كل ما يجري من حولك

خيارات نتنياهو أكثر ضيقاً| أمريكا نحو ضغوط «محسوبة» على “إسرائيل”

72

متابعات..| تقرير*

في ظلّ الخلافات المتفاقمة بين الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تتزايد الشكوك في رهان تل أبيب على القوة العسكرية لإعادة تشكيل الواقع الإقليمي. فبينما تصرّ إسرائيل على مواصلة الحرب على قطاع غزة، وترى فيها أساساً للتغيير السياسي والاستراتيجي الذي سيفتح الطريق أمام التطبيع مع الإقليم ومواجهة التهديدات الإيرانية، تتّجه الإدارة الأميركية نحو حلول دبلوماسية مباشرة مع خصوم الكيان وأعدائه، من «حماس» إلى «أنصار الله» وإيران، وحتى ربطاً بالساحة السورية وتركيا، بعيداً عن الأولويات والمصالح التي تحدّدها حكومة إسرائيل وائتلافها المتطرّف.

وإذ يعكس ذلك أزمة ثقة حقيقية بين الجانبين، فهو لا يعني في أي حال انتهاء الشراكة، مع التأكيد أنه ستكون له تأثيرات مباشرة في أكثر من ملف إقليمي، وفي المقدّمة حرب غزة، التي باتت تمثّل عبئاً ثقيلاً على الإدارة الأميركية ومصالحها وتطلّعاتها للمنطقة، خاصة بعد دعمها غير المحدود للمحاولات الإسرائيلية العسكرية للوصول إلى «الانتصار المطلق»، والذي لا يزال مستعصياً.

وتَمثّل آخر تجلّيات هذا الخلاف في الاتفاق الذي أفضى إلى إطلاق سراح الأسير الأميركي – الإسرائيلي عيدان ألكسندر، من دون علم أو تنسيق مسبق مع تل أبيب، التي فوجئت بإتمام الصفقة. وفي ظل المبالغات التي أحاطت بهذا التطوّر، يجدر التنبيه ابتداءً إلى أن الفجوة القائمة اليوم هي بين حكومة نتنياهو وإدارة ترامب، لا بين الولايات المتحدة و»إسرائيل الدولة»، ما يعني أن العلاقة بين الطرفين لا تزال استراتيجية وعميقة ومتّفقاً عليها في أغلب الأوساط السياسية الأميركية. كما أن التعاون العسكري والاستخباري قائم من دون انقطاع، فيما يبقى الدعم الأميركي لأمن إسرائيل القومي ووجودها، راسخاً.

غير أن ذلك لا يعني أن واشنطن ستواصل دعم كل السياسات الإسرائيلية، خاصة تلك التي تتعارض مع أولوياتها الإقليمية، إذ في حال استمرار حكومة نتنياهو في نهجها المتصادم مع هذه التوجّهات، سواء في الملف الإيراني، أو في الحرب على غزة، أو في ما يخصّ إعادة تشكيل التحالفات مع دول الخليج، فإن الإدارة الأميركية لن تتردّد في اتخاذ خطوات أحادية، وحتى من دون تنسيق مع تل أبيب. وهذا ما عكسته مفاوضاتها الأخيرة مع حركة «حماس»، وسعيها المتواصل لإبرام اتفاق نووي جديد مع إيران، يتجاوز إملاءات حكومة نتنياهو، كما يتعارض مع خيار التصعيد العسكري الذي تحضّ عليه الأخيرة. كذلك، تعمل واشنطن على بلورة ترتيبات سياسية وأمنية في غزة تُنهي الحرب من دون تحقيق النتيجة التي تطمح إليها إسرائيل منذ أشهر، وهي «الانتصار المطلق».

أمام نتنياهو خيارا الانخراط في المسار الجديد أو المواجهة المفتوحة ودفع ثمن سياسي وشعبي

باختصار، إدارة ترامب ملتزمة تماماً بالعلاقة الاستراتيجية مع «إسرائيل الدولة»، لكنها ترفض تسييس هذه العلاقة أو استخدامها أداة لعرقلة مصالح الولايات المتحدة الكبرى في المنطقة. وهي تُمارس ضغوطاً واضحة على حكومة نتنياهو، وتطالبه بتخفيف حدّة الحرب، والانخراط في تسوية دبلوماسية تتضمّن وقفاً طويل الأمد لإطلاق النار، كمدخل لتفاهمات أوسع مع خصوم تل أبيب وشركاء واشنطن في الخليج. غير أن نتنياهو لا يزال يقاوم هذه الضغوط، ويعدّ التجاوب معها بمثابة تنازل استراتيجي يهدّد استقرار حكومته، ما يدفع الإدارة الأميركية إلى تصعيد غير مُعلن، يشمل تسريبات متعمّدة عن حجم التباين بين الجانبين.

من جهتها، تستغل حركة «حماس» هذه اللحظة لتحقيق مكاسب دبلوماسية وسياسية، وهو ما يفسر إفراجها عن الجندي الأميركي – الإسرائيلي «من دون مقابل»، في ما أربك الحسابات السياسية والعسكرية لتل أبيب، إذ إن من أبرز تداعياته المحتملة تأجيل أو إلغاء العملية العسكرية الواسعة التي كانت إسرائيل تخطّط لها على مدى عام كامل، بالإضافة إلى تعزيز مكانة «حماس» كطرف في المسار الدبلوماسي الناشئ، وتوسيع الشرخ بين واشنطن وتل أبيب، ومنح الجهود الأميركية زخماً جديداً لفرض التهدئة كخيار إلزامي لا رجعة فيه.

كما يؤدي هذا التطوّر إلى إضعاف موقع نتنياهو، داخلياً وخارجياً، بعدما تبيّنت محدودية خياراته في مواجهة الضغوط الأميركية، حيث بات اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانصياع لمطالب واشنطن، أو المضي في طريق تصعيد سياسي داخلي وسط انقسام شعبي متزايد. وما بين المسارين، من المرجّح، بحسب المعطيات الأخيرة، أن يؤْثر نتنياهو الانحناء المؤقت، عبر القبول بمسار تفاوضي مرحلي، خاصة إذا ما تمّ فرضه أميركياً. وقد تكون «خطة ويتكوف» التي تنصّ على وقف إطلاق نار لـ70 يوماً، تمهيداً لاتفاق تبادل أسرى، هي الإطار العملي لهذا المسار، الذي لمّح إليه نتنياهو في بياناته الأخيرة.

لكنّ هذا الانخراط في التسوية لا يعني التخلّي الكامل عن الخيار العسكري، الذي سيبقى حاضراً في خطابات المسؤولين الإسرائيليين، ويُستخدم كورقة ضغط في المفاوضات. كما من المرجّح أن تستغل إسرائيل مرحلة التهدئة المفترضة لتعطيل تنفيذ بنودها، أو انتظار متغيّرات إقليمية ودولية، تسمح لها باستئناف العمليات العسكرية من جديد. وفي غضون ذلك، سيواجه نتنياهو اعتراضات من شركائه في الائتلاف الحاكم، الرافضين لأي تسوية مع «حماس». إلا أن تاريخه السياسي يُظهر براعته في التكيّف مع الضغوط عبر خطوات تكتيكية، يعود بعدها إلى المماطلة والتنصّل.

ولذا، فإن قبوله بأي اتفاق سيكون على الأرجح مرحلياً ومشروطاً، مع رهان على نسفه لاحقاً، سواء خلال مرحلة التنفيذ أو بعدها. على أن هذه الاستراتيجية التي اعتاد نتنياهو استخدامها، قد لا تكون فعّالة كما في السابق، في ظل إدارة أميركية أكثر حزماً وأقلّ استعداداً لتقديم التنازلات. وإذا ما قرّرت واشنطن إنهاء الحرب تماماً، فإن الضغوط داخل إسرائيل ستتصاعد، ليس فقط من الرأي العام أو من عائلات الأسرى، بل أيضاً من داخل الائتلاف نفسه، وخصوصاً من الشركاء الأقلّ تطرّفاً، والذين قد يجدون في وقف القتال فرصة للنجاة السياسية.

* الأخبار
You might also like