الفوضى القاتلة تتمدّد في سوريا: عشرات القتلى في حمص خلال شهر
متابعات..| تقارير*
شكّلت مدينة حمص وأريافها، منذ عام 2011، مسرحاً لتوترات طائفية تُرجمت بعمليات خطف وتصفيات وحالات انتقام فردية، سرعان ما اتّخذت، مع الوقت، بعداً تنظيمياً وأكثر تطرفاً. واليوم، تشهد المدينة تجييشاً طائفياً شبيهاً، سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو من خلال تظاهرات ترفع شعارات طائفية على الرغم من تواجد عناصر من «جهاز الأمن العام»، ما يثير تساؤلات حول أسباب «السماح للمتجمّعين برفع شعارات من شأنها تأجيج أعمال العنف».
وانتشرت، أخيراً، عبر منصة «فيسبوك»، مقاطع فيديو لتظاهرات في أحد أحياء المدينة، وأخرى داخل السكن المخصّص للطلاب في جامعة حمص، والتي شهدت انتشاراً أمنياً مكثّفاً بعد فض تجمعات طالبية أطلقت هتافات طائفية واستهدفت طلاباً من محافظة السويداء، ما أدّى إلى إصابة أحدهم. وحتى اللحظة، لم يصدر أي تعليق حول مصير المعتدين أو كيفية التعامل معهم.
وتعقيباً على ذلك، تشير إحدى الناشطات في العمل المدني والإنساني، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنه على الرغم من أنّه في عام 2011، كان استخدام السوريين لمنصات التواصل الاجتماعي ومعرفتهم بها بدائييْن، إلا أنّها أثّرت بشكل كبير في الحراك. واليوم، مع انتشار أدوات السوشال ميديا، ووصولها إلى فئات عمرية وتعليمية مختلفة، زادت المخاطر التي تترتّب على أي محتوى أو خطاب ينتشر عليها. وتشدّد الناشطة على ضرورة احتواء مثل تلك المخاطر من خلال نشر الوعي، ولا سيما في المدارس والجامعات وعبر وسائل الإعلام، حول ضرورة وقف دوامة العنف، جنباً إلى جنب إعلاء سلطة القانون، والتي يجب أن تطاول كل أطراف القتال، بما في ذلك أولئك المحسوبون على الحكم الجديد، لتجنب «الغرق في مستنقع الدم مرة جديدة».
وتأتي هذه التحذيرات في خضمّ الارتفاع في صفوف قتلى أعمال العنف؛ إذ إنّه خلال نيسان فقط، قُتل أكثر من 50 مواطناً، بينهم 6 سيدات وطفل، إثر عمليات انتقامية حملت طابعاً طائفياً في محافظة حمص، سُجّل معظمها ضد مسلحين مجهولين، فيما أكّدت مصادر لـ«الأخبار» أن معظم الضحايا سقطوا خلال عمليات اعتقال وتصفية شنّتها قوات «الأمن العام» داخل المدينة. ومن جهته، أشار رامي عبد الرحمن، مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، إلى أن «الانتهاكات ضد المدنيين، خاصة في حمص، في حالة ازدياد، ما يشير إما إلى عجز السلطات السورية عن ضبط الأمن أو عدم رغبتها في ذلك».
وشهد يوما الخميس والجمعة الماضيان الأعمال الأعنف في المدينة، بعدما تمَّ توثيق مقتل 7 شبان من أصل 14، كانوا قد اعتُقلوا في وقت سابق، وذلك خلال حملة أمنية شنّتها بعد منتصف الليل قوات «الأمن العام» في حيَّي كرم اللوز ووادي الذهب. وعُثر على جثامين ثلاثة من الضحايا في مشافي الوعر والوليد والرعاية الطبية، فيما وُجد الباقون بالقرب من مناطق سكنية، ومن بينهم الطالب الجامعي محمد الوعري، والذي أثارت حادثة مقتله تعاطفاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي.
شهد يوما الخميس والجمعة الماضيان الأعمال الأعنف في مدينة حمص
وكانت الحملة الأمنية في المدينة قد بدأت إثر مقتل أحد عناصر «الأمن العام»، وإصابة 4 آخرين، جراء تفجير ضابط قنبلة يدوية بنفسه، في حي وادي الذهب، بعد تهديدات باقتحام منزله. وعلى الرغم من تأكيد مقتله على الفور من دون اشتباكات، نفّذت تلك القوات عمليات اعتقال وتفتيش في الحي، وحي كرم اللوز المجاور، ترافقت مع أصوات تكبير، وإطلاق نار عشوائي. وطبقاً لما أكّدته مصادر أهلية من الحي لـ«الأخبار»، فإنّ الضابط المذكور هو الطيار المتقاعد علي شلهوب.
ويرى ناشطون في المجتمع المدني أن التوترات الأمنية في المحافظة ناتجة من فشل الأمن العام في ضبط العناصر والفصائل المسلحة التابعة لوزارة الدفاع، إضافة إلى غياب آليات العقاب والمحاسبة لمرتكبي الأعمال الإجرامية، خاصة أن بعض هذه الجرائم تتم باسم «الأمن العام»، أو تحت ذريعة نصرته. وعلى سبيل المثال، يظهر مقطع فيديو هجوماً شنّه من يُعرفون ببدو «الفواعرة»، على أحياء ذات غالبية علوية في مدينة حمص، بهدف تمشيطها، كـ«فزعة» لنصرة القوات الحكومية، في سيناريو شبيه بما حدث في الساحل مطلع آذار الماضي.
ومع ذلك، تستمر الإدارة الجديدة في تنفيذ عمليات أمنية داخل الأحياء الجنوبية لمدينة حمص، وبعض القرى ذات الغالبية العلوية في ريفيْها الشمالي والغربي، لاعتقال عناصر مطلوبين من قوات النظام السّابق، جنباً إلى جنب «ضبط أعمال العنف التي تتعرض لها الأحياء الجنوبية للمدينة من الاتجاه الشرقي». وفي هذا الإطار، عمل «جهاز الأمن العام» على إغلاق بعض منافذ الشوارع التي تصل حي كرم اللوز ووادي الدهب بحي كرم الزيتون وباب دريب، فيما تمّ تسجيل أكثر من 6 هجمات لمسلحين يستقلّون دراجات نارية تجاه مدنيين في كرم اللوز ووادي الدهب، طبقاً لما يؤكّده الناشط المدني، علاء إبراهيم، الذي يتولى مهمة التنسيق بين الأهالي والإدارة السياسية، لمعرفة مصير بعض المعتقلين، في خضمّ غياب آليات محاسبة واضحة، واستغلال مسلحين مجهولين حالة الفوضى.
وفي تقرير مفصّل عن عدد الضحايا من محافظة حمص خلال نيسان، وثّق «المرصد» مقتل 3 شبان من المحافظة في سجون حكومة دمشق، بعد اعتقالهم في أثناء حملات أمنية مطلع العام الجاري. وعُثر على جثمان أحدهم قرب سدّ الحولة في ريف حمص، فيما عُثر على الآخرين في مشفى الوعر في مدينة حمص. وحذّر «المرصد السوري» من أنّ استمرار الجرائم والانتهاكات، من دون محاسبة، يفاقم معاناة المدنيين ويكرّس واقعاً مأساوياً يهدّد بتصاعد الفوضى وانعدام الأمان في سوريا، داعياً إلى «وقف الإعدامات الميدانية والانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها مسلحون في مناطق مختلفة».
ويردف أن هذه الجرائم تمثّل انتهاكاً خطيراً للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وتؤدّي إلى تفاقم معاناة المدنيين الذين يتحمّلون العبء الأكبر. ومن جهتها، دعت «مجموعة السلم الأهلي» السلطات المحلية إلى تحمّل مسؤولياتها في معالجة الإخفاق الأمني، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين، مناشدةً أهالي مدينة حمص التمسّك بقيم السلم الأهلي ونبذ العنف.
* الأخبار