«الاحتلالُ الصامت» باقٍ| لا بوادر انسحاب تركي من العراق
متابعات..| تقرير*
فتح إعلان حزب «العمال» الكردستاني رسمياً حلّ نفسه وتسليم سلاحه، الباب أمام تساؤلات مصيرية حول مستقبل توازنات القوى في المنطقة، وعلى وجه الخصوص، في شمال العراق، حيث لا تزال القوات التركية تحتفظ بوجود عسكري واسع تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. ولقي القرار ترحيباً من القوى السياسية العراقية، وسط تساؤلات عما إذا كانت بغداد ستستثمر الحدث للضغط من أجل إخراج تلك القوات. وعلى الرغم من انتهاء مبرّر الوجود التركي العسكري، إلا أنه لا مؤشرات حتى الآن إلى نية أنقرة تفكيك قواعدها أو سحب جنودها. وبحسب تقارير محلية ودولية، تمتلك تركيا ما لا يقل عن 40 قاعدة وموقعاً عسكرياً في شمال العراق، تشمل قواعد رئيسية مثل «بعشيقة» (زليكان) قرب الموصل، ونقاط تمركز على قمم جبلية استراتيجية في مناطق مثل زاخو والعمادية ومتين، ونقاط مراقبة متقدّمة، ومراكز استخباراتية.
واستُخدمت هذه القواعد ضمن عمليات عسكرية مستمرة حملت أسماء متعددة، أبرزها: «مخلب النمر «(2020) و»مخلب النسر» (2020) و»مخلب السيف» (2022)، وعمليات موسمية متكرّرة تستهدف ما تصفه تركيا بـ»تطهير الحدود من الجماعات الانفصالية». وبالتزامن مع الإعلان الرسمي عن حلّ الحزب، طالبت قيادات سياسية ومجتمعية عراقية باستثمار الفرصة لإنهاء الوجود العسكري التركي.
ودعا الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، في بيان، «الحكومة العراقيّة والبرلمان العراقي إلى متابعة تطبيق عملية السلام، وتقديم كل ما يستطيعان من إمكانات لضمان نجاحها، لما فيه من مصلحة عليا للعراق وحفظ أمنه وسيادته». لكنّ تصريحات مسؤولين عراقيين أشارت إلى أن أنقرة طلبت ضمانات أمنية مقابل سحب قواتها، وأن تركيا باتت تنظر إلى شمال العراق ليس فقط كمنطقة أمنية، بل كمجال استراتيجي حيوي ضمن عقيدتها الجديدة في الأمن القومي الخارجي، والقائمة على التدخّل الاستباقي.
لا مؤشرات حتى الآن إلى نية أنقرة تفكيك قواعدها أو الانسحاب من شمال العراق
وفي هذا الإطار، يقول الخبير العسكري العراقي، عبد الستار العيساوي، إن «أنقرة وسّعت وجودها العسكري في العراق تدريجياً، وحوّلته من عمليات محدودة إلى تمركز دائم يشبه الاحتلال الصامت»، مشيراً إلى أن «ضعف الموقف الرسمي العراقي، والانقسام داخل إقليم كردستان، أعطيا تركيا هامشاً كبيراً للتحرّك من دون رادع». ويرى العيساوي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «انسحاب تركيا صعب في ظل تحركاتها الجديدة في المنطقة ولا سيما في سوريا، ناهيك عن غياب الموقف العراقي الموحّد (بغداد وأربيل) والدعم الدولي للسيادة العراقية».
مع ذلك، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علي البنداوي، أن «الحكومة والبرلمان عازمان على إنهاء التواجد التركي وجميع القوات العسكرية الأجنبية في البلاد»، لافتاً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «تركيا كانت تتحجّج أثناء شن غاراتها بوجود مجاميع معادية لها، بينما في الوقت الحالي هناك استقرار أمني، ويجب عليها أن تتعاون في ملف مسك الحدود وحماية الأمن القومي للدولتين العراقية والتركية». ويضيف أن «سيادة العراق هي أولوية، وفضلاً عن ذلك هناك لجان متخصّصة في متابعة الأمر، ولا نستبعد أن يكون رئيس الحكومة العراقية الذي زار أنقرة الأسبوع الماضي، قد فاتح الرئيس التركي بأهمية أمن البلدين وعدم شن عمليات عسكرية وغير ذلك من الأمور، بما يضمن حق وسيادة كلتا الدولتين».
* الأخبار