقتصاد الأميركي، بل سيتعدّاها إلى أثمان سياسية «ليس أقلّها التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، في حال موافقة الكيان على السماح للسعودية بامتلاك برنامج نووي»، وذلك رغم أن إدارة ترامب بعثت بإشارات إلى استعدادها للفصل بين هذَين المسارَين.
وهي إشارات أثارت قلقاً في إسرائيل، عبّر عنه مثلاً زعيم المعارضة، يائير لابيد، الذي رأى أنه «ينبغي لإسرائيل أن تطالب الولايات المتحدة، صديقتنا الأقرب، بأن يحظر أي اتفاق للتعاون النووي مع السعودية، صراحة، تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية».
سعي السعودية إلى الحصول على برنامج نووي ليس وليد اللحظة
كذلك، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، في 15 نيسان الماضي، عن العضو السابق في «مجلس الأمن القومي الإسرائيلي»، يوئيل جوزانسكي، وهو زميل بارز في «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن، قوله إن «التعاون النووي بين الولايات المتحدة والسعودية يهدد بتهميش أهداف التطبيع الإسرائيلية، ما يجعل المنطقة عرضة لطموحات نووية سعودية غير مقيدة وسط الجمود الناجم عن حرب غزة»، فضلاً عن تداعيات الاتفاق على «أمن إسرائيل».
وكانت قد ذكرت تقارير سابقة أن التكنولوجيا النووية الأميركية مثلت مطلباً سعودياً خلال مناقشات تطبيع العلاقات مع الكيان، إضافة إلى ضمانات أمنية أميركية، وإمكانية الحصول على معدات وتكنولوجيا عسكرية من الطراز الأول، وهو ما كان قد تأجل منذ عام 2023 بسبب حرب غزة، وفقاً لما يرد في «معهد واشنطن». كما كانت صحيفة «هآرتس» قد نقلت، في أيار 2023، عن مصادر إسرائيلية قولها إن «إبرام اتّفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية له شروط بينها حصول المملكة على أسلحة أميركية متطورة، وموافقة الولايات المتحدة على “برنامج نووي مدني” تنشئه الرياض، وهو ما ترفضه تل أبيب، كون نيل السعودية أسلحة متقدّمة “يخلّ بالتفوّق النوعي العسكري الإسرائيلي في المنطقة”».
وهنا، يوضح إبراهيم أن «منح الولايات المتحدة برنامجاً نووياً مدنياً للسعودية، مشروط بأن لا يحمل أي تهديد لا الآن ولا في المستقبل للأمن الإسرائيلي»، واصفاً حديث رايت في هذا الشأن بأنه «أشبه ما يكون بإعلان تمويل سعودي لمشروع استثماري أميركي». على أن التقدم في المسار النووي السعودي سيواجه تحدياته الخاصة به، بغض النظر عن الحرب الدائرة في غزة والمفاوضات مع إيران، بحسب ما يعتقده مدير «برنامج برنشتاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن»، سايمون هندرسون، موضحاً أن «الولايات المتحدة لم تعد فاعلة في بيع محطات الطاقة النووية المدنية، بينما يتم تشغيل محطة الطرد المركزي المحلية الرئيسية من قبل تحالفات استثمارية أوروبية».
والجدير ذكره أن سعي السعودية إلى الحصول على برنامج نووي ليس وليد اللحظة؛ فمنذ عام 2008، كانت أولى الخطوات على هذا الطريق عندما وقّعت المملكة مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة ضمن مبادرة «الذرّة من أجل السلام»، ثم أتبعت ذلك بتأسيس «مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة» في عام 2010. وفي 2011، أعلنت نيتها بناء 16 مفاعلاً خلال عقدين، قبل أن توقّع في 2015 اتفاقيات مع كوريا الجنوبية وروسيا لبناء مفاعلات نووية، وتدشّن في 2018 ما سمّته «أول مفاعل نووي بحثي سعودي» للأغراض العلمية والتدريبية.
ورغم أن غالبية تلك الخطوات اقتصرت على الشق الكلامي، إلا أن وكالة «بلومبيرغ» كشفت، في 3 نيسان 2019، عن صور من الأقمار الصناعية تظهر بناءً صناعياً سرياً في موقع المفاعل النووي في مدينة الرياض. وحينها، أشارت الوكالة إلى أن «الصور تثير قلق خبراء الحدّ من التسلح، لأن السعودية لم توقّع بعد على الإطار الدولي للقواعد التي تتبعها القوى النووية الأخرى لضمان عدم استخدام البرامج النووية المدنية لصنع أسلحة». وأضافت أن «مزوّدي الوقود النووي لن يتحركوا لتزويد الوحدة السعودية حتى يتم إنهاء ترتيبات المراقبة الجديدة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا».