كل ما يجري من حولك

فاشية واحدة تكشف حقيقة “الحضارة الغربية الدموية”

38

متابعات..|

نعيش في زمن تتداخل فيه الشعارات مع الحقائق، وتُستهلك مفردات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان حتى تفقد معناها، ونرى على الساحة العالمية وجوهاً تتصدر المشهد لا لتعزز هذه القيم، بل لتقوضها من الداخل، وتعيث بالأرض فساداً.

شخصيات مثل بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب هي تعبير فجّ عن صعود تيار نيوفاشي جديد، يختبئ خلف خطاب شعبوي ويرتكب انتهاكات ممنهجة تطال كرامة الإنسان وتتحدى كل ما خطّته البشرية من قوانين ومواثيق وأعراف بلا وجل، تحت ستار من الزيف الأخلاقي والتضليل الإعلامي.

الفاشية بلغة العصر

من غزة إلى الحدود المكسيكية، ومن الضفة الغربية إلى معتقلات غوانتانامو وسيكوت وغيرها الكثير على مستوى العالم يظهر التشابه الكبير بین سیاسات نتنياهو وترامب، في كراهية الآخر، تفكيك حقوق الشعوب وتبرير العنف تحت مسميات غير واقعية. نتنياهو، الذي حول الفلسطينيين إلى أهداف يومية تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”، وترامب الذي يتبنى هو الآخر سياسة القتل والإبادة، وأباح علناً استهداف المدنيين في الشرق الأوسط بما في ذلك اليمن، ووصف المهاجرين بـ “الحيوانات”، يقدمان نموذجاً متكاملاً للهمجية التي تدعمها آلة غربية تزعم أنها حامية لحقوق الإنسان وللقيم الإنسانية.

الأشد وطأة هو أن كليهما يمثلان امتداداً لتاريخ الاستعمار الغربي، الذي لم يتخل عن أدواته الدموية، بل غير فقط من خطابه. “صفقة القرن” و”ضم الضفة” ومؤخراً “الشرق الأوسط الجديد” و “ريفييراغزة” ليست سوى إعادة إنتاج المشاريع الاستيطان الأوروبي في الأمريكتين وأفريقيا حيث تُمسح هوية الشعوب لصالح رؤية عنصرية تقسم العالم إلى “أسياد” و “عبيد”.

المؤسسة الغربية

لا يمكن فصل تحركات ترامب ونتنياهو عن البيئة السياسية الغربية التي تنتج الفاشية ثم تبيعها للعالم كـ ” حلول استثنائية”. الكونغرس الأمريكي يواصل تمويل الجيش الإسرائيلي ليواصل إبادة الأطفال في الخيام، والاتحاد الأوروبي يصمت على جرائم الحرب مقابل صفقات سلاح. هذه المؤسسة الغربية التي تدين الفاشية في خطاباتها هي نفسها التي تمنح الشرعية لمجازر الكيان المارق وواشنطن.

حتى وسائل الإعلام الغربية، التي تتظاهر بالحياد، تلعب دور المحرف للوعي، إذ نجدها من جهة تصور مقاومة الفلسطينيين للإبادة كـ “عنف”، ومن جهة أخرى تقدم قصف المدن كـ ” حق دفاع عن النفس”. هذه الثنائية المعيارية تفضح زيف “الأخلاقيات الغربية” كأيديولوجيا مُسوّقة للهيمنة.

حتى المؤسسات الإعلامية الغربية، التي تدّعي الموضوعية وتتظاهر بالحياد، تعمل على تزييف الوعي وتضليل العقول، إذ نجدها من جهة تصور مقاومة الفلسطينيين للإبادة كـ “عنف”، ومن جهة أخرى تقدم قصف المدن كـ ” حق دفاع عن النفس”. هذه الثنائية المعيارية تفضح زيف “الأخلاقيات الغربية” كأيديولوجيا مُسوّقة للهيمنة.

زمن الأفول

اليوم، ينهار الغطاء الأخلاقي للغرب مع كل صورة لطفل فلسطيني مشوهاً بالقنابل الأمريكية الصنع، ومع كل لاجئ يرمى في “أقفاص دجاج” على حدود أوروبا. الأجيال الجديدة في قلب هذه المجتمعات الغربية نفسها تستيقظ على سؤال وجودي وعلني: كيف يمكن أن يكون “الزعيم الحر العالمي” في الوقت ذاته الراعي والممول للمجازر التي تهدد أعمق قيم الحرية والإنسانية؟

الصمود الفلسطيني مثل مقاومة شعوب أمريكا اللاتينية وأفريقيا ضد سياسات ترامب العنصرية، يثبت أن زمن الهيمنة الأمريكية الغربية آخذ في الأفول. ومع ذلك، المعركة الحقيقية هي في فضح وكشف وتفكيك المنظومة التي انتجت هذه النماذج الفاشية كترامب ونتنياهو اللذان لا يعتبران شذوذاً عن النظام، بل هما وجهاه الحقيقيان.

إذا كانت الحضارة في جوهرها تعني صون كرامة الإنسان والذود عن حقوقه الأصيلة، فإن ما اقترفه الغرب والأمريكان، ولا يزال، في الشرق الأوسط، يشكل نقيضاً صريحاً لها. الفاشية، في تجلياتها المعاصرة، لا تحمل بالضرورة الشارات الهتلرية، قد تأتي على أشكال مقنعة، متخفية خلف ستار البيروقراطية الرسمية وخطاب تبريري يسوق الاستعمار الجديد، إلا أن جذورها تظل واحدة، وهي مزيج من العنصرية الاستعمارية والدموية.

إن اللحظة التاريخية الراهنة تستدعي تفكيكاً إبستيمولوجياً عميقاً للأسس الفكرية والأيديولوجية التي تقوم عليها الهيمنة  الأمريكية الغربية، والكشف عن آليات القوة الناعمة والخشنة التي تستخدمها لفرض سيطرتها، مع التسليم بأن تحرير العقل الجمعي من هذه الأوهام هو الشرط الضروري لتجاوز هذا الواقع المأزوم نحو أفق إنساني أكثر عدالة.

محمد بن عامر – المساء برس

You might also like