الساحلُ السوري لا يأمن| 2000 مسلّح أجنبي في اللاذقية
متابعات..| تقرير*
تتّجه الأنظار مجدّداً نحو محافظة اللاذقية، حيث سجّلت الأيام الأخيرة مؤشّرات مقلقة إلى تصاعد الحوادث الأمنية وتنامي الخوف الشعبي هناك، بعد مرور شهرين على مجازر الساحل. ومنذ بداية الشهر الجاري، وثّق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل 11 شخصاً، بينهم طفلان، في عمليات تصفية واغتيال داخل المحافظة، ما يعكس استمرار حالة الانفلات في منطقة لم تلتئم جراحها بعد، وفي وقت لا تزال فيه البلاد ترزح تحت هشاشة أمنية وصراعاتٍ متعدّدة المستويات.
الشبابُ حذرون… والاعتقالات مستمرّة
«نتبادل أنا ورفاقي يومياً على مجموعة واتساب آخر أخبار الخطف والقتل لتجنّب الأماكن المذكورة، ومنذ آذار صارت مسارات حركتنا أضيق فأضيق»، يقول «محمد» (اسم مستعار)، وهو طالب في «جامعة تشرين»، واصفاً بذلك الواقع الأمني المتدهور في المدينة. ولم يتمكّن الشاب من إيقاف تسجيله في الجامعة بعدما علّقت الأخيرة هذا الإجراء، إثر الارتفاع غير المسبوق في طلبات «إيقاف التسجيل» – والناجم عن تداعيات مجازر الساحل في مطلع آذار -، ما أجبر العديد من الطلاب على متابعة دراستهم وسط مخاوف حقيقية من التعرض للعنف أو الاستهداف. وكان عناصر من الأمن العام اعتقلوا ثلاثة شبّان من قرية إسطامو في ريف جبلة، واقتادوهم إلى جهة مجهولة من دون إعلان الأسباب، الأمر الذي أثار قلق ذويهم. كذلك، لا يزال مصير معتقل آخر من سكان حي الرمل الشمالي في مدينة اللاذقية مجهولاً، وسط غياب تام للمعلومات الرسمية بشأن التهم الموجّهة إليه أو مكان احتجازه.
جريمة في زاما… وغموضٌ يلفّ الجناة
من بين أكثر الحوادث دموية خلال الشهر الجاري، برزت الجريمة التي وقعت في قرية زاما في ريف جبلة، حيث فتح مسلحون مجهولون، يستقلّون سيارتين بلوحتين من لوحات إدلب، النار على مدنيين بالقرب من «اللواء 107»، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، بينهم طفل، بحسب «المرصد السوري». وفيما وجّهت مصادر محلية أصابع الاتهام إلى فصيل مسلّح متمركز في المنطقة، نفى نور الدين بريمو، مدير العلاقات الإعلامية في محافظة اللاذقية، في حديثه إلى «الأخبار»، هذه الرواية، قائلاً إن «الحادثة نفّذها مسلحون خارجون عن القانون، يستقلّون سيارتين من نوع كيا 4000 وبورتر، ولم تكن نُمرهما واضحة»، ولافتاً إلى بدء تحقيقات رسمية وتعقّب للجناة. وفي ما يتعلّق بأصوات إطلاق النار الكثيف التي سُجّلت في المدينة، أول أمس، وأثارت الذعر بين السكان، أشار بريمو إلى أنها ناجمة عن «تدريبات عسكرية»، علماً أن المدينة شهدت أخيراً هدوءاً نسبياً، تزامناً مع زيارات ميدانية نفّذها المحافظ الجديد إلى عدد من الأحياء المتوتّرة.
خريطة الفصائل وانتشار النفوذ
فيما تعيش المحافظة تحت وطأة فوضى أمنية وعمليات انتقامية، بلغت ذروتها في مجازر 7 و8 آذار، والتي أودت بحياة نحو ألفَي شخص، تشير تقديرات ميدانية إلى وجود ما بين 4 و5 آلاف مسلّح ينتشرون في ثلاث نقاط رئيسية، تمتد بين قرفيص في ريف جبلة وسقوبين داخل المدينة. ومن بين هؤلاء نحو 2000 مقاتل من الإيغور والتركستان، أي ما يقارب الثلث من إجمالي المسلحين.
وتتمثّل النقاط الرئيسية المشار إليها، في الآتي:
1. ثكنة سقوبين: وهي قاعدة دفاع جوي سابقة للجيش السوري قرب مدينة اللاذقية، كانت قد تعرّضت لغارات إسرائيلية خلّفت دماراً واسعاً عقب سقوط نظام بشار الأسد.
2. «اللواء 107» قرب قرية زاما: لواء سابق للصواريخ البحرية، تعرّض للتدمير بغارات إسرائيلية في 16 كانون الأول، ويُعتقد بأنه استُخدم في الماضي لنقل صواريخ إلى المقاومة اللبنانية خلال حرب تموز، قبل أن تتمركز فيه حالياً مجموعات مسلّحة تتبع للإدارة السورية الجديدة.
3. قرية قرفيص: هي قرية ذات رمزية دينية لدى الطائفة العلوية، وتُشرف استراتيجياً على أوتوستراد اللاذقية – طرطوس، وعلى نهر السن، أحد أبرز الموارد المائية في المحافظة.
وبينما تتباين الروايات بين الجهات الرسمية وشهادات الأهالي، يبقى المشهد الأمني في اللاذقية، التي كانت تُعدّ يوماً من أكثر المحافظات استقراراً، موضع قلق ومتابعة دقيقة. وفي وقت تتكثّف فيه الدعوات إلى ضبط الانفلات ومحاسبة المتورّطين في حوادث العنف، يعلّق السكان آمالهم على خطوات جادّة تعالج جذور الفوضى، وتعيد الحدّ الأدنى من الطمأنينة إلى حياتهم اليومية التي أرهقها القلق.