بغداد – دمشق: تقارُبٌ شائك.. رفضٌ متصاعدٌ لاستقبال الشرع
متابعات..| تقرير*
في وقت تستعدّ فيه بغداد لاستضافة القمة العربية في أيار المقبل، يستمر الجدل في العراق حول الزيارة المنتظرة للرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، الذي لا تزال الذكريات المرتبطة بتورّطه في مقتل مئات العراقيين وتهجير ملايين آخرين، عندما كان منتمياً إلى تنظيم «القاعدة»، حاضرة بقوة في وجدان قطاعات واسعة من العراقيين. وكانت الحكومة العراقية رحّبت بالزيارة المرتقبة، واعتبرتها خطوة نحو تعزيز التعاون العربي – العربي، ولا سيما مع عودة الحديث عن إعادة دمج سوريا في محيطها العربي، وفتح آفاق جديدة للتنسيق في ملفات شائكة، تشمل أمن الحدود، والتبادل التجاري، وملف اللاجئين. وفي المقابل، عبّر عدد من الناشطين والمواطنين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن رفضهم الحادّ للزيارة، مشيرين إلى ما وصفوه بسجلّ «الجولاني» الدموي، مطالبين الحكومة بالتعامل بحذر دبلوماسي مع أيّ خطوة تتعلّق بالانفتاح على دمشق.
وبين الرفض الشعبي والترحيب الرسمي، تبقى زيارة الشرع اختباراً فعلياً للعراق، عنوانه كيفية الموازنة بين مصالح بغداد الإقليمية، وتطلعاتها إلى لعب دور محوري في القضايا العربية، وبين حساسيات الشارع المحلي، والذي يطالب بإلغاء دعوة الشرع. وفي هذا الصدد، يقول مصدر حكومي إن «القمة العربية هي حدث مهم جداً للعراق، وستنعكس ثمارها على أمنه واستقراره من جهة، والحفاظ على موقفه الريادي في السياسة الخارجية من جهة أخرى».
ويبيّن المصدر، في تصريح إلى «الأخبار»، أن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، دعا الشرع إلى حضور القمة، «لاعتبارات كثيرة تتعلّق بمشتركات البلدين من أمن وتجارة ومعابر حدودية ومبادلات اقتصادية، وأيضاً التوازنات الدولية والإقليمية والتي لا يستطيع العراق أن يكون بمعزل عنها». ويُتوقّع أن «يرسل الشرع وفداً ممثّلاً للحكومة برئاسة وزير الخارجية، أسعد الشيباني، لأسباب لا تتعلّق فقط بالرفض من قبل قوى سياسية عراقية، وإنما لأمور شخصية تتعلّق بالرئيس السوري الانتقالي نفسه»، لافتاً إلى أن «الاستعداد للقمة استثنائي وستشارك فيه جميع الدول العربية، بما فيها دول الخليج، لمناقشة قضايا مصيرية كثيرة».
ويرى السياسي العراقي، نجم القصاب، من جهته، أن الانفتاح على سوريا ضرورة جيوسياسية للعراق، لكنه في الوقت نفسه يتطلّب حساسية عالية في إدارة الرسائل الداخلية والخارجية، ولا سيما في ظل وجود تحفّظات شعبية لا يمكن تجاهلها، مضيفاً أن «المشتركات والتاريخ الطويل بين العراق وسوريا يحتمّان علينا تطبيع العلاقة والتعامل بدبلوماسية عالية». ويعتبر دعوة الشرع «رسالة طمأنة إلى المجتمع الدولي بأن العراق يتعامل مع الجميع وليست لديه مشكلة مع جيرانه، فضلاً عن النأي بنفسه عن المحاور، وهذا ما سيعزّز القمة العربية».
لكن، بعيداً من الخطاب الرسمي، عبّر عدد من النشطاء والكتّاب والسياسيين العراقيين عن رفضهم الصريح للزيارة، معتبرين أن إعادة فتح قنوات التواصل مع الإدارة السورية تحتاج إلى مراجعة نقدية لا مجاملة سياسية. وبالنسبة إلى الكثير من العراقيين، لا تزال صورة الشرع مرتبطة بعقود من التوتر والاتهامات بالإرهاب، ولا سيما خلال فترة مشاركته في تنظيم «القاعدة»، فضلاً عن تصريحاته العدائية ضد الشيعة في العراق، والتحريض على قتلهم في السنوات السابقة. وفي الأيام الماضية، تصدّر وسم «#لا_لزيارة_الشرع» بعض المنصات العراقية، حيث رأى بعض النشطاء أن «الترحيب بزيارته تبييض لصورة إدارته المتورّطة في جرائم حرب».
وفي هذا الإطار، يرى الباحث السياسي، حامد الدراجي، أن «الحكومة العراقية تجد نفسها في وضع معقّد؛ فهي تسعى لاستعادة دورها العربي من خلال احتضان القمة، لكنها تدرك أن الانفتاح على دمشق قد يُستغل داخلياً لتأليب الشارع أو الطعن في خطاب الحكومة المنفتح». ويشدّد على أن «أي تقارب مع دمشق يجب أن يسبقه حوار داخلي عراقي حول مصالح الدولة، من دون القفز فوق مشاعر الرأي العام»، مضيفاً أن «المصالح المشتركة تحتّم الحوار مع إدارة دمشق، لكن وفق سياقات محدّدة إلى حين اتّضاح نوايا النظام هناك».
ويعتبر عضو كتلة حركة «حقوق» النيابية، حسين العامري، بدوره، أن «الانفتاح على الإدارة السورية الجديدة المتورّطة في العديد من القضايا وغير المعترف بها دولياً، مجازفة كبيرة». ويشدّد على أن «العراق ينبغي عليه أن يحسب خطواته بشكل جيد في التعامل مع سوريا، ووفق شروط واعتبارات، لا أن يطبّع بالكامل العلاقة التي قد تنقلب عليه سلباً مستقبلاً، ولا سيما أن السلطة هناك عليها تهم كبيرة، كالمشاركة مع الجهات الإرهابية وإقصاء الأقليات».